النقاب أشهر وسيلة للتسول بالدين تعددت وسائل التسول والنصب واحد هذا هو حال الشارع المصري في الآونة الأخيرة، فمع تدهور الأحوال المعيشية منذ ثورة يناير 2011 وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار وزيادة أعداد العاطلين عن العمل لجأ الكثيرون إلي وسائل مبتكرة من التسول، إلا أن أحدث صيحة كانت التسول بالدين والتي تنتشر في المواصلات العامة من خلال طباعة آيات من القرآن الكريم أو الإنجيل أو صور القديسين لإجبار المواطنين علي دفع (اللي فيه القسمة) فالمصريون بطبعهم يميلون إلي التدين الفطري ولا يردون أي ورقة مدون عليها عبارات دينية.. حول ظاهرة التسول بالدين ناقشنا المختصين في سياق التحقيق التالي. مشاهد يومية تراها في الشوارع والطرقات.. وتتضح أكثر في المواصلات العامة وخاصة مترو الأنفاق الذي أصبح بلا حرمة ولا رقابة.. بل أصبح مرتعا للباعة الجائلين والمتسولين من كل حدب وصوب.. حتي أصبحت وجوههم محفوظة ومعروفة لدي راكبي المواصلات العامة وأصبحت القصص التي يرووينها محفوظة من كثرة الاعتياد عليها بشكل متكرر.. فالمتسول له حيل كثيرة فمنهم من يتسول عن طريق إحداث العاهات في جسده ومنهم من يحمل أدوات طبية ومنهم من تحمل طفلا رضيعا ومنهم من يجرون أطفالا مرضي أو يضعونهم علي عربات متحركة ويشرحون حالتهم للناس.. ومنهم كبار السن الذين يمسكون بمجموعة من الأوراق والروشتات الطبية ويطلبون ثمن الدواء.. هناك أيضا ظاهرة منتشرة بشكل كبير جدا وهو التسول عن طريق الدين.. فيصعد المتسول أو المتسولة حاملين الآيات القرآنية والأدعية يقومون بإلقائها علي المواطنين بشكل مستفز لايليق بقدسيتها وحرمتها وأحيانا تقع هذه الأوراق علي الأرض غير عابئين بحرمة ما يفعلونه.. ومنهم من يحفظ حديثا نبويا شريقا يخدم أغراضه ويقوم بسرده علي الناس بصوت عال لاستنفارهم لإعطائه الحسنة.. فمثلا كثيرا ما نسمع منهم حديث الرسول([) »من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة«. ومنهم من يقول: »من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة« فأعطوني جنيها أشتري به رغيف عيش لأولادي وهكذا.. فلا يجد الركاب مخرجا من ذلك إلا ويجدون أنفسهم مضطرين لإعطائهم ليس اقتناعا بحالتهم ولا بصدق ما يقولونه ولكن من أجل هذه الآيات الكريمة المقدسة أو هذه الأدعية المبروكة. ومن أجل الأوراق المقدسة الملقاة علي أرجلهم والحديث الشريف الذي يقولونه علي مسامع الركاب.. ولأن الشعب المصري ينجذب لأي شيء له صلة بالدين.. والمفاجأة الآن وماظهر جديدا هو أنه في مقابل التسول عن طريق الدين الإسلامي ظهر أيضا التسول عن طريق الدين المسيحي فهناك سيدة مسيحية أصبحت معروفة بالشكل للجميع الآن تصعد المترو بشكل متكرر وتبحث عن السيدات المسيحيات وتقوم بإلقاء صور الرموز المسيحية عليهن مثل صور العذراء مريم والسيد المسيح وكذلك صور البابا شنودة والقديس ماري جرجس والقديسة دميانة وغيرها من هذه الرموز المسيحية فيضطر الكثيرون لإعطائها أيضا احتراما لهذه الرموز.. فأصبح التسول عن طريق الدين من الجانبين الإسلامي أو المسيحي استغلالا لمشاعر المصريين الدينية.. هناك أيضا ظاهرة شائعة وخطيرة.. بل تتجاوز من كونها مجرد تسول إلي أنها خطر علي الأمن العام وهي التسول بالنقاب والطبع لايعرف الناس من المختبيء تحت هذا النقاب إن كانت سيدة بالفعل أم رجلا متنكرا عن طريقه وماذا يخفي تحته فالكثير منهم ربما يخفون سلاحا بداخله وهذا ما حدث فعلا أكثر من مرة في عربات مترو السيدات حيث قام ستة رجال تحت النقاب الأسود بمداهمة مكان السيدات في المترو وعندما أغلقت الأبواب قاموا بإشهار الأسلحة عليهن وأخذ ما معهن من مصوغات ذهبية ونقود واضطرت السيدات إلي خلع مصوغاتهن التي يلبسنها في أيديهن حتي يفتدين أنفسهن وجمعوا هذه الأشياء بسرعة شديدة وعندما بدأ المترو في التوقف للمحطة التالية استعدوا سريعا علي الأبواب وما إن فتحت حتي قفزوا مسرعين خارجها وبعدها بدأت السيدات في الصراخ والعويل ولكن دون جدوي.. وتكررت هذه المسألة مرتين بعد الثورة في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد.. ومن أجل ذلك فإن الكثير من الركاب يخافون من هؤلاء المنتقبات بل أصبحت الكثيرات الآن يترددن في إعطائهن أي أموال.. بل يبتعدن عنهن خوفا منهم.. ولكن هؤلاء المنتقبات ربما ترتدينه لإخفاء وجوههن وحتي لايعرفهن الناس كما حدث في الواقعة التي تم