أثارت قضايا الكسب غير المشروع التي شهدتها مصر عقب أحداث 25 يناير من إحالة لأبناء وزوجات المسئولين السابقين للتحقيق جدلاً واسعاً حول حق الزوجة في سؤال زوجها عن مصادر دخله تجنباً لأي مساءلة وكيف تسأله وماهي الأدلة الشرعية علي هذا؟ تؤكد د.إقبال الأمير السمالوطي عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالقاهرة أن الحياة الزوجية مشاركة بين الزوجين ويجعل من حق كل طرف معرفة مصدر دخل شريك حياته وهذا الأمر ليس من خصوصية أي من الأطراف لأنه لا يعيش بمفرده فالمسئولية مشتركة في الأسرة ومن حق أفرادها أن يعلموا من أين يطعمهم ويكسيهم أولو الأمر. تري أن الواقع يؤكد حدوث انهيار أخلاقي شمل معظم الأسر لأنهم سعوا لتحقيق طموحاتهم التي أصبحت بدون سقف دون النظر إلي الحلال والحرام بل أقبلوا عليه وشرعوه تحت مرأي ومسمع من رءوس الفساد الكبري والكارثة أن كثيرا من الزوجات تساهمن في الجرم بالسكوت عليه لأن هناك فائدة كبري تعود عليهن مما ينذر بتقويض البناء الأخلاقي للمجتمع. تطالب السمالوطي بإعمال القانون بشكل واضح علي الجميع نطبق ما قاله رسول الله "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" لذلك يجب أن يقطع دابر القوم الفاسدين. يري دكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس أن الزوج السوي يبادر ويخبر زوجته وشريكته عن كل ما يحصل عليه فهي شريكته وهو شريكها ويجب أن يتفقا علي الصراحة من أول يوم زواج. فعلاقة الزواج قائمة علي المودة والتراحم وليست حرباً لذلك يجب أن يتحقق فيها قول الله تعالي "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". ويري أن في الإخفاء استهانة وعدم تقدير من الزوج لشريكة حياته ويتناقض مع علاقة المودة والرحمة. كما أن هذا الزوج لا يعلم بها أقرب الناس إليه وهو ما يؤدي إلي الخراب المبين. يؤكد دكتور حامد أبوطالب جواز سؤال الزوجة لزوجها عن مصادر دخله لأن الأسرة في الإسلام تمثل شركة بين الزوج وزوجته ومن ثم يجوز للزوجة أن تستفسر وأن تسأل زوجها عن مصادر دخله لاسيما إذا كان هذا الدخل يفوق راتبه ومخصصاته المعروفة فإذا كان الزوج موظفاً بسيطاً فمن أين أتي بالسيارة والعمارة والمزارع لذلك من الواجب علي الزوجة أن تسأل زوجها عن مصدر هذا الدخل غير المعقول وإذا أجابها إجابة لم تقتنع بها فيجب عليها أن تتحري خوفاً من أن يأتي لها بأموال حرام. يشير إلي أن الزوجة التي تعلم أن زوجها يأكل من الحرام وتسكت علي ذلك ولا تقاوم فهي شريكة له في هذا الإثم. وبالنسبة لهذه الأسرة والأبناء الذين أطعمهم من حرام سيكون هذا المال وبالاً علي أبيهم وسبباً في إهانته من جانب أبنائه في الكبر لأنهم أبناء تربوا علي الحرام. يشير د.عبدالمعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق إلي قوله تعالي: "وقل لعبادي يقولوا بالتي هي أحسن" "وقولوا للناس حسني" وقول رسول الله "الكلمة الطيبة صدقة" لذلك إذا كان للزوج أو الزوجة الحق في سؤال شريكه عن مصدر دخله فيجب أن تتسم المعاملة بالمودة والرحمة فعلي الزوج أن يعامل زوجته بالمعروف وعلي الزوجة أن تكون لينة الجانب سهلة العشرة لقوله تعالي "وعاشروهن بالمعروف" حتي في حال الكراهية. يقول د.