عبدالناصر (فى الصف الثانى) ىصلى خلف مرشد الإخوان حسن الهضىبى الصدام الثاني بين عبدالناصر والإخوان طلب منهم أن ينصهروا داخل هيئة التحرير ويصبحا تنظيما واحدا.. والإخوان يرفضون في العدد الماضي نشرنا تفاصيل أول »لا« قالها الإخوان لعبدالناصر.. وكان هذا هو أول صدام بين عبدالناصر وبين جماعة الإخوان المسلمين.. أراد عبدالناصر شيئا.. وكان يعتقد أنه إذا أراد فيجب أن يطاع.. أراد أن يدخل الإخوان الوزارة.. وقال له مكتب الارشاد »لا« الكلمة التي كانت تثيره دائما.. ولكن استمرت العلاقات فاترة بين عبدالناصر وبين الإخوان.. بدأ الطرفان ينظران إلي تصرفات الطرف الآخر بكل حذر.. ثم جاء الصدام الثاني.. أو كلمة »لا« الثانية التي قالها الإخوان لعبدالناصر. يقول صلاح شادي: في أحد الأيام في أوائل عام 3591 اتصل بي جمال عبدالناصر وقال لي: ياصلاح.. أنا باعت لك إبراهيم الطحاوي وسيحدثك في موضوع هام وعايز رأيك ورأي جماعة الإخوان فيه.. وفعلا جاءني إبراهيم الطحاوي وقال لي أن عبدالناصر يريد من جماعة الإخوان أن تنصهر داخل هيئة التحرير ويصبحا تنظيما واحدا. وقلت له: مش ممكن.. إن معني هذا القضاء علي جماعة الإخوان.. وهيئة التحرير ماهي إلا حزب سياسي ونحن جماعة دينية. وفوجئت به يقول لي: ماهو الرئيس عايزك تمسك هيئة التحرير. وأجبته: إنني لا أبحث عن مصلحة شخصية.. ولكن من الخطأ أن تطلب منا ذلك.. وانصرف إبراهيم الطحاوي.. وبطبيعة الحال أبلغ الرسالة إلي عبدالناصر الذي طلب أن يعقد معنا جلسة عمل في منزل عبدالقادر حلمي.. المنزل الذي شهد كثيرا من الاجتماعات. وحضر جمال عبدالناصر ومعه عبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وعبدالحكيم عامر وأحمد أنور الذي كان وقتئذ قائدا للبوليس الحربي.. وكان يحضر هذا اللقاء من جماعة الإخوان أنا وصالح أبورقيق وفريد عبدالخالق وبطبيعة الحال عبدالقادر حلمي الذي دعانا لتناول الغداء.. وبعد أن انتهينا منه جلس عبدالناصر يتحدث عن هيئة التحرير وعن رغبته أن تنصهر داخلها جماعة الإخوان المسلمين لتكون تنظيما قويا. ويكمل صالح أبورقيق: رددت علي جمال.. قلت له: شوف ياجمال.. الحكومة أيا كانت مادامت في الحكم وأرادت تكوين حزب فمصيره الفشل.. سيولد الحزب ميتا.. لأن الذين سينضمون إلي عضويته ويسارعون إليها هم أعداؤها قبل أنصارها وذلك خوفا منها.. وعندك تجربة اسماعيل صدقي باشا في سنة 0391 خير دليل علي ذلك.. فعندما تولي الحكم شكل حزب الشعب وزور الانتخابات ونجح مرشحوه.. ولما خرج من الحكم انتهي حزب الشعب وتلاشي.. نذر صدام وضحك جمال وقال بخبث: أنتم عصاة.. فناداه فريد عبدالخالق أن يجلس إلي جواره علي أريكة جانب غرفة الصالون ودار بين الاثنين حديث ليس قصيرا.. يقول فريد عبدالخالق: قلت له: ياجماعة إنني أري الجو ينذر بصدام ليس من مصلحة أحد في البلد أن يقع.. وكنت بذلك أشير إلي رغبته في أن تنصهر جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير وكذلك لعدة بيانات اعتبرها عدائية وكانت مظاهرها حذف الرقابة جميع بيانات الجماعة وعدم نشرها في الصحف. فأجابني: أعملكم إيه.. ماانتم عصاة .. وتعجبت لرده وقلت له مستنكرا: عصاة .. دي كلمة كبيرة ياجمال.. عصاة ليه.. هل نحن نقف موقفا عدائيا من الأهداف الوطنية للثورة ومصلحة البلد.. إننا نريد تحقيق الديمقراطية وعودة الحياة النيابية.. فأجابني بسرعة: ماأنتم كده بتحرجوني.. طالبين انتخابات حرة.. يعني عايزين النحاس باشا يرجع تاني وتعود نفس الأوضاع.. أنا باقولكم ادخلوا هيئة التحرير وتولوا أنتم أمرها وتصبح هي مسرح نشاطكم.. وانتم بترفضوا.. عايزين إيه أمال؟ فقلت له: اسمع يا جمال.. إحنا بنصارحك.. الديمقراطية لابديل لها.. وأنت يجب أن تكون عندك الثقة من أن الشعب سيتمسك بك ولن يرضي عنك بديلا.. أما أن تتشكك في ذلك فهذا أمر غريب فعلا.. لماذا تتشكك؟ أما بالنسبة لدخولنا هيئة التحرير فليس هناك تعارض من أن تقود أنت التنظيم السياسي عن طريق هيئة التحرير ونبقي نحن كدعاة للتربية الإسلامية.. أما رأيك أن تندمج الجماعة مع هيئة التحرير فهذا بالضبط أشبه بمن يضع زيتا وماء في زجاجة ويحاول أن يمزجهما ببعض.. مش ممكن أبدا يمتزجان.. ومن الأفضل للإسلام وللبلد ولك أن نبقي بعيدين عن السياسة ومؤيدين لك كحركة إسلامية.. والتزام الحكمة وضبط النفس ممكن أن يكون جسرا لنعبر من فوق الأزمة، وليس من هدفنا نهائيا أن ننافسك في الحكم فنحن لانريد الحكم ولذلك لا أري أي سبب للتصادم وعدم تقبل النصيحة وخاصة أن المرشد قال لك عند بدء الخلاف بالحرف الواحد »ياجمال عندما تشعر بضيق من الإخوان سنسلم لك مفتاح المركز العام ونقفلها حتي لاتقع أية فتنة«. وصمت جمال للحظات.. وأحسست أنه لايجد مايرد به.. وفجأة تكلم ليكشف لي بما في داخله.. قال: اسمع يافريد.. أقولك اللي في نفسي واخلص.. أنا عندي فكرة مسئولية عليَّ ولا أعرف إذا كانت صح ولاغلط.. إنما أنا عايز في خلال سنتين تلاتة أوصل إلي أني أضغط علي زر.. البلد تتحرك زي ما أنا عايز.. وأضغط علي زر البلد تقف. فضحكت وقلت له: إحنا بقالنا 72 سنة بنعمل لتربية نشء من المسلمين يفهم الإسلام فهما متكاملا ويعمل علي هدي منه.. ولا نستطيع أن نقول رغم ذلك أننا بلغنا درجة إن إحنا نقدر نجمع الإخوان في لحظة ونفرقهم في لحظة.. اسمع ياجمال.. انت بتفكر وكأنك ضابط في معسكر.. يصدر الأمر فينفذ في الحال.. لكن تغيير مسار المجتمعات لايمكن أن يتم إلا في جو من الحرية والديمقراطية يسمحان بازدهار المفاهيم الصحيحة والقيم السليمة.. فأصر علي رأيه قائلا: الحقيقة ده اللي سيطر علي تفكيري.. فأتممت حديثي معه قائلا: إذا كان كده.. فلا فائدة من نصيحتي أو نصيحة غيري وهذا شيء مؤسف جدا.. والذي سيحكم لك أو عليك هو التاريخ. وانتهي بذلك حديثنا.. وانصرف جمال مع إخوانه.. وبقينا نتناقش ونضحك من رغبته في أن يضغط علي زر فتتحرك البلد كما يريد .. ويضغط علي زر فتقف البلد.. كنا نعتقد أنه يحلم.. ولكنه استطاع أن يحقق الحلم بعد ذلك. مفاوضات الإخوان والانجليز وفي فبراير سنة 3591 بدأ الحديث عن إجراء مفاوضات مع الإنجليز للجلاء عن مصر.. ولعب الإخوان المسلمون دورا في هذه المفاوضات شرحه صالح أبورقيق.. و استغله عبدالناصر بعد ذلك في التشهير بالإخوان واتهامهم بالعمالة والتعاون مع الإنجليز. قال صالح أبورقيق: في شهر فبراير سنة 3591 جاءني المرحوم الدكتور محمد سالم وأبلغني برغبة السفارة البريطانية أن يلتقي بعض المسئولين من جماعة الإخوان المسلمين بمستر إيفانز المستشار الشرقي بالسفارة البريطانية لاستطلاع رأي جماعة الإخوان فيما يرتضونه لنجاح مفاوضات الجلاء التي ستبدأ مع الحكومة.. وكان الانجليز يعلمون موقف الإخوان ودفعهم الشباب لمحاربة القوات البريطانية في منطقة القنال في حرب عصابات. وأبلغت المرشد المرحوم حسن الهضيبي بذلك وبعد مناقشات ودراسة أمسك بسماعة التليفون واتصل بعبدالناصر الذي رحب بذلك أشد ترحيب وطلب أن يطلع علي نتائج هذه المحادثات.. وانتدبني المرشد أنا والمرحوم منير دلة للاتصال بإيفانز.. وفعلا اجتمعنا به.. وعدت للهضيبي أنقل له صورة كاملة عما دار بيننا من حوار.. فطلب مني أن أكتب تقريرا مفصلا وتسليمه له في اليوم التالي.. وعدت إلي منزلي وكتبت التقرير وسلمته للمرشد في اليوم التالي فاتصل تليفونيا بعبدالناصر الذي سارع إلي منزل الهضيبي وقال بالحرف الواحد بعد أن قرأ التقرير: كويس.. ده انتم استطعتم الوصول إلي حاجات لم يكن من الممكن أن نصل لها. وكان إيفانز ينتظر ردا علي عروضه من المرشد بنفسه.. فأبلغ المرشد رغبة إيفانز لعبدالناصر.. وطلب الأخير من المرشد مقابلة المستشار البريطاني...