مباحث رعاية الأحداث تمكنت من ضبطهم بأحد الميادين الفقر دفع كثيرا من المواطنين إلي البحث عن وسائل مختلفة لجمع الأموال شريطة أن تكون هذه الوسائل غير مجهدة لهم وكان التسول هو الحل البسيط لمشاكلهم المادية حيث لا تحتاج هذه المهنة إلا لبعض الطرق الخداعية واستغلال عاطفة الناس سواء بقيام سيدة باستئجار طفل ذي عاهة أو قيام رجل باستئجار كرسي متحرك لإيهام المواطنين بأنه معوق يستحق الصدقة، الخبراء أكدوا أن الشارع أكبر مدرسة لتعليم المتسولين الانحراف وذلك علي يد زعيم العصابة الذي يعتبر معلمهم الأول والأخير. يقول اللواء هاني عزت (مساعد وزيرالداخلية مدير الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث) هناك خلط بين أمرين أطفال الشوارع والمتسولين حيث توجد شريحة منهم مصابين بإعاقات لا يعتبرون متسولين في حكم القانون، وهناك فرق بين الرجل الكبير المتسول وشخص معه شباب وبنات يستجدون الناس، الأول يعمل بمفرده والثاني يقوم بعمل تشكيل أو مجموعة ترتكز في أحد الميادين ويمارسون نشاطهم ويتعاطون المخدرات ، موضحاً أن سبب انتشار المتسولين في الشوارع ضعف الأحكام التي تصدر ضدهم وأن كثيرا منهم يتم إخلاء سبيله من سراي النيابة بعد ضبطه مما يجعله يعود إلي الشارع مرة أخري. ويطالب عزت بضرورة تخصيص أماكن لإيواء هؤلاء الأشخاص بعد ضبطهم أو في حالة إخلاء سبيلهم حتي لا يعودوا مرة أخري لممارسة الأعمال الإجرامية بالشارع ، أما بالنسبة للأطفال الصغار من سن 7 - 15 سنة يتم إيداعهم بإحدي دور الرعاية بناء علي قرار النيابة أو من يتقدمون من تلقاء نفسهم للتسكين بهذه الأماكن لكن الحكومة لا تقوم بجمع هؤلاء الأطفال لإيداعهم بهذه الأماكن، كما إن هناك من يهربون من هذه الأماكن ودور الرعاية لأنهم يريدون البقاء في الشارع ، مشيراً إلي أن هؤلاء المتسولين يتجمعون في أسرع وقت مع بعضهم من خلال المنظمين لهم الذين يكونون علي اتصال دائم ببعضهم ويقومون بإبلاغ بعضهم في حالة مشاهدتهم سيارة شرطة تقترب منهم، وهم يتركزون في إشارات المرور ومحطات المواصلات وهذه الظاهرة زادت وأصبحت شريحة كبيرة تتخذها مهنة. ويضيف عزت: نقوم بعمل حملات مكبرة لضبط العناصر الخطرة وتحديد الأنشطة الإجرامية التي يرتكبها المتسولون واتخاذ الإجراءات القانونية قبلها، وهناك أدوار اجتماعية تقوم بها الإدارة بالتنسيق مع المؤسسات الاجتماعية من خلال وزارة الشئون الاجتماعية حيث توجد مؤسسات تقوم بدور اجتماعي في رعاية الأسر الفقيرة والمحتاجة من خلال هذه الجمعيات يتم دفع بعض الأفراد لدراسة حالتهم وتحديد أوجه المساعدة المطلوبة لهم ، والمواجهة الأمنية تفضل في حالة وجود جرائم فقط لأنها لا تحل المشكلة ، ومواجهة الطفل تختلف عن مواجهة المسجل ..