ردود فعل عديدة أثارتها المفاجأة الفقهية الخاصة بأن «كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان لا يقع شرعا»، والتى جدد الحديث عنها باستفاضة وأسانيد فقهية، الباحث إسلام بحيرى رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجريدة «اليوم السابع»- على صفحات الجريدة فى العدد الماضى، اجتهاد إسلام بحيرى يختلف عن السائد حول «متى يكون وقوع الطلاق بين المسلمين صحيحاً»، مستدلاً بآية من القرآن الكريم تؤكد أن الطلاق بين الزوجين لا يقع شرعاً إلا فى حالة وجود شاهدين مسلمين عدلين، فيما يعنى إنقاذ البيوت المسلمة من الانهيار فى لحظات الغضب والغيظ. رؤية بحيرى المسنودة بالحجج الفقهية، تختلف مع ما جاء به الكثير من الفقهاء القدامى كالطبرى وابن تيمية وابن كثير وابن القيم، وغيرهم الذين أجمعوا على وقوع الطلاق صحيحاً بلا قيد ولا شرط، مادام صدر من الزوج.. واعتبروا شرط الإشهاد ليس واجبا وإن كان مستحباً، وهى الرؤى الفقهية التى يستند إليها الفقهاء حتى وقتنا هذا، والتى يحدد على أساسها مصير الآلاف من الأسر المسلمة. ولأننا فى جريدة «اليوم السابع» مؤمنون بأن الأصل فى الاجتهاد هو الاختلاف الذى لا يؤدى إلى الخلاف، ولأننا أفردنا فى العدد السابق مساحة لرؤية الباحث إسلام بحيرى، وجب علينا أن نناقش فى هذا العدد ردود أفعال الفقهاء وأساتذة الشريعة، مدفوعين بسؤال مشروع، حول السبب فى الاعتماد على فتوى واحدة فى شرعية وقوع الطلاق، علماً بأن الدين يسر لا عسر. الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون السابق وعضو مجمعى البحوث الإسلامية وفقهاء الشريعة فى أمريكا- يرى أن هناك قاعدة أصولية فى الفقه تتصل بالأوامر التى جاءت على لسان الشرع، سواء كانت فى القرآن أو السنة الشريفة، هذه القاعدة تقول (بأن كل أمر يفيد الوجوب، إلا إذا قامت قرينة (دليل) تصرف الأمر عن الوجوب إلى معنى آخر كالإباحة، وتطبيقا لهذه القاعدة نجد جمهور العلماء عندما تحدثوا عن الإشهاد فى الديون ذكروا قول الله عز وجل: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) ومع أن الآية الكريمة فيها أمر بالإشهاد، إلا أن جمهور العلماء قالوا إن الأمر هنا لا يفيد الوجوب .. وأن أمر الإشهاد فى الديون أمر إرشادى ومستحب.. وقال جمهور العلماء، أى الغالبية منهم، إن الدليل أو القرينة هنا قول الله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) هذا النص القرآنى يفيد أنه من الممكن أن يأتمن الدائن المدين ولا داعى للكتابة أو الإشهاد.. وكذلك أمر الإشهاد فى الطلاق والرجعة، قال الله عز وجل (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) وهذا الأمر جاء لإشهاد فى الرجعة إلا أن كثيرا من العلماء أيضا لم يجب الإشهاد.. ولعلهم اعتمدوا فى القرينة التى صرفت الأمر من الواجب إلى المستحب.. ورغم أن هناك رأيا يقول بوجوب الإشهاد فى الطلاق وهو ما يراه (ابن حزم الظاهرى) والإمام ابن حنبل فى إحدى روايتين عنه وبعض الشيعة، لكن جمهور العلماء لا يوجبون الإشهاد حتى الإشهاد على الرجعة، واعتبروه امرا مستحبا لا واجبا.. ودليل جمهور العلماء هنا لكى تتحول من الوجوب إلى المستحب، أولا: المراجعات بين الزوجين كانت تحصل فى صدر الإسلام، ولم ينقل أن طلب