تختلف الرؤي والأفكار بعد أن أتيح لمصر أن تتكلم بحرية وأن تفكر بجدية لإصلاح ما فسد وللبناء علي نقاء لمستقبل وطن صار ملكا لأهله وشعر كل فرد فيه بعزة الانتماء والفخر بالأبناء والآباء. وبدون التورط في الحكم علي النوايا لدي بعض الأفكار المطروحة علي الساحة الاعلامية نريد أن تتفتح عقول النشء الواعد لحوار هادئ وهادف كما نريد للصفوة والنخبة ان تتريث في سعيها لاستيراد الأفكار والنظم قبل أن تجرد ما عند هذه الأمة من ثروة تشريعية قدمت للعالم حضارة انسانية ظلت ترفل أثناءها في حلل من المجد والفخار والأمن والاستقرار وهذه الثروة مرنة ومحفوظة وصالحة ومصلحة لكل جيل وعصر من حيث انها متسقة مع الفطرة والعقل وليست خاصة بجنس أو بيئة فقد طبقت في كل الظروف والبيئات في أوروبا وآسيا وافريقيا وانطلقت منها حضارة الغرب التي يشمخ بها الآن. وحين طبقت بصدق بنت حضارتها علي أسس تربوية تضرب بجذورها في عمق القلب الانساني لتنطلق منه الاشارات والدوافع نحو تسخير كل ملكات الفرد الي العمل النافع والتسابق في وضع اللبنات القوية لبنيان شامخ ومعمر وجاذب ومضيء. ومن واجبنا أن ندرك انه لما كان هذا التشريع المحكم حين يسود طاردا لغيره من نظم بشرية لا تدرك من حقائق الوجود ولا من طبائع النفوس ولا من مفاجآت المستقبل ما اختص به صانع هذا الوجود عالم الغيب والشهادة.. كانت العداوة من هذه النظم لهذا الدين منبثقة من تعارض المصالح والأهداف أو من الجهل بما في هذا الدين من سمو وعظمة وكان للشيطان اليد الطولي في اذكاء روح العداء والعدوان والعناد ومحاولة تشويه الاسلام والصد عنه وتزيين ما اخترعه العقل مستدلا بما توصلت اليه النظم البشرية من اكتشافات علمية مذهلة استخدمت في القهر والاذلال والسيطرة علي مقدرات الشعوب المسلمة التي وهن اعتصامها بحبل الله ولم تنفذ ما أمرها به شرعها في تحصيل اسباب القوة للدفاع عن وجودها وعن هويتها وعزتها واستسلمت لمغريات الحضارة واستكانت لمن فرض عليها من أصحاب المطامع الشخصية يلهونها عن رسالتها ويقفون امام نهضتها علي أساس من تعليم ربها. علي ان ما وصلت اليه أحوال هذه الشعوب المسلمة كان مخططا له من قبل عقول بذلت جهدا جبارا في الوصول إلي السبل التي تحطم في الأمة روح العزة والكرامة والبذل والتضحية وتضطرها إلي الانبطاح أمام الحضارة الغربية. وكان من أهم هذه السبل العبث في نظام التعليم والتربية بدءا من اقصاء التربية الدينية عن منشآتها التعليمية وإهمال الثقافة القرآنية في المرحلة العمرية التي تصلح ان تكون وعاء لها وانتهاء بهذا السيل الجارف من مدارس اللغات الأجنبية والجامعات الغربية والشرقية حتي صارت مصر مضرب المثل في فوضي التعليم. ومن مظاهر هذه الفوضي: 1- ان لكل لغة ولكل دولة منهجا في تربية أبنائها ولابد أن يتضمن هذا المنهج ما يسود فيها من قيم وأخلاق مع تمجيد لمسيرتها.. والآن تموج مصر بمدارس فرنسية وبريطانية وأمريكية ويابانية وألمانية وصينية وروسية ولمدارسها جامعات تواصل تعليم خريجيها.. فأين نصيب قيم مصر وأخلاقها ودينها في تلك المدارس والجامعات؟! وكيف يتوافق خريجوها علي اختلاف توجهاتهم ليكونوا شعبا واحدا ذا هدف واحد وفكر سوي؟! والأغرب من وجود هذه المدارس انها صارت أملا لعلية القوم اقتناعا منهم بأنها جادة في تعليم التقنية الحديثة واللغات الأجنبية التي تفتح لأبنائهم أبواب الثراء والانطلاق نحو المناصب العليا. 