إلخ وكذلك موقف القانون أيضاً مختلف لأن القانون يحمي الطفل ويعتبره ضحية وليس مجنيا عليه . يقول اللواء معزالدين السبكي (نائب مديرالإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث) المتسول هو كل من يستجدي الناس بمعني أنه يطلب من الناس صدقة أو يبيع سلعة تافهة ليمنحه الناس نقوداً دون أن يؤدي عمل يبذل فيه مجهود مقابل هذه الأموال ، وأمثلة ذلك بائعي السلع التافهة وهم بائعو المناديل والفل في إشارات المرور ، موضحاً أن خطورة المتسول جنائياً تكون كبيرة وواضحة عندما يكون تشكيلاً عصابياً لسرقة المواطنين وخطف التليفونات المحمولة عن طريق تشتيت انتباه سائقي السيارات ومغافلتهم ، كما أن هذا التشكيل يقوم بالتعدي علي المواطن في حالة عدم إعطائه أموالا وذلك يؤدي إلي الرعب والفزع بين المواطنين ، كما أن المتسول يكون له خطورة علي العرض والمال وبعضهم يكون تشكيلاً عصابياً في أعمال الدعارة والبغاء من الفتيات ويقومون بمعاشرة بعضهم البعض ومن بينهم أطفال الشوارع الذين تركوا أسرهم، وكل معتادي النوم في الطرقات وشم الكولا كل ذلك يؤدي إلي ولادة أطفال سفاح ليس لهم أب. ويضيف السبكي: تم ضبط العديد من التشكيلات العصابية ومتزعمي العصابات الذين يستغلون الأطفال في أعمال التسول ومن بينهم أم لديها 7 أطفال قام اثنان من أبنائها باستغلال باقي إخوتهم كرهاً عنهم بالتسول في الشوارع تحت زعامة والدتهما في منطقة العجوزة ، كما تم ضبط تشكيل عصابي بمنطقة رمسيس بالقاهرة يقوم بمعاشرة الفتيات جنسياَ رغماً عنهن وتحت تهديد السلاح وإصابة إحداهن بعدة جروح لكي ينصاعن لأوامرهم خوفا من حدوث أي مكروه لهن ، مشيراً إلي أن المتسولين يتخذون أسفل الكباري والأماكن المهجورة مكاناً لهم ، كما يوجد متسولون لهم منازل وأسر لكنهم احترفوا مهنة التسول لسهولة جمع الأموال من خلال استغلال عاطفة الشعب المصري، مشدداً علي أن كل من يطلبون "حاجة لله" متسولين لأنهم يأخذون هذه الأموال ويصرفونها في أعمال غير مشروعة، موضحاً أن غالباً يكون زعماء التشكيلات العصابية للمتسولين من المسجلين خطر والهاربين من الأحكام، وهناك حملات شبه يومية في الشوارع والميادين لضبط المتسولين وخلال الثلاثة شهور الماضية تم ضبط أكثر من ألف متسول علي مستوي الجمهورية، مؤكداً أن بعض المتسولين كونوا ثروات من عمليات التسول ونظراً للحالة الاقتصادية التي تعاني منها مصر ازداد عدد المتسولين. ويشيرالسبكي إلي أن أغرب طرق التسول المنتشرة هي أن يقوم شخص بالجلوس علي كرسي متحرك مدعياً أن ساقه مبتورة وبها رباط ويقوم بعمل ديكور بحيث تظهر للمواطن أنها مبتورة ويتميز هذا الشخص ببعض الطرق الخداعية لإظهار ساقه علي أنها مبتورة وفي نهاية اليوم يقوم ويتحرك كأي إنسان طبيعي ويستأجر تاكسيا ويضع به الكرسي المتحرك ويتوجه إلي منزله ، ومرت علينا واقعة تشبه ذلك وكانت بمنطقة المهندسين لكن لم يضبط هذا الشخص لأنه شعر أنه سوف يتم ضبطه بعد اكتشاف أمره وبالفعل اختفي ولم يظهر مرة أخري ، كما توجد طرق تسول للنساء حيث تقوم بعض السيدات باستئجار الأطفال ذوي العاهات من أولياء أمورهم وحملهم وطلب صدقة لهم بحجة توفير طعام أو ملابس للطفل وإخوته ، مشيراً إلي أنه لا توجد مدارس أو مقار للمتسولين لأنهم يتعلمون كل شيء من الشارع، كما إن هناك بعض المتسولين لهم أسر ومنازل وحياتهم طبيعية ولا يتخذون الشارع مأوي لهم، لافتاً إلي أن أدوات المتسول هي الطرق الخداعية التي تجذب المواطن وتثير عاطفته مثل استئجار أطفال ذوي عاهات أو حمل أكياس دم للإيهام