مصدر يكشف ل"أهل مصر" موعد إعلان الحكومة الجديدة    تأييد حكم حبس مدير حملة أحمد الطنطاوي    مجلس النواب يوافق نهائيا على مشروع خطة التنمية الاجتماعية 2024/2025    ارتفاع أسعار الخضراوات اليوم الإثنين في الفيوم.. البطاطس ب 20 جنيهًا    محافظ المنيا: تواصل استقبال القمح وتوريد 346 ألف طن منذ بدء الموسم    محافظ قنا: جهود مكثفة لإنجاز ملف التصالح فى مخالفات البناء    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على غزة إلى 36 ألفا و479    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني نحو 1.7 ألف جندي خلال يوم    صندوق الأغذية العالمي يعلن تقديم مساعدات إنسانية ل65 ألف متضرر من الفيضانات في أفغانستان    «نسك».. بطاقة ذكية تُسهل رحلة الحجاج وتُعزّز أمنهم خلال حج 2024    بعد وصافة أوروبا.. سكاي: إدارة دورتموند تجتمع مع ترزيتش لتمديد عقده    الرباط الصليبي يبعد مدافع أتالانتا من قائمة إيطاليا في يورو 2024    رئيس أتليتكو مدريد يكشف حقيقة مفاوضات صلاح.. ومونديال الأندية الجديد ومستقبل فيليكس    نتيجة الشهادة الإعدادية جنوب سيناء 2024.. متاحة الآن على هذا الرابط    تخرج دفعة جديدة من ورشة «الدراسات السينمائية» بقصر السينما    مهرجان روتردام للفيلم العربي يسدل الستار عن دورته ال 24 بإعلان الجوائز    لإنتاج 6 مسكنات ومضادات حيوية.. وزير الصحة يشهد توقيع شراكة بين «الدواء» وشركة أمريكية    ممثل الأغلبية: نوافق على أضخم موازنة فى تاريخ مصر والأكثر إدراكا للصدمات الاقتصادية    نقيب المعلمين: تقديم الدعم للأعضاء للاستفادة من بروتوكول المشروعات الصغيرة    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    سلطنة عُمان ترحب بالمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة    عميد الكلية التكنولوحية بالقاهرة تتفقد سير أعمال الامتحانات    القاهرة الإخبارية: 12 شهيدا جراء قصف إسرائيلى استهدف المحافظة الوسطى بغزة    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    لمواليد برج الدلو.. ما تأثير الحالة الفلكية في شهر يونيو 2024 على حياتكم؟    «شرارة» يؤكد على دور الأغانى والأناشيد الوطنية في غرس القيم وإعلاء حب الوطن    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون في القطاع الصحي    "أسترازينيكا" تطلق حملة صحة القلب فى أفريقيا.. حاتم وردانى رئيس الشركة فى مصر: نستهدف الكشف المبكر لعلاج مليون مصرى من مرضى القلب والكلى.. ونساند جهود وزارة الصحة لتحسين نتائج العلاج والكشف المبكرة عن الحالات    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    أفشة: الجلوس على الدكة يحزنني.. وأبو علي هيكسر الدنيا مع الأهلي    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    عاجل..صندوق الإسكان الاجتماعي: الفترة المقبلة تشهد الانتهاء من تسليم جميع الوحدات السكنية المطروحة ضمن الاعلانات السابقة    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحلة الكبري .. قلعة النسيج المهجورة
مهد الصناعة الوطنية في مصر
نشر في آخر ساعة يوم 14 - 01 - 2013

ما إن تذكر (المحلة الكبري) حتي يخطر في ذهنك صناعة الغزل والنسيج، التي بدورها جعلت المدينة "قلعة الصناعة المصرية"، لكن خلال السنوات القليلة الماضية تم غزو هذه القلعة بالبضائع المهربة، واستولي المستثمرون الأجانب علي مصانعها برضا النظام السابق، حتي هٌزمت الصناعة وفقدت ريادتها للمنسوجات علي المستوي العالمي، ما جعل العمال يهجرون ماكينات الغزل، التي باتت معطلة ليل نهار، حتي اضطرت الدولة إلي استقدام عمالة من بنجلاديش في محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
عرفت المحلة بهذا الاسم لوجود كبار الأمراء والشيوخ بها، وكانت عاصمة إقليم الغربية في عهد الناصر قلاوون عام 715ه 1320م، وسميت مديرية روضة البحرين، وأصبحت عاصمة لهذه المديرية الكبيرة التي كانت وقتها كامل الدلتا ماعدا محافظة دمياط، وظلت هكذا حتي عام 1836م، ونقلت العاصمة بعد أكثر من 515 سنة إلي طنطا، وكانت المحلة الكبري مدينة ليس لها زمام، أي ليس لها أراض زراعية حتي عام1844م، إلي أن امتلكت أكثر من 444 كيلو مترا مربعا من الأراضي الزراعية، لتصبح كبري مدن محافظة الغربية، وتشغل حوالي ربع مساحة المحافظة.
