علي عكس ما كنا نتوقع تمضي الأحداث مسرعة، ولكن كالقطار المندفع الذي يسير نحو المجهول، كل القوي السياسية تعاند بعضها البعض، ما يوافق عليه فصيل يرفضه الآخر، فالبعض يقاطع الانتخابات، وآخرون مقبلون عليها، كل ذلك غطي علي صوت العقل وصرف النظر عن قضية مهمة، وهذه هي المحنة الحقيقية، وكنت قد تناولتها من قبل وتحتاج للتأكيد عليها مرة أخري، وهي أن المصريين لا يعترفون بالأحزاب، فبعد قيام ثورة 52يناير كان من المفترض أن يكون الطريق ممهدا أمام الأحزاب لقيام تجربة حزبية حقيقية، وأن تكون هناك أحزاب قادرة علي لعب دور مهم وفعال في الحياة السياسية، بعد أن أصبح تشكيل الأحزاب، يخرج من جموع الشعب، بدلا من الموافقات الحكومية، حينما كانت الأمور بيد لجنة شئون الأحزاب، وقت أن كان الحزب الوطني هو الذي يختار معارضيه، والتجربة أثبتت عكس ذلك، فالأحزاب كانت مطالبة قبل أن تبحث عن أعضاء يمثلونها وقبل أن تدخل في تحالفات، وأن تدخل في جدل سياسي عقيم، بأن تغير من قناعات الناس وتحثها علي المشاركة، لخلق كوادر حزبية يعتد بها في أي معركة انتخابية، وأحسب أن كثيرا من الذين تحاول الأحزاب جذبهم إليها ثقافتهم الحزبية لم تتبلور بعد، فالمسألة ليست بالسهلة أو اليسيرة، فالتغيير يحتاج لسنوات، وهذه السنوات قد تطول، كما أن المناخ السائد يؤكد أن الدولة نفسها لا تعترف بذلك، فمصر لايمكن أن توصف الآن بأنها دولة ديمقراطية بالمعني المفهوم للديمقراطية، وإنما دولة تسعي للتعددية بكم كبير من الأحزاب غير المعروفة حتي للنخبة، كما أن قناعة من في الحكم ومن في المعارضة هي نفس القناعة التي كانت سائدة قبل الثورة، وهي أن من في الحكم غير مقتنعين بتداول السلطة، وإمكانية أن يأتي حزب معارض ليجلس في مقاعد السلطة، ويخرج الحزب الحاكم إلي صفوف المعارضة، الديمقراطية بمفهومها الواسع غير واردة في ذهن الدولة، ولا في أذهان المعارضة، التي تمارس المعارضة بأسلوب "كرسي في الكلوب"، الأنا العالية سيدة المشهد، إما أنا في الحكم أو النفخ في كير المناخ السياسي ليزداد احتقانا، وكأن الثورة لم تأت بجديد.