بأنهم يعانون من أحد الأمراض الخطيرة . ويشير العميد محمد زغلول (مدير إدارة العمليات بالإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث) إلي أن ضباط إدارة العمليات تأتي إليهم معلومات من مرشدين سريين بتواجد بعض عناصر المسجلين خطر في مكان معين وأنهم يستخدمون الإكراه علي الأطفال الهاربين من ذويهم ، فمن الممكن أن يستخدموا معهم طريقة التسول بالإكراه للحصول علي الأموال التي يجلبونها من هذا العمل أو من خلال هتك عرض بالنسبة للأطفال الصغار وهذه صورة من صور الاتجار في البشر، ثم يتم تحديد موعد مقابلات اكتمال التشكيل بالكامل وبناء عليه تتم عملية الضبط وعندما يتم ضبطهم نبدأ بفحص كبار السن منهم لأن بعضهم يكون مسجلا ويضع أسفل أسنانه شفرات حادة ثم تتم عمل مناقشة مبدئة معهم لجمع معلومات عن المشاركين معهم أو المحرضين لهم. وتري د. فادية أبوشهبة (عضو مركز البحوث الاجتماعية والجنائية) أن تسول صغار السن لا يعتبر ظاهرة بل الظاهرة هي تسول كبار السن، وذلك نلاحظه من بعض عمال النظافة الذين يتركون عملهم ويطلبون من سائقي السيارات الصدقة، وهناك عصابات تستغل أطفال الشوارع في أعمال التسول وجمع المال مقابل إعطائهم الطعام ، ففي الماضي كان التسول مقتصراً علي صغار السن فقط والآن امتد للكبار وهناك من يقترب منك ومظهره جيد ويوهمك بأنه في أزمة وهناك من ينتحلون صفة الشحاتة ويقولون محافظهم سرقت أو تأتي سيدة من إحدي الدول العربية تدعي فقدان جواز السفر الخاص بها وتطلب المساعدة ، لكن الأخطر من كل ذلك أن هناك بعضا من الموظفين يطلبون صدقة فنجد أن عسكري المرور يقترب من كل سيارة ملاكي ويقول لصاحبها "كل سنة وإنت طيب" والمغزي من العبارة أنه يطلب أموالا، كيف يصدر ذلك من رجل شرطة يرتدي الزي الميري ويفترض أن تكون له هيبته واحترامه؟! ، كما إن هناك بعض الموظفين الإداريين في بعض الجهات الحكومية يقولون للمواطنين "كل سنة وأنت طيب" بغرض إعطائهم أموالا وهذه كارثة، والفقر هو أكثر عامل وراء عمليات التسول. وتحذر د. فادية من انتشار المتسولين في شهر رمضان، وخاصة إذا اعطيت واحدا منهم تجد عشرة آخرين تجمعوا حول السيارة ليأخذوا نصيبهم وهذا الموقف رأيته بنفسي حيث قام أحد السياح بإعطاء شخص مبلغا ماليا فتجمع حوله كثير منهم وأخذوا يطرقون زجاج السيارة وهذا بالطبع انطباع سيئ عن المصريين ويهدد السياحة، ومن يقوم بتشجيعهم المواطنون أنفسهم الذين يعطونهم وأنصح من يريد تقديم صدقة أن يقدمها في الأماكن المخصصة لها، موضحة أن الشارع يعلم المتسولين كل شيء من خلال الاختلاط بأشخاص أكبر منهم وهذا ما يجعل الشارع أكبر مدرسة لتعليم الانحراف فرئيس عصابةالمتسولين هو المدرس الأول لهم ويتعلمون منه كل شيء ، ولذلك نجد تربية أبناء الأسر الطاردة لأبنائها إلي الشارع خاطئة وجعلت الابن يفضل الشارع عن البيت نتيجة القسوة الزائدة أو التمييز، والأخطر من ذلك أن بعض الآباء لا يسألون عن أبنائهم ليلاً، مطالبة بضرورة عمل مناطق إقامة لهؤلاء المتسولين كل الوقت وليس بعض الوقت وعمل معسكرات لهم وتدريبهم وتوعية الآباء والأمهات بعدم طرد أبنائهم وتحديد النسل. ويوضح د.