ولقبت المحلة ب "قلعة الصناعة المصرية"، إذ اعتمدت بشكل أساسي علي صناعة الغزل والنسيج، وفي عام 1927 تأسست شركة مصر للغزل والنسيج، أولي الشركات الوطنية التي أسسها بنك مصر، حيث طاف المنادون علي القري المحيطة بالمحلة، مُرغبين أبناءها في العمل فيها، وكانت الشركة ملاذاً للكثير من الفلاحين للهروب من سخرة الإقطاع، إذ أتوا من كل حدب وصوب، ليحملوا فيما بعد العديد من المسميات مثل "بتوع الفابريكة"، "المكنجية"، "الصنايعية"، "الشركاوية"، و"العمال".
وبعد ثورة يوليو 1952 تحولت الشركة إلي القطاع العام، وتوسع النظام وقتها في إنشاء المصانع والإنتاج، حتي أصبحت شركة مصر للغزل والنسيج، الأولي علي مستوي الشرق الأوسط والثالثة علي مستوي العالم، إلي أن جاء عام النكبة علي الصناعة وهو عام 1994 عندما أعلنت الحكومة تحرير تجارة القطن، الأمر الذي أدي فيما بعد إلي ازدياد أسعار القطن المصري، وتقلص مساحة زراعته، ما انعكس بالسلب علي صناعة الغزل والنسيج في مصر بشكل عام، وفي المحلة الكبري بشكل خاص، نظراً لاحتوائها لما يزيد علي 4742 مصنعا تابعا لقطاعات الأعمال العام والخاص والاستثماري، ويبلغ عدد العاملين بهذه المنشآت الصناعية حوالي 1.7 مليون عامل، طبقا لتقديرات غرفة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية، ويقدر إنتاج هذا القطاع بحوالي 19 مليار جنيه سنويا كما يبلغ حجم صادراته حوالي 12 مليار جنيه سنويا طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويواجه القطاع في السنوات الأخيرة العديد من المشاكل التي تعوق نموه وتطوره، بل تهدد باندثاره وتأتي في مقدمتها مشاكل الخامات وخاصة القطن المصري ومدي توفرها وجودتها وملاءمة أسعارها، إضافة إلي ظهور السوق السوداء، وارتفاع الفائدة التي يفرضها بنك الائتمان علي القروض الزراعية، وأيضاً سياسة الدولة التي تُشجع علي الاستيراد، إذ انخفض الاستهلاك المحلي للقطن المصري إلي حوالي 16.8 ٪ عام 2010 نتيجة لزيادة الاستيراد من الغزول والأقطان، حيث قفز إجمالي قيمة منتجات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة المستوردة من حوالي 3.2 مليار جنيه عام 2007 إلي 16.3 مليار جنيه عام 2010 محققة عجزا في الميزان التجاري للقطاع بلغ حوالي 3.7 مليار جنيه عام 2010.
