مصر تمتلك كل وسائل مواجهة تحديات العصر الحديث، تمتلك الخبراء علي أعلي مستوي، في كل مجال يخطر علي البال، وتمتلك الطاقات الإنتاجية اللازمة، سواء كانت بشرية أم طبيعية، وتمتلك الشعور بالانتماء الحضاري العميق، وفي مقابل ذلك، يثقل كاهلها أن معدل الأمية بين السكان كبير، وأن معدل دخل الفرد تقهقر فصار أقل من معظم الدول العربية "غير البترولية طبعا"، ومن بعض الدول الأفريقية، وهذه هي الحقائق التي يجب أن نواجهها دون أن يجرح غرورنا، فالغرور المضلل ليس من الوطنية في شيء، والفئة المثقفة بوجه خاص، والمتعلمة بوجه عام، قادرة علي أن تضع علي كاهلها الحمل الثقيل، وتمضي به إلي الأمام وبسرعة، وقد فعلت مصر ذلك مرتين: الأولي في عصر محمد علي، حين أقامت في قليل من السنين، صناعات وطنية أساسية، وقوة عسكرية ضخمة، ودقت أبواب القسطنطينية، والثانية في عصر ثورة يوليو، حين تمكنت بين حربي 56 و 67 من إقامة قاعدة صناعية، لم تتمكن منها أي دولة من دول العالم الثالث، ولكن مصر دولة مستهدفة، فقيام دولة قوية في هذا الموقع الفريد يغير كل موازين القوي، ولذلك ففي المرتين، اللتين تعدان علامة التحول في حياة مصر، تحالفت عليها الدنيا، لترغمها علي العودة إلي داخل حدودها، فتقدم مصر الحضاري يجر وراءه تلقائيا العالم العربي، دون خطة ولا برنامج، وهذا هو السبب الأكبر لتكون مصر دولة مستهدفة، لأن لها تاثيرا يمتد أوتوماتيكيا إلي ساحة أكبر وأخطر في القياس العالمي، والحضارة ليست هي ناطحات السحاب والسيارات المكيفة، أوالتكنولوجيا والقيم الأوروبية بوجه عام، الحضارة مجموعة قيم ونظم تسود المجتمع، قيم العمل والإبداع والتفوق، ونظم تيسر لهذه القيم مجالات الانطلاق، وبالتالي فإن التسلط الفردي، وانعدام تكافؤ الفرص، والشللية والمحسوبية والاعتبارات الشخصية، تخلق عقبات واستبدادا ومعوقات، تحول دون هذا الانطلاق فهي قيم مضادة للحضارة، هذه الكلمات قيلت في بداية الثمانينيات علي لسان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، فهل نتعلم من دروس الماضي ونترك الجدل السياسي ونبدأ الجولة الثالثة نحو التقدم.