فيلم دعاء وعزيزة نصف الحلم.. لا معني له.. نصف الحقيقة.. جريمة.. نصف الكلام.. ضلالة.. » إذا لا تجالس أنصاف العشاق.. ولاتصادق أنصاف الأصدقاء.. ولا تقرأ لأنصاف الموهوبين.. لا تعش نصف حياة.. ولا تمت نصف موت.. لاتختر نصف حل.. ولاتقف في منتصف الحقيقة.. لا تحلم نصف حلم.. ولا تتعلق بنصف أمل.إذا صمت .. فاصمت حتي النهاية.. وإذا تكلمت.. فتكلم حتي النهاية.. لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت، إذا رضيت فعبر عن رضاك، ولا تصطنع نصف رضا.. إذا رفضت.. فعبر عن رفضك.. لأن نصف الرفض قبول. فالحق يحتاج إلي رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه« كلمات هي قاموس حياة.. وأبجدية سلوك.. كتبها برقي شديد الفليسوف والشاعر والكاتب اللبناني الراحل القدير (جبران خليل جبران) شاعر المهجر.. الذي عاش حياته في أمريكا.. لكنه حمل وطنه في قلبه.. وأسكنه في وجدانه.. ودافع عنه وعن ثقافته بعقله.. في غربته كان لبنانيا عربيا امتلك اللغة والجذور الثقافية.. اغترف من الغرب لكي يثري من خبراته.. ليزود بها العالم أجمع. الحديث عن جبران هذا الشاعر العظيم الذي طوع اللغة العربية.. ليترجم خواطره وأحلامه.. وأفكاره.. لتظل خالدة تعبر عن الإنسان صالحة لكل زمان ومكان.. تري أيهما أقسي علي النفس: الغربة في دول المهجر.. أم الغربة في الوطن التي يعاني منها الكثير منا.. أذكر أنه في بداية حياتي الصحفية التقيت بالكاتب الراحل الكبير (نجيب محفوظ) بالإسكندرية.. كنت شابة.. وعائدة من فرنسا حديثا بعد ما يقرب من عامين أو ثلاثة أمضيتها هناك وكنت أتمني وقتها أن أستمر.. لولا والدي رحمه الله.. الذي أصر علي عودتي.. فعدت حبا وإكراما له. يوم التقيت بالكاتب الكبير دار بيننا حديث طويل حول (الغربة) في الخارج.. و(الاغتراب) في الوطن.. وما أقساه.. المعاناة منه قاتلة.. تحتاج الكثير من الفهم والمصالحة كعلاج كي تشفي منه. في الغربة تستطيع أن تحلم بالعودة للوطن.. وتشعر بحنين في استرجاع الذكري وكل الأشياء الحلوة.. أما »الاغتراب« في الوطن فمرارته شديدة كالعلقم.. لا أدري حقيقة كيفية الشفاء منها.. لأن في الفرار.. هروب والهروب من الشيء.. ليس بالحل الصحيح.. بل هو (مسكن) مؤقت.. طالت أو قصرت مدته.
أحيانا أخاصم أكثر الأشياء حبا إلي قلبي.. ربما (كعقاب) لنفسي.. أو رفضا لواقع يحيط بي.. أعجز أحيانا عن الفرار منه.. أخاصم (قلبي) أو بمعني أدق (قلمي) الذي يعكس نبضي علي الورق.. الحروف هي الدماء التي تجري في شراييني.. وما أكثر ما قطعت هذه (الأحرف) الشرايين كنوع من أنواع الانتحار.. أحيانا بسبب آلام مرضية.. أو أخري نفسية.. لكن قي كل مرة أعود عاشقة للكلمة والحروف والقلم.. ففيها كل الحياة. (دعاء).. و(عزيزة) فيلم تسجيلي للمخرج الموهوب (سعد هنداوي) الذي أكن له كل تقدير.. ومحبة.. وهو إحدي العلامات الشابة المميزة سواء في السينما التسجيلية.. أو الروائية الطويلة.. واعترف إنني منحازة له بشدة. »دعاء« و»عزيزة«.. فيلم تأخرت كثيرا عن مشاهدته.. رأيته أخيرا.. ليصالحني علي »القلم« و»الأحرف«.. والكلمات من جديد ويثير في نفسي مساحة كبيرة من الشجن.. ويعيد إلي