علي الرغم من تمتع مصر بثروة مائية وشواطئ إلا أنها تعاني عجزا وفقرا ملحوظا في الثروة السمكية مما يحرم المواطن محدود الدخل من تناول وجبة قد ينتظرها طيلة أيام عديدة لتغنيه وتعوضه حرمانه من وجبة اللحوم والدجاج تلك التي تشهد ارتفاعا حادا في أسعارها يوما تلو الآخر لتصبح حلما يعيش عليها هؤلاء البائسون وماعلي الحكومات إلا أن تستورد ملايين الأطنان من الدول الأوربية أو حتي العربية الشقيقة لتسد ذلك العجز مما يوقعها في فخ استيراد الأسماك الفاسدة أو حتي المسممة مما يودي بحياة عشرات الفقراء .. جولة علي الطبيعة في المزارع السمكية: "آخرساعة" فتحت هذا الملف الشائك ورصدت أوضاع الصيادين ومعاناتهم المتعددة وأسباب نقصان الإنتاج السمكي وتحدثت مع الخبراء والمختصين في مجال الثروة السمكية والاستثمار السمكي سعيا للوصول الي روشتة فعالة لإنقاذ تلك الثروة وتحقيق أقصي استفادة منها. البداية كانت مع صيادي ترعة الإسماعيلية تلك الترعة التي تجوب أراضي ثلاث محافظات لتمدها بالخير الوفير وتبدأ من الإسماعيلية المحافظة الأم والتي أعطت لها الضوء الأخضر لتمر بسلام إلي جاراتها من محافظتي الشرقية والقليوبية حاملة إليهما المياه العذبة لري الأراضي الكائنة علي جانبيها وتحتضن في أعماقها عشرات الصيادين الذين خرجوا للبحث عما ستجود به الترعة عليهم تشيعهم أنظار زوجاتهم وهن يدعين الله ألا يخيب رجاءهن ولكن ماباليد حيلة فالترعة أبت أن تمن علي هؤلاء الفقراء فرحة ينعمون بها ورزقا يقتاتون منه فأسماكها هربت إلي مكان غير معلوم وأخري نفقت جراء التلوث المحيط بالمكان. فمصانع الأسمدة الموجودة بأبي زعبل والمنتشرة علي جانب الترعة قررت أن تلقي بمخلفاتها بقلب تلك الترعة ضاربة عرض الحائط بكافة القوانين والأعراف البيئية لتصاب الأسماك بالنفوق التام ولم تكن تلك الأسماك وحدها هي التي طالتها أيادي التخريب الآثمة بل إن سكان تلك المناطق يعانون من أمراض الربو وضيق التنفس بالإضافة إلي الفشل الكلوي ويتربع علي رأسهم هؤلاء الصيادون المصابون بأمراض شتي. ولم تكن المصانع وحدها من تآمرت علي أقدار الصيادين فورد النيل هو الآخر قد غزا سطح الترعة ليحولها إلي لوحة خضراء باهتة لامعالم لها فاصاب الأسماك بالاختناق وحجب عنها الشمس والهواء لتروح آلاف الأسماك ضحايا له. يقول سعد علوي أحد صيادي الترعة: تمثل حرفة الصيد المصدر الوحيد للرزق لدينا، ومن ثم فإن قلة الحصيلة منها يؤثر علي حياتنا بالكامل، وقد زادت مشكلة تلوث المياه من معاناتنا، حيث قلت الثروة السمكية بمصر كثيرًا بسبب إلقاء مخلفات القمامة والصرف الصحي من قبل أهالي سرياقوس وأبي زعبل والقري المجاورة علاوة علي جثث الحيوانات النافقة، بل وأحيانًا يخرج الشبك جثثا آدمية لقتلي تم التخلص منها بإلقائها في النيل!. ويضيف علوي: وبالإضافة إلي متاعب الصيد وأخطار البحر، فإننا لسنا في مأمن من البلطجية وقطاع الطرق، ورغم أننا نسدد تأمينات عن المراكب وضرائب وغير ذلك من أعباء، فإننا لا نتلقي أي