وبعد ثورة 25 يناير، أهملت الدولة أكبر صناعة مصرية، نظراً للاضطرابات السياسية التي تمر بها، ما أدي إلي إغلاق العديد من المصانع الكبيرة المصدرة، وتشريد آلاف العمالة، الذين اتجهوا إلي الهجرة أو العمل في مهن أخري، أما المصانع الصغيرة ومتوسطة الحجم فتعاني الإفلاس، نتيجة لتوقف نصف الآلات والماكينات بها، بعد زيادة عمليات التهريب من دول الصين وتركيا وليبيا.
خبراء يرجعون السبب إلي التهريب وهجرة العمالة
سر تدمير صناعة الغزل والنسيج
"حينما نتكلم عن صناعة الغزل والنسيج فنحن نتكلم عن زراعة وصناعة وتجارة داخلية وتصدير وخدمات متعددة" هذا ما قاله الدكتور شحاتة صميدة، مدير عام غرفة الصناعات النسجية، والذي أضاف: فقطاع الصناعات النسجية في أشد الحاجة إلي: ضخ إستثمارات، وتحديث معدات، وماكينات، وتدريب وتأهيل للإدارة، والدفع بقيادات شابة لإكسابها الخبرات، وعلي الحكومة إذا أرادت أن تنهض بشركات النسيج انتهاج فكر جديد مبني علي التعاون بين القطاعين العام والخاص وعدم التفريط في الأصول العامة بأية حال، فالملكية العامة ضمانة لكل الشعب، وها هي الدول الرأسمالية الكبري تحتفظ بالملكية العامة وتنميتها وتسمح للقطاع الخاص أن ينمو وينهض وينطلق، فهل يمكن للرئيس محمد مرسي ولحكومته أن تأخذ في الاعتبار أهمية هذا القطاع ويعاد تنظيمه ويعالج مشاكله المتراكمة وفي مقدمتها مشكلة التدريب والتهريب والتخريب.
ويقول أحمد الشعراوي، رئيس شعبة الملابس باتحاد الصناعات المصرية: نحن نحارب معوقات كثيرة منذ عام 2006 لكنها توحشت هذه الأيام، فكان المهربون يعملون في الخفاء، وأصبح الآن عملهم علنيا، واستشعرنا بالخطر لأن المحلة صناعتها الأساسية النسيج والملابس، وواجهتنا مشاكل ضخمة خاصة بالغزل، العمود الرئيسي لهذه الصناعة، ومشكلة التهريب، الذي اختلفت أساليبه الآن عما قبل النظام القديم، لذلك طالبنا بتدخل الجيش لوقف التهريب بعد أن فشلت الشرطة والضرائب في منع تهريب السلع من تركيا والصين وليبيا.
ويضيف رئيس شعبة الملابس أن صناعة الغزل والنسيج والملابس أمل مصر الوحيد في العشرين السنة المقبلة، لأنها الصناعة الوحيدة التي نملكها، ورغم ذلك نشعر ببعض قرارات تضر الصناعة من مجلس الوزراء، والتي ستكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لذلك نطلب من حكومة الرئيس محمد مرسي أن تترك قطاع النسيج في حاله، فنحن لسنا تجارة مبهمة، بل مؤسسات كبيرة، وإن انهارت الصناعة بالكامل لن تنهض ولو بعد خمسين سنة.
ويشير الشعراوي إلي ظاهرة اختفاء العمالة، بعد أن كانت تضم الصناعة 8 ملايين عامل، ما دفعهم إلي استقدام عمالة من بنجلاديش، علي مستوي مصر وليس المحلة فقط، وبنفس ثمن العامل المصري، متسائلاً أين ذهب خريجو الدفعات الأخيرة من التعليم الفني؟ فلم يعد هناك من يريد أن يكون عاملاً، ويتخذون طريق الهجرة بسهولة شديدة، بدلا من استثمار أموالهم في المشاريع، متذكراً بداياته الأولي في العمل عندما كانت تسرق المصانع العمال الكفء نتيجة لمهاراتهم أما الآن فلم يعد هناك عمال لسرقتهم.