ذكريات بعيدة عشتها في مرحلة الشباب في عاصمة النور (باريس). هذا الفيلم المليء بالصدق والمشاعر المفعمة.. الذي بدأ تصويره (سعد هنداوي) منذ عام 2005 ويروي قصة فتاتين لاتمثلان مصر فقط.. بل العالم العربي أجمع (عزيزة) التي تحلم بالسفر لفرنسا والحياة في بلد النور.. بحثا عن حريتها الشخصية وإنسانيتها.. بعدما عانت من اغترابها الشديد في مصر بلدها.. وطنها.. معاناة فتاة لها شخصية تحاول أن تحافظ علي كيانها.. من المفترض إنها تعمل بالتليفزيون قارئة نشرة.. لكن ما تتقاضاه.. لا يكفيها.. هي دوما في احتياج لمساعدة الأسرة. عزيزة من أب مصري.. وأم مجرية.. لكنها تعشق مصر.. لذلك كانت رافضة هي والأب في البداية لفكرة سفر عزيزة للخارج.. لكن قبل بداية السفر مباشرة.. تتساءل عزيزة هل في سفرها خيانة للبلد.. للوطن في الابتعاد عنه؟ تجيبها الأم بعفوية »كلا.. الوطن هو الذي يدفعك للخارج«.. أما الأب فيري أنه نتيجة لتربيته المميزة لابنته جعلها تصطدم بالعديد من المفاهيم الخاطئة في هذا الوطن الذي يعاني من (الزيف). تسافر (عزيزة) لفرنسا.. رحلتها في دولة المهجر تجعلها تتصالح مع »وطنها« لتجد نفسها تدافع عنه بقسوة أمام من يحاول تجريحه وهي من كانت من قبل تشكو منه. عزيزة المسيحية تدافع عن الإسلام والمسلمين وتفند كل المفاهيم حتي تكون صورة الإسلام صحيحة لمن لايفهمونه.. في الحقيقة (ديانة) عزيزة لم نكن لنعرفها.. لأنها في الأصل فتاة مصرية.. تجربتها في الحياة من المفترض أنها نجحت.. حيث أصبحت قارئة للنشرة في قناة فرنسية وأصبح لديها بعد كل تلك السنوات حياة مستقرة ناجحة في باريس يزينها ابن صغير.. حلم الأمومة والاستقرار ربما هو ماكنت تسعي إليه من البداية (دعاء) الفتاة المصرية الفرنسية التي ولدت هناك لتحمل الجنسية.. لاتجيد قراءة العربية.. تتكلمها بحكم أن والديها مصريان.. حتي اسمها (دعاء) صعب نطقه في فرنسا ولذلك كان أسهل أن يسموها (درة) .. »دعاء« قررت ترك الحياة في عاصمة النور لتأتي إلي مصر بلدها الأصلي لتعيش وتعمل.. بالتأكيد شعر والداها بالقلق لكن ما خفف عنهما أن ستعود للحياة في ظل العائلة الأسرة الكبيرة. معاناة (دعاء) في وطنها الأصلي.. كان في التعامل اليومي.. مع سائقي التاكسي لأنها لاتستطيع أن تستقل مثلا المواصلات العامة.. (الملابس) التي لم يكن أحد يعيرها اهتماما في فرنسا.. كانت محل انتقاد.. مفردات صغيرة في الحياة كانت تتصارع معها يوميا.. لكي تستمر.. ومازالت مستمرة.. وتأتي الثورة في 52 يناير لتعترف بأنها أجمل ما عاشته.. وهذا يكفيها.. نجحت في عملها أيضا بالتليفزيون.. لكنها لم تستطع أن تحقق ماكانت تحلم به في البداية حضن دافئ من شخص تحبه.. وطفل تحمله بين ذراعيها.. لكن من منا تعطيه الحياة كل ما يريد. إن هذا الفيلم الصادق الذي أمتعني كثيرا.. يستحق عنه سعد هنداوي كل تقدير.. ونحن في انتظار أعمال جديدة له.. وأيضا هذه تحية خاصة لعزيزة.. ودعاء.. وكل فتاة عربية حاولت من أجل نفسها ومستقبلها البحث عن حياة أفضل سواء في وطنها أو في دولة مهجر.. دون أن تفقد جذورها وتضيع في الحياة التي أجمل ما فيها أننا في وسط الأحزاب (لسه) قادرين علي الفرح.