القبض فيها علي ناظرة مدرسة كانت ترتديه وتتسول علي إثره والمفاجأة أيضا أنها كانت غير مسلمة.. وربما بعضهن ترتدينه لتظهر بوجه ديني أيضا يتعاطف معها الناس. تري الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن هذه الظاهرة ليست جديدة فكثيرا ما نري متسولين يلقون بمصاحف صغيرة إلينا ويطلبون منا الحسنة وأن المتسولين لهم طرق عديدة ولاييأسون أبدا في اختراع أساليب كثيرة فمنهم من يحدث العاهة بجسده.. ليتعاطف معه الناس وهناك من تحمل طفلا ومنهم من يتسول عن طريق المصحف أو الصليب ولكن هذه الأيام زادت بشكل خطير بل أنهم في رمضان لهم أساليب أخري أيضا تتناسب مع هذا الشهر الكريم فهناك التسول بالفانوس الصغير جدا مثل حجم الأصبع وكذلك يأتون إليك قائلين: نحن لم نفطر حتي الآن أو لم نجد لقمة نأكلها فمن فضلك إعطنا ثمن إفطار من أجل الصيام وهكذا من هذه الأساليب التي تتناسب مع هذا الشهر الكريم.. فالمتسول لايكل ولايمل ويبحث دائما عن طرق ووسائل مختلفة سواء دينية أو غير دينية بدلا من أن يبحثوا عن عمل إنها وسيلة أسهل لجلب الأموال.. مستغلين تأثر المصريين سواء مسلمين أو مسيحيين بنقطة الدين لأنه في اعتقادهم أنه اذا رفض هذه الوسيلة فكأنه رفض الدين وكأن ذلك يؤذي المشاعر فالإنسان المصري يخاف أن يقول لا لورقة مكتوب عليها بسم الله أو بسم الصليب.. فالتسول يضغط علي الإنسان باسم الدين سواء إسلاميا أو مسيحيا وخاصة إذا كان هناك خير منتظر مثل شخص زوجته حامل وستلد جديدا أو الحصول علي وظيفة أو امتحانات طلبة وينتظرون الامتحان والنجاح. وأما عن استخدام النقاب فتقول د. خضر: إن ذلك له وجهان.. وجه يبين أنها لاتريد كشف وجهها حتي لانعرف من هي.. والوجه الثاني: كأنها تقول للناس أنها متدينة في حين أن ناسا كثيرين يخشون من المنتقبات وهناك من راكبي السيارات من يغلقون الأبواب والنوافذ لأنهم لايعرفون هل هي سيدة أم رجل.. وكذلك في وسائل المواصلات الأخري.. والمتسولون يقسمون أنفسهم مجموعات فجزء داخل المترو والأتوبيسات وباقي المواصلات العامة وجزء أمام السيارات والتاكسيات في الطرق والشوارع.. ولكننا إذا أجرينا مقارنة بين الوضع في بلادنا وفي الخارج نجد أنه في الخارج يعملون بلا خجل أي مهنة أيا كانت حتي وإن كانت تدرس في الجامعة فيصبح لديها دراسة + عمل وهذا بالطبع يرجع للتنشئة ولايعتبرون العمل في البيوت عيبا أو شيئا مهينا ولكنها مهنة مثل أي مهنة ولكننا نحن نعتبرها مهنة متدنية.. وأحب أن أقول: إننا نحن نساعد علي هذه السلبيات بإعطائنا لهم المال عند التسول ولكن الصواب إذا كنا نريد القضاء علي هذه الظاهرة ألا نعطيهم شيئا لأن المتسول لو بحثت تجدينه في نهاية اليوم حصل علي مبلغ وقدره أكثر من الموظف فلماذا إذن يعمل ويجهد نفسه إذا كان يحصل علي كل هذا القدر من المال عن طريق التسول. وتوضح الدكتورة عفاف النجار العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر الشريف مفهوم التسول: بأنه طلب الصدقات من الناس في الأماكن العامة وأن المتسول يمضي حياته متسولا فهي بالنسبة له مهنة يزاولها بانتظام فأحيانا تكون بإحداث عاهة في الجسم أو حمل طفل رضيع أو حمل مناديل. وأما الأشهر فهو عن طريق الأدعية وآيات القرآن من أجل ترقيق القلوب والتأثير في مشاعر الناس وأحيانا قراءة القرآن في الطرقات ولكن العيب كل العيب أن يستخدم القرآن والدين للتسول. قال تعالي: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا}.. فأصبحت وسائل المواصلات والشوارع مستباحة بلا رقابة ولكن مسألة التسول بالدين حرام شرعا إلا لضرورة أو حاجة ماسة ولكني لا أقول بذلك أيضا لأن هناك من الناس من هو محتاج بشدة ولكنه متعفف.. قال تعالي: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} وقال أيضا: {لا يسألون الناس إلحافا}.. فالرسول([) نهي عن التسول قائلا: »والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه« وكذلك قال تعالي: {وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.. فاليد العاملة يحبها الله ورسوله وخير الطعام ما كان من كسب يد الإنسان.. ولكن مع ذلك لا نترك المحتاجين فيجب أن يسود التكافل في المجتمع بأن نعطي المحتاجين والفقراء ومن نعرف أنهم محتاجون. قال الله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم} وقال رسول الله([): »من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة«.