وكان محمد فريد خميس، رئيس الجمعية العامة للمستثمرين، قد قدم مؤخراً اقتراحاً بشأن حظر استيراد بعض السلع من الخارج، والتي لها مثيل في السوق المحلية، وأن ذلك في صالح الميزان التجاري وتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات، حيث تمثل النسبة بين الصادرات والواردات ما بين 1 إلي 3 الذي رحب به محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، مؤكداً أن من شأنه ترشيد الاستيراد للسلع الكمالية والاستفزازية، والتي يتم توريدها من الدول الأجنبية، وأن ذلك يساهم في خفض معدلات التهريب من الخارج.
وأضاف المرشدي أن هناك ضغوطاً كبيرة علي الدولار وارتفاعه المطرد أمام الجنيه، وأن تلك الإجراءات الحكومية ضرورية في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري، من خلال حظر استيراد السلع والمنتجات من الخارج والتي لها بديل في السوق المحلية، ويستمر ذلك الحظر لمدة 3 سنوات وأن هناك العديد من التجارب العالمية التي اتخذت الخطوات نفسها لحماية الصناعة المحلية من خطر الانهيار لأنها تواجه منافسة شرسة مع السلع والمنتجات المستوردة من الخارج، وأن العديد من الإجراءات الحمائية من الممكن أن تساهم في إنقاذ الصناعة المحلية.
مصانع مغلقة.. وعمال مشردون.. وبضائع بلا أسواق
لا يمكن أن تري الأزمة بوضوح إلا في عيون العمال الحياري علي مستقبلهم بعد تسريحهم واحدا تلو الآخر، فقد ترشد الآلاف منهم، بعد غلق عدد كبير من المصانع الكبيرة عقب ثورة 25 يناير، وتوقف نصف الطاقة الإنتاجية في المصانع متوسطة الحجم والصغيرة، لتصبح هذه الصناعة طاردة للعمالة بعد أن كانت مصدرهم الرئيسي في الحياة، لكن مازال منهم من ينسج أحلامه بعودة الصناعة كما كانت في الصدارة بين الصناعات، ويصر علي البقاء تارة، والاعتصام تارة أخري، ثم يعود إلي الماكينة يتأملها في صمت، ويضغط علي زر تشغيلها لتواصل النسج، وسرعان ما يقطع حزنه ابتسامة فخر بمنتجاته التي لا تعوض، لكن ما فائدة الجمال ولا أحد يعتني به!
المغرمون بالصنعة
يؤمن العامل محمد الطنطاوي أن الصناعة لا يمكن أن تنتهي، طالما أن هناك من يحبها رغم تدهور حالها، فيحكي كيف ترك مدرسته وهو في الثالثة عشرة من عمره، وذهب ليعمل في صناعة الغزل والنسيج، ليقدر عمره فيها بحوالي 38 سنة، يقول: "تطورت خبرتي مع تطور الصنعة، إلي درجة عدم تصوري العمل في مهنة أخري، وانا الذي تجاوز الخمسين من عمره، لكن راضون بالحال، ونعرف أننا نعمل علي ماكينات إنتاج إذا عملت سنأخذ مرتباتنا وإذا لم تعمل سنصبر".
عم محمد الذي يعمل في شركة سموتيكس للصناعات النسجية، الثانية علي مستوي المحلة في حجم الإنتاج، لأكثر من 25 عاما، يري أن الصناعة تتطور فقط في الآلات، وهذا حسب مقدرة كل مصنع، لكن من حسن حظه، أن سموتيكس تضم أكثر الآلات تطوراً علي مستوي العالم، يواصل: "أنا مش بعرف أقرا أو أكتب، لكن لكل ماكينة كمبيوتر وبعرف اشتغل عليه كويس، واعمل كل المنتجات، وانا كعامل بطور نفسي مع تطور المهنة، لكن للأسف حال الصناعة تدهور بعد وقف تمويل البنوك، فنصف ماكينات الشركة لا تعمل، ورحل الكثير من زملائنا بسبب قلة الأموال والإنتاج".
