جاءت مادة الأمن في القرآن الكريم مرات كثيرة وتستعمل أحيانا بمعني الأمن الذي هو ضد الخوف وأحيانا تأتي من المادة مشتقات تدل علي الأمانة وأحيانا تأتي منها مشتقات تدل علي الايمان وقد وردت لفظة الأمانة في طائفة من الآيات كقوله تعالي "فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته" وقوله "ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها" وقوله "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" وقوله "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون". والأمانة كما تقول المعجمات ضد الخيانة والخيانة أن يؤتمن الرجل علي شيء فلا يؤدي الأمانة فيه ورجل أمنه بضم ففتح أي الذي يأمنه كل أحد في كل شيء وقد وردت كلمة الأمانة في آية كريمة فشغلت المفسرين أكثر من مثلها في آيات أخري وهذه الآية هي قول الله تعالي في سورة الأحزاب "إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحلمنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا" تعددت الأقوال في بيان المراد من الأمانة هنا فقال الراغب الأصفهاني قيل هي كلمة التوحيد وقيل العدالة وقيل حروف التهجي وقيل العقل وهو صحيح فإن العقل هو الذي لحصوله تتحصل معرفة التوحيد وتجري العدالة وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه وفعل ما طوقهم من الجميل فعله وبه فضل الانسان علي كثير ممن خلقه فالراغب بعد أن يورد أقوالا في معني الأمانة يختار معني العقل ويحاول أن يرجع اليه بقية المعاني ببيان كونها داخلة فيه أو راجعة اليه. وقد روي كما في اللسان عن ابن عباس وسعيد بن جبير انهما قالا الأمانة ها هنا الفرائض التي افترضها الله علي عباده وقال ابن عمر عرضت علي آدم الطاعة والمعصية وعرف ثواب الطاعة وعقاب المعصية ثم جاء في اللسان والذي عندي فيه الأمانة هنا النية التي يعتقدها الانسان فيما يظهره باللسان من الايمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر لأن الله عز وجل ائتمنه عليها ولم يظهر عليها احدا من خلقه فمن أضمر من التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدي الأمانة ومن أضمر التكذيب وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها وكل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل والانسان في قوله وحملها الانسان هو الكافر الشاك الذي لا يصدق وهو الظلوم الجهول يدلك علي ذلك قوله "ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله علي المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما". وكأن المراد هنا أن يجعل الأمانة هي مطابقة الاعتقاد الداخلي للعمل الظاهري والنطق اللساني وكأنه يجعل الأمانة ضدا للنفاق وإذا كان الفيروزابادي يذكر في القاموس ان المراد بالأمانة في الآية الفرائض المفروضة بأنه ينتقل بعد ذلك الي ذكر ما يؤيد صاحب اللسان فيقول: أو النية التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الايمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر لأن الله تعالي ائتمنه عليها ولم يظهرها لأحد من خلقه فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدي الأمانة. وقد نستطيع أن نلحظ الارتباط بين معني الأمن ومعني الأمانة لأن الأمانة توجد أمنا عند صاحبها لأنه يستقر بأمانته ومطابقة باطنه لظاهره وموافقة اعتقاده لعمله وقوله فلا يكون منافقا قلقا مذبذبا لا الي هولاء ولا الي هؤلاء فيتحقق له الأمن والاطمئنان ويزول عنه الخوف الناشيء من القلق والنفاق والتلون وكذلك يأمن الناس الذي تحلي بالأمانة وحفظ الأمانات لأن الأمانة صفة تظهر آثارها في حفظ الأمانات وهي الأشياء الذي يؤتمن عليها مادية كانت أو معنوية وفي الحديث "لا ايمان لمن لا أمانة له".