الرسول الكريم إشهادا عليها.. فعندما طلق عبد الله بن عمر زوجته وهى حائض فأمره الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بمراجعتها ولم يأمره بالإشهاد على الرجعة، فلو كانت الشهادة على الرجعة شرطا لصحتها لكان الرسول قد أمره بذلك.. ومما يدل على أن الأمر أيضا بالإشهاد فى الرجعة ليس واجبا أنه لم ينقل عن الصحابة اشتراط الإشهاد فى الرجعة.. ولعل الحكمة، كما يفسرها الدكتور رأفت عثمان.. هى أن الزواج واستحلال أمر كان محرما بين الرجل والمرأة، وهو الاستمتاع الجنسى احتاج إلى التشديد فى إثباته.. وتقييده بعدة شروط.. أما على العكس فى حالة الطلاق فإنه تنازل عن حق له، والتنازل عن الحقوق لا يحتاج إلى قيود وشروط كثيرة.. أما الدكتورة سعاد صالح فرغم أنها تعرف أن المذاهب الأربعة لم توجب الإشهاد فى الطلاق.. إلا أنها تتمسك بالآية القرآنية فى سورة الطلاق والتى اعتبرها الباحث (إسلام بحيرى) فى بحثه دليلا على وجوب الإشهاد فى الطلاق، وأيضا اعتبرها جانب كبير من الشيعة.. بالإضافة إلى أن مصلحة الأسرة الآن تقتضى العمل على الحفاظ على تماسكها.. الدكتور عبدالحكم الصعيدى الأستاذ بجامعة الأزهر يرى الإشهاد والدليل الذى جاء به الباحث إسلام بحيرى ينصرف إلى الطلاق والرجعة، بمعنى أنه إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته تطليق السنة يأتى بشاهدين، وإذا أراد إن يراجع يشهد على المراجعة شهودا عدولا.. إذن الإشهاد هنا سنة وليس شرطا، بمعنى أن الطلاق يقع بمجرد التلفظ به، فإن كان هناك إشهاد كان التطليق موافقا للسنة.. وإذا لم يكن هناك شهود كان التطليق صحيحا ولكنه مخالف للسنة.. فالإشهاد سنة وليس واجبا وكذلك الرجعة لعموم النصوص الأخرى التى لا تشترط الإشهاد كقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد» وذكر الطلاق والنكاح والعتق. الشيخ منصور الرفاعى وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد سابقا- يتفق مع الباحث (إسلام بحيرى) فى وجوب الإشهاد على الطلاق.. فكيف يكون الإشهاد واجبا على الرجعة وهى الفرع.. ولا يكون واجبا على الطلاق وهو الأصل؟ ويرجع الشيخ منصور استناده إلى ما يحدث فى مجتمعنا من زيادة عدد حالات الطلاق وعدم فهم الناس لقدسية الحياة الزوجية كما جاء فى الآية القرآنية (وعاشروهن بالمعروف)، وعندما اختلت المعايير الأخلاقية وأصبح الزواج يقصد به متعة أو تجربة أو ما شابه ذلك، تدخل الإمام بن حزم وهو من علماء الأندلس وجاء فى كتابه (المحلى) بأن الطلاق لا يقع إلا أمام شهود عدول حيث غاب الوعى الدينى، كما قال بهذا الرأى الأستاذ العظيم الدكتور (البهى الخولى) فى كتابه (المرأة بين البيت والمجتمع) ،كما أفتى به أيضا الدكتور (محمد يوسف) وهو من العلماء العظام.. وأشار إلى ذلك أيضا الشيخ (سيد سابق) والشيخ محمد الغزالى رحمهم الله جميعا. أدعو وزارة العدل إلى وضع بعض القيود أو الشروط لحماية الأسرة المسلمة من الانهيار، وأهم هذه الشروط: لابد أن يحضر شاهد من قبل الزوجة وشاهد من قبل الزوج. وإذا كان الولى الذى عقد للزوجة موجودا، يحضر الطلاق بالإضافة إلى حضور الزوجين وإلا يتم الطلاق غيابيا. لمعلوماتك... ◄246 ألف حالة طلاق فى السنه ◄2 مليون مطلقة فى مصر طبقاً لجهاز التعبئة والإحصاء