وفي جولة بين الماكينات المتراصة في صفوف، وجدنا آلات متوقفة، وعمال يجلسون في أحد الأركان، يسألون: من وراء انهيار الصناعة وتسريح العمال؟ لكن لا أحد يرد، أو ربما كانت هناك إجابة تلاشت بين أصوات الماكينات المزعجة، لكن العامل ماجد أحمد، مُصر أن يسأل سؤالا آخر: "أين الحكومة!؟"، لكن الحكومة لا تستجيب أيضا وتركتنا بعد أن ساء حال المصانع، وكل ما يهم العمال مرتباتهم والمهنة التي يمكن أن تقبلهم بعد تشردهم، فهناك 1200 عامل بالشركة لا يعرفون مصيرهم، قائلاً: "صحاب المصانع بالنسبة لنا ماتوا، عايزين الحكومة تدعمنا".
أزمة البنوك
لم تعد المصانع تملك سوي ذكريات ماضيها المشرف بين الدول، فيقول رمضان الرفاعي مدير عام شركة سموتيكس، أن الشركة كانت أول مصنع في القطاع الخاص بمصر يجرؤ أن يشارك في معرض كبار منتجي عام 2000 والذي يقام كل ثاني أربعاء من بداية كل عام بألمانيا، قائلا: "كان مخصصا لنا 6 أمتار لعرض مفروشاتنا، ورغم ذلك كان المنتج المصري الأكثر ترويجا وإعجابا بين العملاء، ودعت وقتها سفيرة مصر بألمانيا كافة المسئولين لتقييم المنتج المصري، وأدركنا وقتها أن مدينة المحلة كلها لا تكفي الطلب العالمي".
ويستكمل الرفاعي ذكرياته بأن المصنع كان من أحد المصدرين لكافة أسواق العام، إذ كان يصدر سنوياً بمبلغ 12 مليون جنيه، ما دفعه إلي تطوير المصنع بأحدث ماكينات الهوا وهم (دونيه ألماني، بيكانول، جانيه بلجيكي)، وذلك بسرعة 600 حدفة في الدقيقة الواحدة، وكانت البنوك هي من تسعي لتمويل أي عملية داخل قطاع النسيج، وفي سبتمبر 2009 صدر قرار بوضع دائرة حمراء علي قطاع النسيج بامتناع البنوك عن تمويله، بحجة أنه عالي المخاطر، ومستقبله غير مضمون، ما أدي إلي تخفيض الإنتاج بنسبة 15٪ في 2009 إلي 50٪ عام 2010 بعدما كنا ننتج 7 أطنان يوميا أي بمعدل 200 طن شهريا، إذ كان هناك مخطط لتدمير القطاع الخاص بعد بيع القطاع العام، فالمشكلة " سوء إدارة وليس سوء قطاع".
"وفي أكتوبر 2010 تراجعت الحكومة عن إجراءات وقف التمويل، وتم عمل محضر بأن البنوك ستقوم بدراسة المصانع، علي أن يتم عقد اجتماع في فبراير 2011 لكن الثورة أنهت كل شيء، ما دفعنا إلي تخفيض الطاقة الإنتاجية والعمالية، ولم تجتمع البنوك من وقتها لتأخذ قرارا بالضخ، وفي 2012 تحولنا من مصانع مصدرة إلي مصانع طلبيات للغير بطاقة تتعدي 35٪.
مقابر النسيج
وإذا كانت المصانع الكبيرة استطاعات اتخاذ قرار بالغلق، فماذا عن هذه الورش، التي تطلق علي نفسها مصانع صغيرة، هل تملك الشجاعة علي اتخاذ أي قرار وهي لم تملك رأسمال كبيرا حتي تغير نشاطها؟!
صراحة لا يمكن نقل حال الورش كما في الواقع، لأننا في حيرة شديدة إذا كانت مقابر، أم جحوراً !.. بمجرد دخولك لبوابة تجمعات الورش بمنطقة الشيخ، تشعر وكأنك انعزلت عن العالم؛ غرف متراصة في انتظام شديد، رمادية اللون، عبوسة الجدران، تتكون من طابقين، ليس بهما أي شرفات، حتي البوابات استبدلت ببطانية متهاكلة لتؤكد خصوصية كل ورشة، وفي الداخل تجد عاملا أو ثلاثة علي الأكثر، وماكينة واحدة التي تعمل، والأخري صامتة وتنظر إليها بحقد شديد، لكن بالإمكان تطيب خاطرها بعامل يجدد استعداده يوميا دون جدوي.
