جانب من المشاركين فى ندوة تاريخ الكتاب العربى الاهتمام بالدراسات التي تتناول تاريخ الكتاب العربي لاستكشاف دوره الحضاري من خلال النصوص المخطوطة والمطبوعة العربية والمترجمة التي تظهر إسهام العلماء المسلمين في تأسيس النهضة الأوروبية الحديثة في المجالات كافة. إلي جانب إنتاج كتاب مرجعي يسرد تاريخ الكتاب العربي ليكون مشروعا بحثيا بمشاركة الإيسيسكو ومكتبة الإسكندرية، بالإضافة إلي العناية بالتأليف والترجمة والنقل للعلوم في الكتاب القديم والمعاصر لدراسة استفادة الحضارات الحديثة من تراثنا والعكس. علاوة علي إنشاء كشاف عربي علي شبكة الإنترنت يضاهي جوجل وإيضا مكتبة رقمية في العالم العربي والإسلامي شاملة علي نفس الشبكة .هذه بعض التوصيات التي خرجت بها ندوة تاريخ الكتاب العربي ودوره الحضاري التي نظمتها مكتبة الإسكندرية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) وتتواكب مع مرور 01 سنوات علي افتتاح المكتبة. وشارك في هذه الندوة مجموعة من المتخصصين والخبراء بعدد من الأوراق القيمة تتناول ملحمة الكتاب العربي عبر التاريخ. وفي افتتاحها قال الدكتور عبدالحميد الهرامة ممثل الإيسيسكو: ليس من قبيل التباهي وبكل ثقة وبعد استعراض الحضارات السابقة يمكن أن نقول إن الحضارة العربية هي أولي الحضارات التي اهتمت بالكتاب، فمحتويات مكتبة واحدة من المكتبات العربية مثل مكتبة الحاكم المستنصر (004 ألف مخطوط) وهي ضمن 07 مكتبة في الأندلس، ناهيك عن مكتبات القاهرة ودمشق والعراق والتي لا يوجد مثيل لها في التميز والتنوع الفكري وأوضح الهرامة أن الاعتراف بأثر العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية يزيد من ثقة الأجيال الحاضرة والقادمة، حيث إن الأمة التي أسهمت في بناء هذه الحضارة يمكن أن تساهم في صناعتها من جديد. وأما رحلة الكتاب العربي.. فقد اعتبرها الدكتور أحمد شوقي بنبين مدير الخزانة الحسينية الملكية بالمغرب ملحمة كبري حيث إنه ليس هناك كتاب آخر عاش مثل هذه الملحمة التي عمرها 0041 سنة، فهو ضمير الإنسانية والشاهد علي حضاراتها وحياة الإنسان قبل هذه النصوص التي جاءت في هذا الكتاب ضرب من الأوهام والخيال وهو ركن من أركان الحضارة الإسلامية ولولا كتاب الله الذي هدي به خير أمة أخرجت للناس، لكانت قد تأخرت النهضة الأوروبية الحديثة عدة قرون. وأكد بنبين أن كل ما أثير حول الكتاب العربي لم يتناول إلا جزءاً بسيطا من الملحمة التي عاشها حتي ينتقل إلينا، وإنه يحتاج إلي دراسات أكاديمية جادة لاستكشاف الباقي منها. وأضاف أنه يهيب بالنشء الجديد استحضار كل الحواجز والعقبات والمغامرات والمآسي التي مر بها منذ بدايته وحتي طباعته. بينما تناول الدكتور أيمن فؤاد السيد مدير مركز تحقيق النصوص بالأزهر الشريف في كلمته كتاب (الفهرست) لابن النديم باعتباره أول كتاب يصنف العلوم العربية الإسلامية في القرون الأربعة الأولي للإسلام. مؤكدا أن هذا الكتاب يقدم أشمل عرض للإنتاج الفكري العربي الإسلامي الموجود في هذه الفترة، حيث يعرض لمناهج التأليف وتنوع فنونه مع تطور المدارس الفكرية واللغوية والنحوية والأدبية والكلامية واستوائها في القرن الرابع الهجري خاصة بعد الاتصال بحضارات الأمم السابقة من خلال حركة الترجمة والنقل التي بدأت في عصر المأمون في بيت الحكمة. وقدم السيد تصورا لتطور التأليف في عدد من الفنون والعلوم العربية خلال هذه