وضعت جبهة الإنقاذ مستقبلها علي المحك وقذفت بآخر كارت سياسي لديها في وجه النظام وسدت به آخر باب للحوار الذي كان ينتظره الجميع للخروج من المأزق.. ووضعت مصر كلها أمام الخيارات الصعبة الثورة والفوضي أمام مبادرة شجاعة من الرئيس يستجيب فيها للمطالب السابقة ويخضع المسئولين عن القتل والسحل إلي جهات التحقيق . لأول مرة تعقد الجبهة اجتماعها ولا تدور نقاشات ساخنة حول المناورات السياسية المطلوبة أو قياس رصيدها في الشارع أو بحث ردود الأفعال الدورية أو حتي الحديث عن الانتخابات.. لم يختلف قادة أحزاب جبهة الإنقاذ هذه المرة وكأنهم كانوا يفكرون في فكرة واحدة وهي أن السياسة ماتت حينما علا صوت الشباب أمام الاتحادية بالثورة وإسقاط النظام.. ثم مقتل محمد كريستي وتعذيب محمد الجندي وبعدها مشهدسحل حمادة صابر الذي شاهده العالم كله من جانب رجال الشرطة . الأزمة لم تكن فيما حدث أمام الاتحادية.. الأزمة كانت داخل أحزاب جبهة الإنقاذ نفسها التي فوجئت بعد توقيعها لوثيقة الأزهر لوقف العنف بهجوم ضار من شبابها لأن الوثيقة تحدثت عن إدانة العنف من جانب المتظاهرين ولم تتحدث عن إدانة عنف الدولة الذي عاد لأول مرة بعد ثورة يناير خلال الأيام الأخيرة كما وقع عدد من شباب الثورة علي وثيقة إدانة لمبادرة الأزهر لأنها لم تدن أحداث العنف التي تورط فيها التيار الإسلامي أمام المحكمة الدستورية العليا وفي اعتصام الاتحادية.. ووصل حد الاتهام من الشباب إلي قيادات الجبهة إلي اتهامهم بالسعي إلي إنقاذ نظام الإخوان وأنه آن الآوان أن ترحلوا معهم.. وهو ما عكس لقادة جبهة الإنقاذ أن مطالب شباب الجبهة قد تخطت الحوار السياسي بعد سقوط قتلي وجرحي في مدن القناة وفي التظاهرات الأخيرة فلم يجدوا أمامهم سوي الانصياع لرغبتهم ووقف أي حديث للحوار إلي أن تطور الأمر إلي المطالبة بمحاكمة الرئيس وأركان نظامه علي خلفية جرائم التعذيب التي شهدها المصريون عبر شاشات التليفزيون . وتسرب من كواليس الاجتماع داخل الجبهة أن عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر كان أول المتحدثين بقوله إن ما شهدته البلاد من أحداث عنف من جانب قوات الشرطة مهين لحقوق الإنسان ومؤسف للغاية ، وأنه علينا جميعا التوحد لإنقاذ مصر من الهاوية التي تقع فيها خاصة أن الوضع الحالي خطير للغاية. وأضاف موسي، خلال الاجتماع، أن الطريقة العامة التي تدار بها البلاد غير مناسبة ولابد من تغيير الحكومة ، والتحقيق الجدي في الأحداث ، قائلا "الرئيس في يده الكثير من السلطات ولكنه لا يستجيب لمطالب الشارع "، مؤكدا أنهم لازالوا مع الحوار الجاد وليس الحوار الذي لا يأتي بنتيجة، مضيفا " الحوار ليس هدفا في حد ذاته إنما هو وسيلة لتنفيذ المطالب". وبعد أن انتهي موسي من حديثه ثار جدل بين قيادات الجبهة حول الإجراء الذي يجب اتخاذه ردا علي أحداث العنف التي شهدتها محافظات مصر وميادين القاهرة ومحيط قصر الاتحادية في فعاليات مليونية الخلاص. ثم طلب حمدين صباحي، الكلمة وقال إن مصر تمر بأيام صعبة، لا يوجد فيها شيء إلا التوجه إلي الله لحماية هذا الوطن ثم حكي قصة الشاب محمد الجندي عضو التيار الشعبي الذي تعرض للتعذيب في مقر احتجاز بالأمن المركزي ويرقد الآن في المستشفي وقال لقد زرت محمد الجندي وعلمت من طبيب المخ والأعصاب أن حالته تتطلب معجزة خارج الطب، ثم أضاف علي مدار سنتين منذ الثورة نطالب بحقوق ولم نحصل عليها، الشهداء يتساقطون