يستقبلنا المعلم محمد جلابية بعبارات متقطعة تلخص حال المصانع، "النسيج مات.. ومفيش عمالة.. والتجار مسيطرون علي الخامات.. وبيوتنا اتخربت بعد الثورة.. وبنفكر نبيع المكن ونريح دماغنا"، لا يمكن أن يتصور مهنة أخري غير التي ولد عليها، متعجباً من هجر العمالة لصناعة النسيج، واتجاههم للعمل كسائقي "توك توك"، فلم يعد أحد يرضي بأن يكون عامل نسيج، مما يجعل أصحاب المصانع أنفسهم يعملون بأيديهم.
ويتجه المعلم جلابية لإحدي غرف المصنع الضيقة، ممسكا بمنتجات لا تجد سوقاً لها، وتنتظرها "العتة"، قائلاً : " إحنا بنصنع زي شغل إيطاليا، لكن السوق نايم، ومش عارفين نبيع البضائع، لأن البلطجية سيطروا علي المحلة، وبيمنعوا زبائن المحافظات من دخول المحلة"، لا يعتقد المعلم جلابية أن صناعة الغزل والنسيج يمكن أن تعود للصدارة من جديد، خصوصاً بعد إهمال الدولة لهم وسيطرة التجار علي السوق والخامات.
أما أحمد عبدالكريم فتجد في وجهه رضا علي غير المتوقع، رغم تأكيده أنهم "عايشين بالعافية"، لكن هو متفهم جيداً للأزمة التي تمر بها صناعة الغزل والنسيج، التي من ضمن أسبابها التي يلتمسها تردي حالة القطن، فيقول إنهم يعانون من جودة القطن الهندي والباكستاني الذي لا يمكن مقارنته بالقطن المصري، لكن رغم ذلك يواصلون النسيج، من أجل الصناعة لا الفقر.
القطن.. المتهم »البريء« في تدهور »الغزل والنسيج«
الوكانت الحكومة المصرية قد حددت سعر شراء القطن من الفلاحين للموسم الحالي بقيمة تتراوح بين 1000 و1100 جنيه للقنطار، بزيادة كبيرة عن الموسم الماضي في محاولة منها لتشجيع الفلاحين علي التوسع في زراعته، لكن إحصاءات وزارة الزراعة، أثبتت تراجع المساحة المزروعة بالقطن، وبلغت 285 ألف فدان فقط في 2009 مقارنة ب 2.2 مليون فدان في فترة الستينيات من القرن الماضي.
ويرجع الدكتور مختار خطاب، أستاذ الاقتصاد بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، أزمة القطن إلي عام 1991 "حين قررنا اتباع سياسات التحرر الاقتصادي ونظام السوق المفتوحة، فلحق بنا فشل ذريع في زراعة القطن وسوقه وصناعة النسيج، وراح القطن ضحية الاحتكارات وممارسات التحكم من قبل بعض التجار، ومنذ ذلك الوقت أصبحت صناعة القطن والغزل صناعة راكدة معطلة".
ويستكمل: "قد صاحب سياسة التحرر الاقتصادي اتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي مقابل تخفيض القيمة الحالية للديون بمعدل 50٪ ومقتضي هذا الاتفاق لم تستثمر الدولة في المصانع المملوكة لها، وبات أمام هذه الشركات إذا أرادت زيادة استثماراتها، تذهب للبنوك وتقترض منها مثل القطاع الخاص علي اعتبار أن هذه الشركات ستباع للقطاع الخاص.