تعويضات أو أي مقابل في حالات الحوادث أو الإصابات فلا توجد نقابة لتضمن حقوقنا علي الرغم من وجود "مكتب الصيادة" التابع للحكومة فإنه لا يعطي الصياد أي شيء ولا ينفعه بشيء! أما الحاج نادي فضل الله شيخ الصيادين فقال: بالرغم من شهرة مصر في إنتاج السمك النيلي والمعروف بالبلطي إلا أن الإنتاج قل كثيرا منذ أكثر من عشرة أعوام وذلك بسبب انتشار ورد النيل والتلوث المائي من صرف صحي وزراعي دون أن تحرك الجهات المختصة ساكنا ناهيك عن المعوقات التي تواجه الصيادين أنفسهم من سحب لتراخيص المراكب وفرض الكثير من الغرامات عليهم مما يجعلهم يعزفون عن الصيد بشكل عام وقد طالبنا مرارا برفع الغرامات والأعباء المالية عن كاهل الصيادين ولكن دون جدوي.؟ وبالطبع فان المشكلات التي تواجه أصحاب المزارع السمكية قد تختلف عن الصيادين بشكل عام يقول الحاج أحمد بيومي صاحب إحدي المزارع بالعباسة بمحافظة الشرقية: مما لاشك فيه أننا نعاني من عدة مشكلات أهمها ارتفاع أسعار الأعلاف والأسمدة التي قد تباع في السوق السوداء بأسعار باهظة مما لايمكننا من الانتظام في شرائها والاعتماد عليها وبالطبع فان هذا من شانه أن يؤثر علي إنتاجنا بالإضافة إلي نقصان وجود أسماك الزريعة هي الأخري مما يوقعنا في فخ التعامل مع المافيا التي تصطادها وتتحكم فيها بعد ذلك. ويستكمل الحاج ربيع شلش - أحد ملاك المزارع بالحسينية بالشرقية: بالإضافة الي كل المشكلات السالف ذكرها فان هناك مشكلة تواجه الكثير منا ألا وهي سطوة البلطجية وقطاع الطرق علي مزارعنا وإحكام قبضتهم عليها ويقومون بسرقتها وتهديد أصحابها ما يؤدي إلي القضاء نهائيا علي هذه المشروعات، بالإضافة إلي ضرورة وقف تدفق مياه الصرف الصحي والصناعي إلي البحيرة للقضاء علي تلوث مياه البحيرة حيث يصب بها 652 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي. واختتم فرج دنيا حديثه: وإذا كنا نتعرض لتلك المشكلات فإن هناك مشكلة أخري كفيلة بالقضاء علي المشروع كله ألا وهي الطيور المائية حيث يوجد عدد كبير من الطيور المائية التي تسبب أضرارا للمزارع السمكية خاصة أثناء عمليات صرف الأحواض وصيد الأسماك الكلي وكذلك في المناطق الضحلة من الحوض هذه الطيور يمكن أن يأكل الطائر منها حوالي 10 - 12 سمكة في اليوم الواحد كذلك تعتبر هذه الطيور حاملة لبعض الأمراض وتنقل الأمراض من حوض لآخر أو من مزرعة لأخري. فضلا عن الحشرات المائية المفترسة. حيث تنتشر بعض الحشرات المفترسة في أحواض التحضين فتقوم بالتهام الأسماك حديثة الفقس. وهناك الثعابين والفئران المائية والتي تتغذي مباشرة علي صغار الأسماك وخاصة في أحواض التحضين، كما أن الفئران تقوم بالتغذية علي علائق الأسماك مما يسبب خسائر مادية لمربي الأسماك. وهناك الضفادع وتمثل أحواض التحضين بيئة مناسبة للتزاوج مما ينتج عنه توافر أعداد كبيرة جدا من الضفادع والتي تنافس صغار الأسماك في غذائها داخل الحوض مما يؤثر علي معدلات نمو الأسماك في هذه الفترة وخاصة صغار البلطي