الطوفان الهادر من جموع الشعب المصري الذي شهدته الميادين والشوارع في 30 يونيو، يحتاج وبشكل سريع إلي استلهام ما جاء في بيان القوات المسلحة من ضرورة أن يتوقف الجميع عن أي شيء بخلاف احتضان هذا الشعب الأبي الذي برهن علي استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص والتفاني من أجله، فالضرورة تحتم بعد أن تهدأ الأمور، أن تكف النخب عن الجدل وعن رفع الشعارات، لن ننجح في تحقيق أهداف الثورة إلا إذا بدأنا في فتح حوار اقتصادي مستمر، نناقش من خلاله سيناريوهات المستقبل بجدية، لاستنفار القوة الكامنة في هذا الشعب العظيم، والإمكانات التي لو تم استغلاها بشكل إيجابي لصارت مصر من أقوي النمور الاقتصادية في العالم، ولا نحتاج لأي مساعدات من أحد، فالشعب المصري يمتلك كل وسائل مواجهة تحديات العصر الحديث، ويمتلك الخبراء علي أعلي مستوي في كل مجال يخطر علي البال، ويمتلك الطاقات الإنتاجية اللازمة سواء كانت بشرية أم طبيعية، ولذلك علي من يتصدي لقيادة مصر في المرحلة المقبلة، أن يعي تماما أنه سيحمل عبئا ثقيلا، وأن يستلهم في نفس الوقت تاريخ هذا الشعب العظيم، الذي استطاع في عهد محمد علي، وفي سنوات قليلة أن يقيم صناعات وطنية أساسية، وقوة عسكرية ضخمة دقت أبواب القسطنطينية، وفي عصر ثورة يوليو، تمكن هذا الشعب بين حربي 56 و67 من إقامة قاعدة صناعية لم تتمكن منها أي دولة من دول العالم الثالث، وفي المرتين تحالفت عليها الدنيا لترغمها علي العودة إلي داخل حدودها، فتقدم مصر الحضاري يجر وراءه تلقائيا العالم العربي دون خطة ولا برنامج، وهذا هو السبب الأكبر لأن تكون مصر دولة مستهدفة، لتأثيرها الذي يمتد أوتوماتيكيا إلي ساحة أكبر وأخطر في القياس العالمي، وإن لم نستغل هذا الطوفان الهادر، ونوجه طاقات هذه الملايين، التوجيه الصحيح، سيتحول الأمر من جديد إلي مظاهرات فئوية وقطع للطرق، فللمصريين خاصية لا توجد في شعب آخر، إنه يفعل الشيء ونقيضه إن لم يجد من يحنو عليه.