يظل (بن أفليك) حالة فنية غامضة بالنسبة لي، أتحدث بشكل خاص عن نفسي، فهو صاحب اسم فني كبير أو علي الأقل يتمتع بشهرة تتيح له أن يكون واحدا من نجوم هوليوود، ولكن علي مستوي الإنجاز، أجده في غاية التواضع، أفلامه الجيدة قليلة جدا، ولم تترك أي علامات مميزة تستحق التوقف عندها، حتي فيلم بيرل هاربر كان وجوده إحدي نقاط ضعف الفيلم وليس قوته وإذا تابعت عدة مشاهد من أفلام متفرقة له، سوف تكتشف أنه يحمل نفس حالة البلادة التي تطل من عينيه ونفس ردود الأفعال. لكن تقول إيه (أرزاق)!! وإذا كانت لديك أي ذرة شك فيما أقول إنت حر طبعا، ولكن حاول أن تقارنه بزميله الموهوب فعلا"مات ديمون" الذي كان رفيقه في أكثر من مشروع فني ، سوف تجد أن مات ديمون قدم مجموعة من الأدوار المتباينة المتنوعة المختلفة، حتي تكاد تنكره "لاتتعرف عليه" في كل فيلم يقدمه، وربما يخطر في بالك لماذا مقارنة بن أفليك مع مات ديمون، أقول لك جاء الربط بينهما منين، فقد شاركا معا في كتابة سيناريو فيلم شديد الأهمية من بطولة جاك نيكلسون هو"جود ويل هانتينج" وحصلا عنه علي جائزة أوسكار أفضل سيناريو، بعدها ارتفعت أسهم مات ديمون وقدم باقة من الأفلام لايشبه أحدها الآخر، بينما ظل بن أفليك يلعب في منطقه ضبابية، لايحرز أهدافا ولكنه يجري في الملعب علي أية حال ! مناسبة الكلام عن بن أفليك، تأتي في معرض الحديث عن أحدث أفلامه "أرجو" الذي لعب بطولته وأخرجه أيضا، وموضوع الفيلم مأخوذ عن مقالة كتبها المحلل السياسي "جوشوا بيرمان" عن واقعة محاولة إنقاذ ستة من الدبلوماسيين الأمريكان، احتموا في السفارة الكندية، في طهران بعد أن قام مجموعة من الإرهابيين الإيرانيين بمهاجمة السفارة الأمريكية في عام 9791 وقتل من بها، اعتراضا علي قيام أمريكا باستقبال الشاه الهارب بعد ثورة الخوميني!! أما سيناريو فيلم "أرجو" فكتبه "كريس تيريو" ، الفيلم يدور حول واقعة حقيقية فعلا، تتوفر لها كل عناصر الجذب، ولكنها أيضا واقعة، تشبه عشرات غيرها، قدمتها السينما الأمريكية في أفلام أكثر قيمة، وجمالا، شيء ما يجعل المتابعة ثقيلة، ليس لأنك تعرف النهاية، وهي نجاح مهمة انقاذ الستة أمريكان من براثن، حكومة الخوميني، ولكن لأن السيناريو، لم يحمل أي عناصر إبداع حقيقية، فكل نقطة تؤدي لما يليها، مع انعدام حالة المفارقة، أو المفاجأة! مثل هذه النوعية من الأفلام من المفترض ان تضع المشاهد في حالة هائلة من التوتر، منذ لحظة البداية، ولكن الفيلم تعامل مع الحدث بشكل أقرب للتسجيلي، ولم ترتفع حالة التوتر إلا مع الدقائق العشر الأخيرة! يبدأ الفيلم باستعراض تاريخي لإمبراطورية فارس، ومجدها وصراعها الأزلي مع الإمبراطورية الرومانية، ثم بقفزة في الزمن يصل إلي حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي الذي كانت زوجته ترفل في النعيم، حتي أنها كانت تستحم باللبن، وتحافظ علي جمال وحيوية بشرتها، ونعومة جلدها، ثم يستعرض الفيلم عودة الخوميني من منفاه، واندلاع الثورة الإسلامية ضد الشاه، والوحشية التي تعاملت بها ثورة الخوميني مع رجال الشاه ومؤيديه، لدرجة شنقهم وتعليق