بعد أكثر من 40 عاما من العمل المتواصل نحن مهددون بالغلق والتشريد اليوم نعمل وغدا قد نتوقف! مداخن مصانع ميت غمر تعلن الحداد بإغلاق ثلاث منها أصحاب المصانع: نحن علي وشك الإغلاق.. والعمال: مصيرنا إلي البلطجة السوق السوداء تحتكر المازوت عبر مافيا شركات البترول ما بين الانهيار والبلطجة، مصير مصانع الطوب وعمالها، إذ يعانون من حالة تدهور شديدة، بعد ارتفاع سعر المازوت، بل تسريبه إلي السوق السوداء، والحقيقة هم لا يقتنعون بشماعة الأزمة الاقتصادية، بعد أن لمسوا بأنفسهم المؤامرة التي تمارس ضدهم خصوصاً بعد الثورة، التي بشأنها قضت علي نظام كان يشرع في بناء مدن جديدة بشراهة، فكان يوفر احتياجات هذه الصناعة، ليسد احتياجاته هو الآخر، أما الآن فانقلبت الطاولة علي رءوسهم جميعاً، بات النظام خلف أسوار من حديد، وبات العمال خلف أسوار من طوب. مصنع يتحدي السولار وأزماته ولكي تتضح الصورة، مصانع الطوب لا تحصل علي حصتها الكاملة من المازوت - الذي يتم استخدامه في عملية الحرق - لأن وزارة البترول تري أن شركات الكهرباء أولي منهم، فضلاً عن زيادة سعره الذي وصل إلي 1750جنيها بدلاً من الألف جنيه، ما أدي إلي وقف نشاط كثير من المصانع، وقوع الباقي تحت رحمة تجار السوق السوداء، من أجل مواصلة العمل وعدم فساد الطوب، حيث يباع طن المازوت هناك ب 2000 جنيه وأكثر، لكن الخسارة تتزايد فوق رءوسهم، خصوصاً مع المشاكل الأخري التي تكبلهم، كقطاع الطرق الذين يوجهون عربات الطفلة، والبلطجية الذين يعتدون علي مصانعهم، مع ركود حالة السوق وعدم رضا المستهلك عن زيادة سعر الطوب. المداخن الشاهقة التي تحدد لك إذا كان المصنع يعمل أم لا، فبمجرد وصولنا إلي مدينة ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية، حيث مصانعها التي احتجت خلال الأيام الماضية، ضد ما وصلت إليه من انهيار، بعد أن كانت رائجة الصناعة في مصر، وجدنا عددا من المصانع التي تعمل بكامل طاقتها وعمالها، وأخري تعمل بربع العمالة، والكثير منهم متوقف في انتظار المازوت الذي لا يأتي. وعند مدخل قرية صهرجت الكبري، أوقفنا صخب أحد المصانع، الذي يواصل عمله في تحد لكل الأزمات التي تواجهه، وخرج لنا صاحبه يدعي مصطفي أبو سفيرة، الذي بدأ حديثه قائلاً: "المصنع دا عمره أكثر من 40 سنة، وعلي وشك الغلق، بسبب أزمة المازوت اللي ضيعت فلوسنا، ولولا خوفي علي انهيار المصنع، وتشريد العمالة، كنا بطلنا الشغلانة من سنة ونص". وأضاف: " وزارة البترول خصصت لكل مصنع 35 طن مازوت، ولا نأخذ منها سوي 15طنا، وبنلجأ للسوق السوداء، طيب منين الوزارة بتقول فيه عجز في المازوت، وهناك كميات كبيرة تم تسريبها إلي السوق، وفي كل اجتماع مع الوزير يقولنا هي دي البلد.. هنجيب منين؟.. شركات الكهرباء أولي منكم بالماوزت، ورفعوا السعر من 1000 إلي 1750 جنيها، واقترحنا علي الوزير تشغيل المصانع بالغاز، ومستعدين بالدعم، وأننا نبيع جزء من أملاكنا علشان نسدد كل المتطلبات، لكن مفيش أمل، الشغل بالحالة دي هيوقف كل المصانع، لأن المازوت أساسي في صناعتنا، واللي بنستخدمه في الحرق الكامل للطوب، وفي حالة نقصانه في الفرن، تفسد كل كمية الطوب، والتي يصل عددها في المرة الواحدة إلي 200 ألف طوبة". ويعدد صاحب المصنع المشاكل الأخري التي يعانون منها، كنقص السولار الذي تحتاج إليه عربات النقل، والبلطجية الذين يعتدون علي المصانع من فترة لأخري، مستغلين حالة الضعف التي تمر بها، وقطاع الطرق الذين يثبتون عربات نقل الطفلة (المادة التي تصنع منها الطوب)، والتي يأتون بها من محاجر 15 مايو، للدرجة التي جعلت السائقين يضربون عن