حامد أبوطالب (عضو مجمع البحوث الإسلامية) أن ظاهرة امتهان التسول قديمة، تحارب في فترة وتخف حدتها وسرعان ما تعود مرة ثانية والسبب في هذا في رأيي كثرة المبالغ التي يتصدق بها المصريون لأن هذه المبالغ تمثل ملايين الجنيهات يتم توزيعها شهرياً ومن ثم فنصيب الفرد من المتسولين مبلغ كبير نظرا لعدم وجود مؤسسات تقوم بجمع الصدقات وتوزيعها علي المستحقين فعلاً أو استثمارها لمصلحتهم ومن ثم فكل مصري يتصدق بما تجود به نفسه بطريقة عشوائية بما يجعل المتسول يعود في آخر يومه بمئات الجنيهات وهو ما يفوق دخل أي شاب عامل في الوقت الذي لم يبذل فيه المتسول أي جهد يذكر ومن هنا فإن عدد المتسولين يزيد ويتضاعف باستمرار نتيجة زيادة دخلهم عن دخل العاملين . ويطالب أبوطالب بضرورة إيجاد وسائل منظمة لجمع أموال الصدقات خلاف أموال الزكاة الواجبة علي المزكين فإذا وجدت هيئات تجمع أموال الصدقات تستثمرها فيما يعود علي مصر وفقرائها بالخير فسيكون ذلك خيرا كبيرا ، حيث يعمل في هذه المشروعات أعداد كبيرة من الشباب ويعود كل ذلك بالخير علي الفقراء وعلي غيرهم ويقضي علي العشوائية في الإنفاق علي الفقراء، وقد تعلمت من التجربة أن بعض الفقراء الذين يأخذون صدقات من جهات متعددة يجمعون أموالاً طائلة ومن هنا جاء المثل الشعبي القائل "الشحات له نصف البلد"، لأن كل واحد في البلد يعطيه ومن ثم فهذا الفقير يشارك جميع الأغنياء في أموالهم ومن ثم يزيد ماله علي مالهم. ويضيف أبوطالب: الحقيقة أن هؤلاء المتسولين كثير منهم في حالة غني عن السؤال ومع هذا اعتادوا ممارسة التسول ونزع الحياء من وجوههم لذلك من الواجب علي المتصدق أن يتأكد من حاجة هذا السائل قبل أن يعطيه، أما بالنسبة للمتصدق فله أجره عند الله سبحانه وتعالي وفقاً لنيته لأن رسول الله ([) يقول: "إنما الأعمال بالنيات"، وإذا كان الفقهاء القدماء قد نصوا علي أن من سأل يعطي ولا يسأل عن حاله وما إذا كان مستحقاً أم لا لكن الآن كثر الأدعياء والنصابون مما يستدعي للمتصدق أن يتثبت من صدق السائل ومن احتياجه لمال الصدقة. يقول د.أسامة عبيد (أستاذ قانون جنائي بجامعة القاهرة) التسول جنحة وليس جناية ومن يحرض علي التسول يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي وإذا كان الفاعل الأصلي طفلا تكون العقوبة مشددة ومغلظة علي المحرض، وعقوبة التسول الحبس مدة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد علي 3 سنوات، أما بخصوص العقوبات التي يمكن توقيعها علي الأطفال فقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996م هو المنظم لهذه العملية، فالأطفال من سن 7 - 15 سنة لا يجوز توقيع عقوبة جنائية عليهم لكن تكون العقوبة عبارة عن تدابير احترازية مثل التوبيخ أي توجيه شتيمة له أو إلحاقه بالتدرييب المهني لمؤسسة تعليمية. ويشير عبيد إلي أن العقوبة تقاس بحجم الضرر الناتج عنها، لكن العقوبة أصبحت غير رادعة في ظل التقلبات السياسية التي نعيشها ولابد من تغليظ هذه العقوبة وخاصة علي المحرضين، وتقديرنا للمحرض أنه أشد إجراماً من الطفل الفريسة لهذا المحرض لأنه هو من يخلق الجريمة.