بيومي إن رسول الله علم البشر عبر التاريخ أن المال الحرام أو الأكل الحرام يجعل علي القلب ظلمة وغشاء بين الإنسان وربه فقد سأل أحد الصحابة رسول الله فقال: "ندعو فلا يستجاب لنا فقال له الرسول أطب مطعمك تستجب دعوتك" فالذي لا يأكل من طعام طيب حلال فلا يستجيب له الله إنما يستجيب للأتقياء الذين لا يتلوث دمهم ونفوسهم بالأكل الحرام. يقول رسول الله "كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به". يري فضيلة الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقاً ضرورة أن تتصف الزوجة باللطف في السؤال عن مصدر دخل الزوج خاصة إذا لاحظت أن هناك دخلاً غير عادي أو أن هناك شكاً في مصدر دخله. فمهما كان الزوج فاسداً فلن يصل فساده إلي فرعون الذي أمر الله سيدنا موسي وهارون أن يدعوه بالحسني لقوله تعالي: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشي" والزوجة بهذا السؤال تؤكد علي أن الزواج ميثاق غليظ يرتبطان به وتخشي عليه وتحثه علي تحري الحلال في عيشه والعمل بالمودة والرحمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". يقول الشيخ عادل أبوالعباس من علماء الأزهر الشريف: إن الإسلام كرم المرأة وجعل لها عقلية ناضجة محملة بالمسئولية كما حمل الرجل سواء بسواء لقوله تعالي: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" والآيات في ذلك كثيرة وكذلك أحاديث النبي وعندما تصبح المرأة زوجة فإنها تتحمل المسئولية كما يتحملها الزوج في رعاية الأسرة وأول شيء السؤال عن ما يدخله الزوج من أموال وهذه قضية قديمة عرفتها المرأة المسلمة التي كان إذا خرج زوجها للعمل قالت له: "اتق الله فينا ولا تدخل علينا حراماً فإننا نصبر علي الجوع ولا نصبر علي النار" وكثيراً ما أوردت كتب التاريخ نماذج مشرفة لنساء فضليات كان لهن الفضل الأعظم في إرجاع أزواجهن من دائرة الحرام. يري أن ما يقوم به جهاز الكسب غير المشروع من محاسبة لزوجات المسئولين السابقين طبقه سيدنا عمر بن عبدالعزيز حيث أخذ أموال زوجته فاطمة بنت عبدالملك وأعادها إلي الخزانة العامة فلما سألته منكرة صنيعه قال لها: "قولي لي من أين أتي به أبوك" وهذا دليل علي أن الزوج يمكن أن يكون في مكان الزوجة والعكس. يضيف أن ما يقوم به جهاز الكسب غير المشروع ليس فيه ظلم لزوجات المسئولين وأولادهم لأن الجميع مشترك حتي ولو بالسكوت. وهذا السكوت علامة علي الإقرار وهو ممنوع شرعاً في مثل هذه الأحداث بدليل أن المرأة تطيع زوجها في النوافل إذا طلب منها الإفطار في صيام نافلة لكنه يحرم عليه إن أطاعته في صيام الفريضة لأن القضية هنا تتعلق بالنص "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وإذا كان الهدف من كتابة الأموال أو الممتلكات هو توريط الزوجة والأبناء فإن الإسلام يطالب الزوجات بتحريم الخضوع لما يطلبه الأزواج ولها أن تسأل عن هذا المال وأن ترصد ما يدخل في ذمتها بوسائل شيطانية تضر بها في المستقبل. يري أبوالعباس أن المرأة يجوز لها شرعاً أن تتجسس في حالة واحدة إذا رأت أن الأموال المتدفقة مستحيل أن تأتي من خلال وظيفته ومستحيل أن تصل إلي هذه الأموال المخيفة. أما إذا كان له عمل فالإسلام هنا ينهي عن التجسس.