والمبروك ويظهر ذلك عند جمع الأسماك لإعادة توزيعها داخل الأحواض بوجود أعداد كبيرة من صغار الضفادع كما أن الأطوار الكبيرة نسبيا من الضفادع تتغذي علي صغار الأسماك مباشرة علاوة علي نقل هذه الضفادع إلي كثير من الأمراض بين الأحواض لانتقالها من حوض إلي آخر مما يؤدي إلي انتشار الأمراض داخل المزرعة. استعرضنا آراء الخبراء وأساتذة الاقتصاد الزراعي للتعرف علي حلول لتلك المشكلة الملحة والتي ستدخل مصر في دوامة الفقر الغذائي بعد عدة سنوات وماهو دور الجهات البحثية للنهوض بتلك الثروة. حيث يقول د.محمد عبد الغني مدير عام إدارة المرابي والبحيرات للنهوض بالثروة السمكية. من المعروف أن الثروة السمكية تتعرض للكثير من الاغتيالات بدءا من تلوث المياه التي يحييون فيها أو هجوم ورد النيل عليها وعوامل أخري وكل هذا من شأنه التأثير علي انتاج مص المحلي وقد فكرنا مرارا بالهيئة العامة لتنمية الثروة في حلول جذرية وذلك عن طريق إزالة آثار التلوث الزراعي بتطوير وتطهير البواغيز الساحلية وشق الممرات والقنوات بالمسطحات الداخلية وإزالة السدود والحشائش والنباتات المائية وورد النيل لتوفير بيئة مناسبة لنمو إنتاج تلك المسطحات كما تسعي مصر للإستفادة من تجارب الدول المتقدمة في إنتاج زريعة سمكية صديقة البيئة بعيدة عن التلوث والاستفادة من قنديل البحر الذي اكتشف دوره الكبير في الحفاظ علي الاسماك .. ويختتم حواره قائلا: ويعتبر منع تحويل المزارع السمكية إلي أراض زراعية وتحويل أي أرض تجف من البحيرات إلي مزارع سمكية من أهم أسباب التنمية وزيادة المدة الإيجارية للمزارع السمكية من 5 إلي 15 عاماً لإعطاء الفرصة والثقة الكافية للمستثمرين حتي يتمكنوا من ضخ الاستثمارات الكافية لتحقيق النمو الواعد للاستزراع المائي الذي أصبح أحد أقوي الحلول . أما د. شريف فتوح أستاذ اقتصاديات إدارة وتنمية المصايد بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد فيري أن العجز المتزايد في الإنتاج السمكي بمصر وصل إلي 280 ألف طن عام 2010 والأرقام في زيادة رهيبة .. ويرجع أسباب زيادة هذه الفجوة إلي انخفاض الطاقة الإنتاجية للمصايد الطبيعية للأسماك نتيجة الصيد الجائر في كافة المصايد.. والذي يؤدي إلي تقليل حجم الحد الأدني للمخزونات السمكية، علاوة علي التلوث الذي تعاني منه معظم المصايد المصرية.. والذي أثر سلباً علي إنتاجية هذه المصايد. يتابع د.شريف فتوح: أن البحيرات مازالت من أهم مصايد الأسماك في مصر .. وهي الأمل في زيادة الإنتاج السمكي ..وتقسم مصايد البحيرات إلي 3 مجموعات: البحيرات الشمالية وتشمل المنزلة والبرلس وأدكو ومريوط .. والبحيرات الداخلية وهي قارون وناصر ووادي الريان .. وبحيرات الشمال وهي البردويل وملاحة بور فؤاد ولاجون مطروح.. وبالرغم من صغر مساحة المسطحات المائية لمصايد البحيرات المصرية، فإنها تساهم بما يقرب من نصف الإنتاج السمكي .. وبحساب الاتجاه العام لإنتاج أسماك البحيرات تبين أنه كان يزيد بنحو 4.2 طن سنوياً.