د. حسام عيسى أثارت استقالة الدكتور حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس من حزب الدستور جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة المصرية ، فهي موقف واضح وكاشف ضد "الشللية الحزبية " -التي أصابت أحزاب ما بعد الثورة - من شخص لا يختلف اثنان في مصر علي نزاهته واستقامته. عيسي الذي كان مرشحا من ميدان التحرير منذ أكثر من عام لمنصب رئيس وزراء مصر لم يتحمل ما يجري في حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي ليكون حاضنا لشباب الثورة.. رأي أن الأمور لا تسير كما ينبغي، وأمراض الأحزاب المصرية امتدت للحزب الوليد.. فهناك من يريد السيطرة علي مقاليد الأمور دون مراعاة للظروف الحساسة التي يمر بها الحزب وتمر بها البلاد. في حواره مع "آخر ساعة" لم يتوقف عيسي كثيرا عند استقالته ولكنه حذر بشكل واضح من خطورة انهيار دولة القانون مؤكدا أن مصر تعيش واحداً من أسوأ عهود دولة القانون في تاريخها المعاصر لافتا إلي أن كل الأمور تسير نحو انفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة . لماذا تقدمت باستقالتك من حزب الدستور وما حقيقة الخلافات داخل الحزب ؟ - تقدمت باستقالتي منذ فترة في حديث تليفوني للدكتور البرادعي معي إلا أنه طلب مني أن أعود عن الاستقالة وأواصل عملي لإنهاء هيكلة الحزب، ووافقت وقررت أن أعطي لنفسي فرصة لعدة أيام، لكن اتضح لي، أن أسباب استقالتي ما زالت قائمة، وهي وجود مجموعة تريد السيطرة ولا تريد استكمال بناء الحزب وتفاقمت بشكل غير مقبول، وأصبح قراري نهائيا، واعتبرت نفسي خارج حزب الدستور بالكامل، ولن تربطني بالحزب أي رابطة من أي نوع كان وأعفني من التوضيح أكثر من ذلك لأني قطعت عهدا علي نفسي إلا أفتح الموضوع مرة أخري . هل الاستقالة من الحزب معناها خروجك من جبهة الإنقاذ؟ - أنا لم أكن عضوا في جبهة الإنقاذ من الأساس فهي جبهة أحزاب ولم أشارك سوي في اجتماع وحيد بحزب الوفد. ما هي ملاحظاتك علي أداء جبهة الإنقاذ.. وهل هي التي تحرك الشارع فعلا ؟ - جبهة الإنقاذ إنجاز جيد يجب الحفاظ عليها رغم محاولات البعض تشويهها لكنها في الحقيقة لا تقود الشارع لأن الناس في مصر تسبق في حركتها الجميع بمسافة كبيرة والجبهة لا تسيطر علي حركته ومن يقول ذلك غير صحيح فالناس تخرج وتتحرك تحت تأثير ضيق الحال ولا تري سبيلاً أمامها سوي الاحتجاج كطريق وحيد لإيصال صوتها للنظام. هل هذا معناه أن قيادات الجبهة لا يملكون وقف ما يحدث ؟ - طبعا فقد تجاوزهم الشارع وشباب الجبهة موجودين بين الناس ويشعر بهم ولذلك لا يملكون السيطرة علي الشباب داخل الحزب.. وهذا الشباب هو الذي يفرض رأيه في النهاية . كثير من شباب حزب الدستور أعلن عن رفضه لاستقالتك وبعضهم جمد عضويته احتجاجا علي استقالتك.. ألا تفكر في العودة من أجلهم ؟ - قرار ابتعادي عن الحزب نهائي ولكن موجود بخبرتي بجوارهم دون أي منصب حزبي وشباب حزب الدستور هم أبدع من رأيت وكلهم كفاءات وتفانٍ لديهم الحرص علي الحزب وبعضهم لا يبخل في صرف آخر مليم في جيبه علي الحزب وهذا حزبهم لا يجب أن يتركوه بعد كل هذا المجهود الذي بذلوه في النزول للناس والالتحام بهم في القري والمحافظات ..وحزب الدستور ليس ملك أحد هو حزب الثورة و مؤسس الحزب واحد من الداعين لثورة يناير وأنا متفائل بالشباب وأري أنهم لابد أن يتقدموا للقيادة في الفترة القادمة . ما حقيقة ترك البرادعي لرئاسة الحزب؟ - لا يجوز لواحد أن يتولي بناء الحزب ثم يرشح نفسه للرئاسة مرة أخري إلا إذا كان مرتب العملية علي مقاسه ولذلك لا أعتقد أن البرادعي سيرشح نفسه في انتخابات الحزب القادمة ويجب أن يتقدم الشباب للقيادة وهم سيختارون الأكفأ بينهم ونحن سندعمه وندفع به فالحزب يجب أن يقوده الشباب ويجب ألا نقف أمام إعطائهم الفرصة كاملة في العمل السياسي. حذرت من انهيار دولة القانون .. كيف ترصد معالم هذا الانهيار في مصر؟ - انهيار دولة القانون بدأ بعد الثورة وتحديدا حينما قام المجلس العسكري بتعيين محافظ مسيحي لقنا ورفض الناس المحافظ وجرت عمليات قطع للطريق وللسكة الحديد اعتراضا علي التعيين.. طبعا من حق الناس أنها تخرج للتعبير عن رأيها لكن لا تمنعه من دخول المحافظة والحقيقة أن الناس كانت رافضة لسبب ديني وهذا أمر مخالف للدستور الذي يساوي بين كل المواطنين ثم تلا ذلك حصار المحكمة الدستورية والإعلان الدستوري بتعيين النائب العام وإصدار قرار بعزل قاضٍ وهو أمر مخالف لقانون السلطة القضائية ثم بعد ذلك وضع مادة لتصفية حسابات سياسية مع المحكمة الدستورية والإطاحة بعضوة في المحكمة وهي المستشارة تهاني الجبالي.. كل هذه المظاهر تعبر عن تعسف في استخدام السلطة التشريعية وهل تري أن حكم محكمة الاستئناف ببطلان عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بداية للتصحيح أم مواجهة جديدة بين الرئاسة والقضاء؟ - أعتقد أن الحكم الأخير يحاول الحفاظ علي ما تبقي من دولة القانون.. كيف تعزل قاضيا تحت أي مسمي.. النظام القضائي هو عصب النظام الديمقراطي والقضاء من حقه أن يلغي قرارات السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية وهو المنوط به تصحيح أخطاء باقي السلطات الأخري التشريعية والتنفيذية.. واعتقد أن الصدام موجود لأن الرئاسة تحاول تجاوز القانون.. والقضاة لن يحيدوا عن تنفيذ القانون وإعمال مبادئ دولة القانون . هل معني الحكم أن النائب العام الحالي لا يستطيع ممارسة عمله؟ - طبعا لأن الحكم يجعل كل قراراته باطلة وأي قرار إحالة يعتبر منعدما بعد الحكم وبالتالي كل قرارات استدعاء النشطاء والسياسيين يمكن الطعن ببطلانها وهناك قضاة كثيرون يؤكدون أن الحكم واجب النفاذ ولا يوقف تنفيذه حتي محكمة النقض. بعد الحكم بدأت قوي إسلامية في مطالبة مجلس الشوري بإصدار قانون جديد للسلطة القضائية ..ما رأيك ؟ - سيكون هذا منتهي العبث فإذا سارت الأمور أن كل عقبة تواجههم يفصلون قانونا علي مقاسها ويمررونه سيكون هذا إعداما لدولة القانون.. هذه أمور لا مشروعية لها وأي تهديد للنظام القضائي معناه نهاية شرعية الحكم فهي السلطة الوحيدة القادرة علي رقابتك وأي اعتداء عليها ينهي النظام الديمقراطي.. القضاء يمكن تجاوزه حتي لو أجريت علي كل قانون استفتاء.. هذه أمور غير مقبولة.. وأي قانون سيصدر سيخضع لرقابة المحكمة الدستورية قبل أن يكون قانونا خاصة أنهم يصيغون نصوصا تعسفية.. القضاء سيعمل رغم كل الهجوم الحاصل عليه. الواضح أن هناك من يقوم بصياغة هذه القوانين والإعلانات الدستورية للرئيس كما يؤيده مجموعة من القضاة التي تطلق علي نفسها قضاة من أجل مصر.. هل نحن أمام انقسام بين القضاة؟ - في كل عهد ستجد قضاة من هذا النوع وفي زمن حكم الرئيس السابق حسني مبارك كانت هناك عمليات من هذا النوع وكان يتم ذبح القضاء برجال من نفس الطراز. وإذا عادت هتافات يسقط يسقط حكم العسكر؟ - لقد وقفت ضد هذا الهتاف الذي يحمل تجاوزا غير مقبول ضد الجيش المصري ..جيش عرابي الذي احترم إرادة الأمة في الثورة وترك مبارك ووقف في صف الشعب..هو في تاريخه لم يتعرض لهذا الكم من الإهانات ولكن هو لن يتنازل عن مهمته المقدسة في حماية الدولة المصرية. هناك من يري أن الإخوان هم من كان وراء هذا الشعار وانساق وراءهم شباب الثورة ؟ - هذا الشعار ظهر بكثافة بعد جمعة قندهار الأولي والتي سيطرت عليها التيارات الإسلامية ثم امتد بعدها حتي انتخاب مرسي.. وأنا أري أن ولاء الجيش المصري الوحيد هو لمصر ولذلك لن يتراجع عن حماية الوطن . كيف تري التهديدات التي بدأت تظهر ضد الإعلاميين ؟ - الاعتداء علي الصحفيين ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي والاعتداء علي شخصيات عامة وقيادات حزبية مثل الدكتور محمد أبو الغار جريمة لا يمكن القبول فيها باعتذار وهي معلم آخر من معالم انهيار الدولة. كنت عضوا في لجنة استرداد الأموال المصرية المهربة في الخارج.. والآن تتحدث الحكومة عن اتفاق مع بريطانيا وسويسرا من أجل استردادها.. كيف تري العمل في هذا الملف ؟ عملية استرداد الأموال المصرية المهربة للخارج، أصبحت شبه مستحيلة في عدم وجود حكم قضائي فبعد حصار المحكمة الدستورية لا يستطيع القضاء العادي إصدار أحكام متعلقة بالأموال في ظل تعرض القضاء للضغط مما يشكك في نزاهته والدليل علي ذلك قرار المحكمة الدستورية الإسبانية، برفض تسليم رجل الأعمال الهارب حسين سالم لمصر بسبب حصار المحكمة الدستورية المصرية فالأزمة بين النظام الحاكم والقضاء المصري هو سبب تعطيل عودة الأموال المهربة من الخارج ..ولا يوجد وعد سويسري بإصدار قانون خاص بإعادة الأموال المصرية المهربة للخارج، كما أن مصر أرسلت لإنجلترا 63 طلب مساعدة قضائية متعلقة بأسماء رموز النظام السابق لم يتم الرد إلا علي 71 منها. هل معني ذلك أن الأموال ستتأخر أم ضاعت ؟ - الكلام عن استرداد الأموال تكرار ممل أتابع الملف من بعيد لا يوجد شيء يبشر بالخير والأسباب كثيرة كفاءة العملية في السنتين الماضية منعدمة وتحضير الملفات كان أقرب ل"شغل الهواة " كما أن عدم صدور أحكام جادة قللت من فرصة استعادتها . منذ أيام نشرت الصحف البريطانية عن أموال جديدة باسم عائلة مبارك في مصرف إحدي الجزر.. هل كنت تتابعون هذه الأموال؟ - لقد كنا من أوائل الناس الذين كشفوا عن أهمية البحث عن أموال بأرقام كبيرة في جزر الفيرجين ايلاند وكيمين ايلاند لأنها معروفة دوليا بانعدام سلطة الدولة. وبالتالي من الصعب أن تجمد فيها أموالا.. استعادة الأموال الآن أصبح صعبا فهي تحتاج من أجل استعادتها لعمل جاد يمكن أن يستمر لسنوات قد تمتد إلي ما بين 5 الي 7 سنوات إلا أن هناك عدم جدية في التعامل مع هذا الملف . هناك من يري أن هذه الأموال ضاعت بعد أحكام البراءة العديدة التي حصل عليها رموز النظام السابق ؟ - الحقيقة أن الإخوان قرروا وقف الثورة والاتجاه للبيزنس مع الرموز الخارجة من السجن وفق قاعدة جديدة بدأنا في ملاحظتها وهي تعالوا نتصالح ونبطل ثورة ونعمل بيزنس لكن الشعب لن يسكت علي ذلك أبدا.. ولن يتوقف قبل استكمال ثورته واسترداد حقوقه كاملة .