والقمع يزداد. واستكمل صباحي الحديث بقوله في عهد مبارك جاع الشعب وقمع بالأمن، والآن الفقراء لازالوا يعانون الجوع، والأمن يقمع أيضاً، ولم تتغير الأوضاع وقال نحن في جبهة الإنقاذ مجرد واجهة سياسية وقوتنا في الشارع. وطالب صباحي قادة الجبهة بأن تكون مطالب الجبهة هذه المرة متسقة مع مطالب الشارع وأعلنا انحيازنا لمطالب الشارع المصري، خاصة أن الحوار مع الرئاسة وصل إلي طريق مسدود بعد ما أظهرت الرئاسة ، الاستعلاء والاستقواء ومزيدا من الدماء فأي حوار سيكون والدماء مراقة، ومن هذا المنطلق قررنا الانحياز للشارع والدعوة إلي إسقاط النظام. وقال صباحي الحل السياسي يبدأ من احترام إرادة الشعب وطريقة التعامل ولا يمكن أن يكون حوار إلا بإجراءات توقف إراقة الدماء. وحول أحداث العنف التي شهدها قصر الاتحادية من المتظاهرين قال صباحي إن الجبهة أعلنت أنها ترفض أي مساس بمنشآتنا كما نرفض التخريب وحرمة المباني. وبعد كلمة صباحي طلب قادة الجبهة من الدكتور أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار وخالد داود المتحدث الإعلامي بأن يكتبوا صيغة بيان الجبهة وكانت الصيغة النهائية التي اتفقوا عليها والتي تلاها سعيد هي تابع الشعب المصري والعالم بأسره أمس أعمال العنف حول قصر الاتحادية، والتي تلازمت مع التصريحات المتلاحقة من قيادات الإخوان المسلمين بإتهام الشعب المصري وقواه الثورية السلمية وجبهة الإنقاذ الوطني بالتحريض علي العنف. وكشفت هذه التصريحات مقاصد النظام العدوانية تجاه الشعب وجماهيره وقوي المعارضة الوطنية، وأكدتها ممارسته للعنف الوحشي غير المبرر أمس، تماما كما وقع يوم 5 ديسمبر 2102في محيط قصر الاتحادية، وبعد أن امتلأت السجون والمعتقلات بمئات المحتجزين دون وجه حق وتعرضهم للتعذيب. إن تعرية المواطن الأعزل محمد صابر وسحله وتعذيبه في مشهد غير إنساني تنطوي علي إذلال مشين ومرفوض لكرامة المواطن المصري، ولا تقل بشاعة عن اغتيال أقرانه من الشهداء، مما يعد استمرارا لنهج العنف الأمني المفرط الذي أدي إلي سقوط أكثر من سبعين شهيدا علي مدي الأسبوع الماضي، والذين سالت دماؤهم دفاعا عن المطالب المشروعة للمصريين. ثم أكد علي ثوابت جبهة الإنقاذ وهي الانحياز الكامل لمطالب الشعب المصري وقواه الحية التي تنادي بإسقاط نظام الاستبداد وهيمنة الإخوان المسلمون علي الحكم. وتؤيد كل أشكال التعبير السلمي لتحقيق هذه المطالب، وتدعو المصريين إلي الاحتشاد السلمي في كل ميادين مصر دفاعا عن كرامة الإنسان المصري. و التحقيق القضائي المحايد في جرائم القتل والتعذيب والاحتجاز بدون وجه حق، وتقديم كافة المسئولين عنها للمحاكمة العادلة. و ضرورة إنهاء معاناة المواطن المصري بسبب الفقر وارتفاع الأسعار نتيجة السياسات التي لا تلبي طموح المصريين إلي عدالة اجتماعية حقيقية. والتأكيد علي أن الجبهة لن تخوض في ملف الحوار في ظل الدم وقبل إيقاف نزيفه والمحاسبة عليه والاستجابة لمطالبها. في الوقت نفسه بدأت قيادات أحزاب الجبهة في التنصل من مبادرة الأزهر حيث أصدر حزب التحالف الشعبي بيانا رفض فيه الوثيقة وأعقبه بيان آخر من حزب الكرامة حيث أكد محمد سامي رئيس حزب الكرامة وعضو جبهة الإنقاذ الوطني، أن الجبهة قررت في اجتماعها اليوم الانسحاب من وثيقة الأزهر، بعد الأحداث التي وقعت أمس الجمعة أمام قصر الاتحادية مؤكدا أن الوثيقة لا قيمة لها الآن، ولا نقبل حوارا إلا بعد إسقاط النظام.