جثثهم في الشوارع، ثم هروب الشاه ولجوؤه إلي أمريكا في فترة رئاسة جيمي كارتر، مما دفع السلطات الإيرانية إلي مهاجمة السفارة الأمريكية في طهران، وقتل من بها، إلا أن ستة منهم ينجحون في الهرب بمعجزة، واللجوء إلي السفارة الكندية والاختباء بها!! تبدأ الأحداث الحقيقية للفيلم، بعد 444 يوما من الهجوم علي السفارة الأمريكية في طهران، وطوال هذه المدة، لم تتوقف المخابرات الامريكية عن التفكير في خطة إنقاذ للستة دبلوماسيين الهاربين، وأخيرا تلجأ إلي أحد عملائها، وهو"توني مانديز" أو بن أفليك، ومن اللقطات الأولي، تتعرف علي شخصيته، فهو يعيش بمفرده بعد أن هجرته زوجته، واصطحبت معها ابنهما البالغ من العمر عشر سنوات، وسوف تلحظ أن ملامح بن أفليك تحمل انطباعا واحدا، في جميع المواقف، سواء كان يفكر، او كان متوترا، أو سعيدا أو تعسا، كل الجديد الذي يقدمه في هذا الفيلم، أنه أطلق لحيته، وأضاف بعض الشعيرات البيضاء، المهم.. أن الكرة أصبحت في ملعب "توني مانديز" عميل المخابرات، الذي يخطط لفكرة للخروج بالستة دبلوماسيين من طهران، بأقل قدر من المخاطر، ويفكر في خطة جهنمية، طرأت علي باله وهو يشاهد مع طفله فيلم كوكب القرود، ويلحظ، دقة الماكياج الذي علي وجوه الممثلين في هذا الفيلم، وتصبح فكرته اللجوء إلي عالم السينما، من خلال التعاون مع منتج سينمائي، يقنعه بعمل فيلم "كده وكده" وماكيير شهير، علي أن يكون الفيلم ينتمي إلي فئة الخيال العلمي، عن حروب الفضاء والأساطير الفارسية، ويتم تصويره في إيران!! وفكرة لجوء رجال المخابرات في العالم، للاستعانة بعالم السينما، يبدو أنها تتكرر كثيرا، فقد فعلتها المخابرات المصرية في عملية الحفار، عندما تم الاستعانة ببعض النجوم المصريين للتصوير "كده وكده" في إحدي الدول الأفريقية، حيث يستقر حفار إسرائيلي ضخم، وكانت خطة المخابرات تدميره قبل أن يتحرك للبحر المتوسط، حدث هذا في سنوات السبعينيات، وطبعا هناك الفيلم الامريكي العبقري حقا، ذيل الكلب الذي شارك في بطولته داستين هوفمان، وروبرت دي نيرو، حيث تستعين المخابرات الأمريكية بمخرج شهير، لتقديم حرب وهمية علي الشاشة تحدث في إحدي الدول، لمنح شرعية للتدخل الأمريكي لفض الاشتباك في تلك المنطقة المزعومة من العالم، ونظرا لشدة إتقان الفيلم، يتم التخلص من المخرج الموهوب بتصفيته جسديا ليلقي جزاء سنمار! المهم أن عميل المخابرات الأمريكية "توني مانديز" يذهب إلي طهران بصفته مخرجا كنديا، ومعه مجموعة من الصور تمثل السيناريو الدقيق لفيلم الخيال العلمي المزمع تصويره في مناطق صحراوية في إيران، وطبعا تحدث بعض المفارقات والمغامرات، هي كل ما يقدمه هذا الفيلم من متعة لاتزيد علي عشر دقائق فقط! والطريف في الموضوع أن الماكيير الذي شارك في صناعة الشخصيات الوهمية في الفيلم الوهمي، قد كافأته المخابرات الأمريكية، وحصل علي أوسكار في عام تنفيذ العملية، علي مجمل أعماله، وهكذا يجب أن تتأكد أن عالم السينما ليس بعيدا علي الإطلاق عن عالم السياسة، في كل دول الدنيا وفي كل الأزمنة، التي تلت بداية مولد السينما في عام 1895 وحتي وقتنا الحالي!