ويضيف الدكتور محمد عبد الرحمن نجم، رئيس قسم الغزل بمعهد بحوث القطن، أن القطن يعد السبب الرئيسي لتدهور صناعة الغزل والنسيج، إذ يقف القطن الآن في مفترق الطرق لما يواجهه من تدهور واضح في مجال زراعته وتصنيعه، حيث انخفضت مساحات الأراضي المزروعة له من حوالي 732 ألف فدان عام 2001 إلي أقل من 300 ألف فدان لعام 2012 إضافة إلي الخسارة الفادحة التي تتعرض لها شركات الغزل المصرية من استخدام قطن "جيزة 80 و جيزة 90" بعد أن وصل سعر المادة الخام المستخدمة في إنتاج خيط 1/30 في مصر أعلي من الهند بمقدار 9 دولار للكيلو أي ما يعادل 5400 جنيه للطن الخام فقط، مشيراً إلي عدم إمكانية مصر لتقديم الدعم المادي لكل مرحلة من مراحل إنتاج أو تصنيع القطن، فإذا زادت أسعار القطن عالميا طلب المنتجون والمصنعون والمصدرون دعماً، وإذا انخفض السعر عالمياً تطالب نفس الفئات دعما حكوميا أيضاً، وهو مايعرض صناعات النسيج لمخاطر عدم القدرة علي المنافسة محلياً وعالمياً في ظل حرية التجارة.
ويشدد نجم علي ضرورة بلورة استراتيجية مناسبة للمرحلة الجديدة، فقد يقول البعض إن حجم سوق المنتجات الفاخرة العالمي محدود، ولكن النصف الآخر للحقيقة أنه آخذ في النمو السريع، كما أن حجم الإنتاج العالمي من الأقطان الممتازة محدود أيضا، ومصر هي أكبر المنتجين، فلماذا لا تكون مصر هي صاحبة هذا السوق وبأكمله؟ فهل نريد أو من مصلحتنا حقا - تصدير كميات كبيرة من القطن خاما!؟ إن تركيا تنتج نحو أحد عشر مليون قنطار قطنا وتصنعها بالكامل وتصدر بأكثر من أحد عشر مليار دولار، ونحن بما لدينا من ميزات نسبية نستطيع تحقيق أكثر.
ويوضح مجدي طلبة، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة السابق، إن قانون الإصلاح الزراعي أحد الأسباب في تدهور زراعة القطن؛ نتيجة تفتت الرقعة الزراعية، واتباع أساليب قديمة في الزراعة، وجني وتخزين محصول القطن بما أفقده قيمته وجودته المتعارف عليها، مما أدي إلي تشويه سمعة القطن المصري في الأسواق العالمية، واعتماد المصانع علي 95٪ من صناعتها علي الأقطان قصيرة التيلة المستوردة من الهند وباكستان، لافتاً إلي استنباط الولايات المتحدة الأمريكية لأصناف شبيهة بالقطن المصري، وهو قطن "البيما"، التي نافست به القطن المصري وتفوقت بفضل سياستها وإمكانياتها، وصار القطن الأول في الأسواق العالمية.
ويري الدكتور يحيي زنانيري، رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة المصرية، أن انحدار مصانع الغزل والنسيج المصرية أسهمت في زيادة تدهور أوضاع القطن المصري، وكانت لمصانع الغزول المصرية سمعة عالمية، لكن تبعيتها للقطاع العام وعدم تجديدها وتحديث آلاتها وفكر إدارتها زاد من تدهورها، في حين تطورت صناعة النسيج في جميع دول العالم، والتي بدأ أكثرها بعدنا إلا أن هذه الدول تفوقت الآن بمراحل.
ويستكمل زنانيري أن تدهور مصانع الغزل والنسيج، أدت إلي ارتفاع أسعار المنتجات المصرية، وعدم قدرتها علي منافسة مثيلاتها في الأسواق العالمية، وباتت المصانع القائمة حاليا لا تعتمد علي القطن المصري طويل التيلة؛ نظرا لارتفاع أسعاره وعدم استخدامه في 95٪ من صناعة النسيج والملابس الجاهزة في الأسواق المحلية والعالمية، مشيراً إلي أن احتياجات المصانع المصرية من الأقطان قصيرة التيلة تصل ل 400 ألف طن سنويا، فيما لا تتجاوز 50 ألف طن قطن طويل التيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.