الأويمجى .. فنان الحفر على الخشب فن قديم عرفه المصريون القدماء واستخدمه البابليون والسومريون كوسيلة للكتابة يعرف الآن بالأويما التي تعني باللغة التركية فن الحفر علي الخشي، اقتصر دوره في وقتنا الحاضر علي صناعة الأثاث الذي يبرع فيه أبناء محافظة دمياط.. توجهنا إلي هناك لنفاجأ أن هذا الفن أوشك علي الانقراض، فمع انتشار الأويما الجاهزة رخيصة الثمن التي يتم تصنيعها علي الماكينات الكهربائية سواء في السوق المحلية أو التي يتم استيرادها من الصين تقلصت أعداد الحرفيين المتخصصين في هذا الفن ليبقي منهم عشرات تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين. في إحدي ورش صناعة الأويما بدمياط التقينا محمد أبو عبيد وجدناه منهمكا أمام قطعة خشبية صغيرة وضعها علي البنك (الطاولة التي يؤدي عليها جميع أنواع الحفر) ويحمل في يده الدقماق (مطرقة من الخشب البلوط) للطرق به علي الأزميل الذي يحمله في اليد الأخري. كان يعمل وكأنه جراح في غرفة عمليات القلب المفتوح، وبعد أن انتهي من القطعة الخشبية التي تحولت بين أنامله لتحفة فنية تحدث إلينا الحاج محمد قائلا إنه يعمل في الأويما منذ كان عمره 5 سنوات فلا أعرف في حياتي سوي ثلاث أشياء هي بنك الأويما والأزميل والدقماق. الأويما ليست مجرد مهنة لكنها فن يعتمد علي الموهبة بالدرجة الأولي وهذا ما يميز عملنا عن المسطرجية. (من يقوم بعمل المسطرة أي النسخة الأصلية) فهذه القطعة تؤخذ وتوضع علي ماكينة التخبيط التي تنسخها لمئات من القطع وتعود مرة أخري للأويمجي العادي الذي يقوم بتنظيفها وإكسابها الطابع اليدوي. الأويما كانت الجزء الأهم في صناعة الموبيليا حيث كان سعر حجرة النوم أو حجرة السفرة يحدد علي أساس ما فيها من أويما. أما الآن أوشك هذا الفن علي الانقراض لعدة أسباب أبرزها أن الجيل الجديد يريد تحصيل عائد مادي سريع دون أن يبذل مجهودا في تعلم المهنة فيلجأ إلي ماكينات التخبيط التي تنتج مئات القطع في عدة ساعات بعكس الأويمجي الذي من الممكن أن يعمل في قطعة لاتزيد مساحتها عن متر واحد لمدة 10 أيام ولكن هذه القطعة تعتبر تحفة فنية. أما بالنسبة للأويما الصيني فلا خوف منها علينا فأنا أذكر من عشر سنوات أن الصين استضافت عددا من الأويمجية ليعرفوا منهم أسرار المهنة وبعد فترة ظهرت في دمياط قوالب صينية يتم صب مادة فيها تأخذ شكل القالب ولكن بعد قليل تبين أنها ضعيفة للغاية ولاتتحمل لأنها ليست مصنوعة من أخشاب طبيعية ولم تعد تلقي أي رواج. واختتم الحاج محمد كلامه: أنا لا أعمل كثيرا الآن فهذه المهنة تحتاج لمجهود عضلي كبير فقد أكون آخر من يمارس هذه المهنة التي أوشكت علي الانقراض بسبب ماكينات سي إن سي حيث يتم إدخال الرسم لجهاز الكمبيوتر وتقوم بتنفيذ قطع مماثلة للرسم تماما. بعد ذلك قابلنا محمد الفيومي صاحب ماكينة تخبيط فقال هذه الماكينات أنواع منها الإيطالي والصيني والبلدي حيث نقوم بأخذ مقاسات الماكينة الإيطالية ويقوم الحداد بعمل ماكينة مشابهة لها ثم نقوم بعد ذلك بتركيب المواتير ويكون المنتج النهائي مشابها تماما للإيطالي وأن كان كلا المنتجين مختلفا عن شغل الأويمجي وإن كان هذا المكن يعتمد بالأساس علي القطعة الأساسية التي يقوم بعملها. أما كريم العراقي تاجر موبيليا فذكر لنا أن المسطرجية أو النحاتين كما يحب أن يطلق عليهم أعدادهم الآن قليلة جدا ومعظمهم من كبار السن، فهذه المهنة لم تعد تورث فهذه لابد أن تعلم في سن مبكرة جدا وتحتاج لكثير من الدقة العالية جدا والصبر الطويل. وأضاف علي الرغم من انتشار الأويما الجاهزة رخيصة الثمن التي يتم تصنيعها علي الماكينات الكهربائية سواء في السوق المحلية أو المستوردة من الصين، إلا أن مازال الكثيرون يفضلون الأويما اليدوية الأعلي سعرا. فنحن مازلنا نحتفظ بسر الأويما الذي لايعرفه إلا أبناء دمياط. أما محمد المراكبي تاجر موبيليا فقال هذه المهنة لن تجدها إلا في دمياط التي تقدر حجم إنتاج صناعة الأثاث بالمدينة سنويا بنحو مليار و176 مليون دولار سنويا. وأضاف سبب تراجع هذه المهنة يرجع لاختلاف الأذواق فهناك قطاع كبير أصبح يفضل الأثاث المودرن لرخص ثمنه مقارنة بشغل الأويما وطبيعة الحياة الآن لم تركز علي التفاصيل بالإضافة إلي إن مساحات الشقق لم تعد تسمح بذلك. وذكر أن الخطر الحقيقي الذي يهدد صناعة الأثاث بشكل عام هو سوء حالة الأخشاب المستوردة مما يؤثر علي الصناعة لحساب الأثاث الصيني الأخشاب الموجودة حاليا بالسوق المصرية غير مبخرة جيدا حيث تكون مشربة بالمياه مما يؤدي إلي ظهور عيوب في الأثاث عند الانتهاء من تشطيبه. وأضاف : سعر الأخشاب غير المبخرة أقل من المبخرة، ولذلك يلجأ مستوردو الأخشاب لاستيراد الأقل جودة للاستفادة من فارق السعر.