أمة في أزمة! ليس خروجا علي معطيات المشهد العربي الراهن واتساع نطاق الانتفاضات والاحتجاجات السياسية والاجتماعية في معظم العواصم العربية بما في ذلك الدول الغنية التي تعاني من فوائض مالية ضخمة تتكدس في البنوك الأجنبية أن أقول صراحة أن أحد أهم جوانب الأزمة في هذه الأمة أنها تخلط بين المدنية والحضارة فالمدنية هي سكني الناس في المدن والعيش برفاهية أما الحضارة فهي الصفاتالتي تمنح المجتمع كيانه الإنساني من خلال ثقافة الحرية واحترام القيم الأخلاقية علي أرضية الحب والتكامل التي تعزز روابط الوحدة الوطنية والقومية. نحن أمة تغريها مظاهر المدنية ويخدعها سرابها ببناء ناطحات السحاب واقتناء أحدث الموديلات من السيارات والموبايلات دون أن يسبق ذلك خطوات ضرورية لبناء المكون الحضاري الذي تستطيع فيه الروح البشرية الانطلاق باتجاه الفكر الحديث والذوق الراقي والفن الجميل والفهم الصحيح لمعني وقيمة العمل للإنسان. إن أكثر ما يغيب عن صناع السياسة في عالمنا العربي أن المدنية وسيلة لاستكمال الحضارة وليست غاية في حد ذاتها لأن المدنية في غيبة الأساس الحضاري تهدد استقرار الأمم مع هبوب أول عاصفة من رياح الفقر والبؤس التي تشتد وطأتها من غياب الروحية الحضارية التي تحد من شهوات الجشع لدي الراغبين في الحصول علي الثروة أو السلطة أو كليهما معا وهو ما يصنع العجز عن توفير وسد الاحتياجات الضرورية عند المعدمين نتيجة غياب قواعد العدل الاجتماعي واللجوء فقط إلي منهج الصدقات الإنسانية! وإذا كانت المدنية ضرورة من ضرورات الحياة الكريمة فإن الحضارة هي التي تنظم سبل الاستمتاع بالمدنية من أجل تجنيب المجتمعات بؤس الترف وبؤس العوز من خلال ترشيد سلوك المترفين من ناحية وفتح أوسع أبواب الأمل أمام المعوزين من ناحية أخري لأنه إذا كانت قسوة بؤس العوز تدفع إلي اليأس فإن قسوة بؤس الترف تدفع إلي الغرور.. وليس أخطر علي الأمم والشعوب من اليأس أو الغرور! ومعظم الاضطراب في المشهد العربي الراهن يرجع إلي الانجذاب نحو المدنية المزيفة علي حساب الحضارة الإنسانية الصادقة... فالأمم لا تحيا بملء البطون فقط وإنما تحيا وتعيش أساسا علي غذاء العقل والروح!
خير الكلام: سعي رجال فنالوا قدر سعيهم... لم يأت رزق بلا سعي ولا طلب! [email protected]