العمل، نظراً لكثرة الإعتداءات عليهم، قائلاً: " بعد الثورة الأمور صارت تسير من سيئ لأسوأ، حتي السوق في حالة ركود، لأن المستهلك رافض زيادة سعر الطوب، إذ بلغ سعر الألف طوبة 450 جنيها فأكثر، وما لا يعرفه المستهلك إن هذه الزيادة لا تعوض خسارتنا، ما جعل هناك حالة تكدس في المنتج، الذي في الوقت نفسه من المستحيل تخزينه". أما العمال فهم الضحية الكبري، إذ يضم كل مصنع أكثر من 250 عاملا، في أعمار مختلفة، ما جعلنا ننتهز فرصة التجول بهذا المصنع للتحدث إليهم، ومعرفة مراحل صناعة الطوب، والتي تبدأ بإعداد الطفلة التي يتم تجهيزها في ساحة كبيرة، عن طريق رشها بالمياه، ثم خلطها بالرمل، فيأتي اللودر لصبها في الطاحونة، التي تعد الطوب علي شكل ألواح مستطيلة، تمر عبر ماكينة القطع، التي تقطعها إلي قوالب مفروغة بالدوائر، ثم ينقلها العمال إلي أرض شاسعة لتجفيفها، لتنتقل إلي المرحلة الأخيرة وهي الحرق. فرصة التحدث إلي أي عامل ضئيلة جدا، نظراً لانهماكهم الشديد في العمل، وخوفهم من ضياع الوقت الذي يُحسب من راتبهم اليومي، وقال صاحب المصنع: »هؤلاء العمال علي وشك البلطجة إذا انهار المصنع، نظراً لقوتهم التي اعتادوا عليها، وعدم وجود وظائف في أي جهة، فهناك عمال من حملة الشهادات العليا، وأطفال خرجوا من المدارس لأجل مساعدة أسرهم، ورجال كبروا في هذه المهنة«، موضحاً أن أغلب العمال لها تأمين، بحكم الخبرة والكفاءة، أما الباقون فعمالة يومية يصل متوسط راتبهم إلي 70 جنيها يومياً. تركنا المصنع علي أمل ألا يٌغلق، وعلي بعد عدة أمتار، دخلنا إلي آخر أقل صخباً ونشاطاً، يجلس بعض عماله بجوار حوائطه محتمين بالظل، وآخرون يعملون علي مهل، ووجدنا صاحبه يقف متجهما في المنتصف، وعندما اقتربنا منه، تأكدنا أن المصنع في آخر مراحل انهياره، وقال صاحبه فهمي سالم: " بيتنا اتخرب بسبب المازوت، أنا مشيت أغلب العمال، وبشتغل دلوقتي بربعهم، وقولتلهم احتمال انتوا كمان تمشوا لأن المصنع قرب يقفل، ومش عارفين نشتغل ايه بعد كدا، احنا مش بنفهم في حاجة غير الطوب، إما الحكومة تحل أزمتنا أو توفرلنا شغلانة تانية، المشكلة إن العمال مش مصدقة، وكل يوم يرجعوا، وأنا أخيب أملهم، وأقولهم زمن النظام السابق انتهي، زمن بناء المدن الجديدة انتهي، ماحدش هيشتري طوب تاني". أما عن المصانع التي أغلقت أبوابها، فوصل عددهم في مدينة ميت غمر إلي ثلاثة، معلنة أدخنتها الحداد لحين توافر المازوت، دخلنا إلي أحدها، وجدنا الطفلة علي استعداد أن تحيي من جديد، والطوب الفاسد الذي منعته الأزمة من الحرق، صار أسواراً سُجن خلفها 3 من العمال، حراسة للمصنع من البلطجية، والذين أكدوا أن الأمل معلق علي توفير الحكومة للمازوت، خصوصاً أن أصحاب هذه المصانع ليس لديهم رأس مال كي يلجأوا إلي السوق السوداء، وقال الحاج محمد عبد الرازق، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 30 عاما، " رغم إن المصنع من أقدم المصانع المرخصة إلا أنه لم يحصل علي المازوت الذي استولت عليه السوق السوداء". وشرح محمود جمال، أحد العاملين، كيفية احتكار السوق السوداء للمازوت، عبر شركات تابعة للبترول، تتولي مهمة تسليم حصص المازوت للمصانع، والتي تتعامل مع عدة تجار، يشترون منهم المازوت، ليتم تخزينه في مخازن كبيرة تقع علي الطريق، والتي تظل مغلقة طوال الوقت حتي لا يكتشفها أحد، مضيفاً أن مركزي ميت أبو خالد وهالة، هما اللذان يحتكران المازوت، واصفاً إياهما ب»المافيا«، متابعاً أنه من فرط وجود المازوت في السوق، حولت بعض محطات السولار نشاطها إلي مخازن للمازوت، نظراً لربحه الكبير الذي يصل إلي 300 جنيه في الطن.