2- هذه المدارس تستقبل أبناءنا من سن الرابعة وتلقنهم لغتها وتدربهم علي قراءة ما كتب بها فيتعلمون لغة أجنبية قبل أن يتعلموا لغتهم الأصلية فينظرون اليها نظرة دونية من حيث انها لغة قوم متخلفين وكل ما كتب بها ولو كان قرآنا أو سنة لا يعنيهم في شيء فهو ينتمي إلي العصور الوسطي المظلمة كما يدعي الغرب. 3- تقابل هذه المدارس الأجنبية المدارس الرسمية للدولة وهي أيضا مكبلة بقرارات كرومر ودنلوب في إهمال حفظ القرآن الكريم وإقصاء التربية الدينية وحين فكر أحد الوزراء في النظام السابق أن يدخل مادة التربية الدينية في المجموع قامت عليه الدنيا ولم تقعد حتي اقصته من منصبه وقد بلغ تأثير الثقافة الغربية فيها إلي أن فرضت اللغات الأجنبية علي طلابها من سن الحضانة في المدارس الخاصة التي تشرف عليها الدولة ومن السنة الأولي الابتدائية في غيرها وهذا هو التغريب بعينه فالاسلام لا يمنع بل يحث علي تعليم اللغات الأخري ولكن بعد اتقان لغته وفهم دينه ومن المعلوم ان ما ثبت أولا في ذهن الطفل لا يمحي بسهولة اذا كان باطلا. 4- هناك نوع آخر من التعليم في مصر هو التعليم الأزهري وقد حورب كثيرا منذ مؤتمر القاهرة الذي انعقد 1906م برئاسة زويمر لبحث اسباب قوة الأزهر حتي جاء قانون التطوير الذي ثبت فشله في تخريج داعية متمكن كما فشل في تدريس علوم الدين حين فرض عليه منهج التربية والتعليم ومن العجيب ان الحجة التي قيلت يومها هي توحيد التعليم لأبناء الشعب الواحد والآن نري اخلاطا من التعليم لهذا الشعب الواحد وكأن المقصود الأهم من هذا التوحيد ألا يكون الشعب متوحدا علي الدين والقيم. هل هناك فوضي تعليمية في أي بلد من بلدان العالم مثل ما هو لدينا في مصر؟ ان فرنسا ترفض ان يتكلم أحد مواطنيها أو زوارها بلغة غير لغتها وأوروبا تعلن خوفها من اسلمة ابنائها حفاظا علي هويتها العلمانية وأمريكا تصر علي نشر نظريتها الديمقراطية الرأسمالية في العالم كله أما في مصر فلا يعد مثقفا من لا يدخل في كلامه لغة أجنبية ولا يعد عصريا من تمسك بشعائر دينه ومن يجيد الفصحي في كلامه يقال عنه انه متقعر يتكلم بالنحوي وهو متخلف عن ثقافة العصر من منطلق ان لغة العصر ولغة الحضارة والتقدم صارت مقصورة علي اللغات الأجنبية. هل يمكن لمصر ان تتحرر من عقدة الخواجة وان تنتمي إلي عروبتها التي شرفها الله بنزول وحيه الخاتم بلغتها وان تعي ما لديها من ذخائر في هذه الشريعة قبل أن تستورد ما ثبت فشله روحيا وخلقيا وتتبني النظام الاسلامي الذي يوازن بين المادة والروح وبين الدنيا والآخرة. اننا لن نفقد الأمل في صحوة تدرك هذه الحقيقة بأسرع مما نتصور فهناك بشائر وظواهر وهناك نزوع فطري نحو التدين. ان كثيرين من طلاب الجامعة الأمريكية يتسابقون في حفظ القرآن ودراسة علومه وان كثيرين من طلبة الطب والعلوم يتفوقون أحيانا في ذلك علي بعض طلاب الدراسات العربية والاسلامية. ان الله يختار لدينه ولكتابه ولن يكون المستقبل إلا لهذا الدين لأنه الحق والحق يعلو ولا يعلي عليه.. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. وإننا لنمد أكفنا إلي السماء ضارعين أن يسكب الله علي هذه الأمة من عونه وهداه ما يجمع شملها ويوحد جهدها ويرفع شأنها لتكون خير أمة أخرجت للناس بأسرع مما يتصوره الناس.