الفترة، كما يعرضها كتاب الفهرست. وأكد أن الكتاب يبرز تنوع المؤلفات العربية بشكل ملحوظ، كما أنه يرصد تنوع المؤلفات التي تتناول موضوعات لا تتوافر فيها مؤلفات عديدة في الوقت الحالي ومنها ديانات الهند والصين وغيرها. ومن جانبه أكد الدكتور فيصل الحفيان، منسق برامج معهد المخطوطات العربية بالقاهرة أن ملحمة الكتاب العربي رغم أنها امتدت عبر الزمان والمكان إلا أنه لا يزال يعاني من فجوات تاريخية كبيرة تسير في اتجاهين أولهما داخلي أو ذاتي ينبع من أن معرفتنا به يشوبها الكثير من القصور، وثانيهما خارجي ينبع من أن علاقات الكتاب العربي بكتاب الآخر تشوبها الكثير من النواقص التي يجب أن نعمل علي ربطها حتي نوثق علاقتنا بالتراث. وتناول الحفيان في كلمته كتاب النحو، مبينا أن علم النحو هو أول علم عربي تتكامل نظريته في وقت مبكر وهذا العلم ارتبط بالقرآن الكريم مباشرة بسبب الخوف من اللحن فيه. وأوضح الحفيان أن الفجوة في علم النحو تمتد لأكثر من قرن ونصف القرن، موضحا أن كتاب سيبويه هو أول كتاب وصل إلينا في هذا العلم ولكنه ليس أول كتاب وجد في تراثنا بخصوص النحو العربي وأولوية الوصول لاتعني أولوية الوجود. مؤكدا أن النحو مجهول قبل سيبويه وأن رقعة الإمام علي تعد أول كتاب في النحو لانها قدمت فكرة إنشاء العلم ووضعت المخطط الأول لهذا العلم علي الرغم من صغرها . بينما الباحث المغربي مراد يدعوت في معهد المخطوطات العربية بالإيسيسكو تناول الكتاب الطبي العربي والتواصل الحضاري، موضحا أن العرب تمكنوا من بناء صرح علمي طبي ضخم وكان لكتاب العرب الأول القرآن الكريم الفضل في ذلك، مما أفاد الحضارة الأوروبية. وأكد يدعوت أن كتاب الطب العربي مر بثلاثة مراحل هي: النقل عن اليونانية وفترة ازدهار الطب العربي ونقل اللاتينية عن العربية. وقال الباحث المغربي أن كتاب (القانون) لابن سينا و(الكليات في الطب) لابن رشد يعتبران من أهم النماذج التي استفادت منها أوروبا حيث أثرت في طرق الكتابة الأوروبية . واستكمل الدكتور أحمد الصديقي الحديث عن دور الكتاب العربي في قيام النهضة الأوروبية قائلا إن الترجمة كان لها دور كبير في الحوار بين الحضارات والثقافات، وأن مدينتي طليطلة وصقلية بالأندلس تعتبران من أهم المراكز الأوروبية لترجمة النصوص ونقل التراث العربي المكتوب لكل أوروبا. وبذلك أسهم الكتاب العربي في تطور الفكر هناك، حيث قدم المادة العلمية الشيقة للتدريس كما قدم دراسات خاصة بالجامعات للكتابة في مختلف العلوم وساعد في إعادة طرق التفكير والبحث هناك. وفي النهاية أشار الدكتور خالد عزب مدير المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية إلي أنه بات من المؤكد أن هناك سباقا بدأ في العالم اليوم حول نوعية جديدة من أدوات تكوين المعرفة الإنسانية ليس عبر الورق، لكن من خلال شبكة الإنترنت، ومن سيكون له وجود حقيقي في هذا الفضاء الافتراضي، سيكون له بالفعل مستقبلا في هذه المعرفة الإنسانية خلال السنوات المقبلة، متسائلا هل انتهي عصر المكتبات؟ وأكد عزب أنه لاشك أن الإجابة بنعم ستكون منطقية، فهناك تحولات جذرية تحدث الآن، أدي بعضها إلي تشكيل اتحاد دولي للمكتبات الرقمية في مقابل الاتحاد الدولي للمكتبات التقليدية. موضحا أنه عبر شبكة الإنترنت وإمكانياتها غير المحدودة، لم يعد القارئ في حاجة إلي شراء الكتاب الورقي لكي يصل إلي المعلومة، كما لم يعد المؤلف في حاجة للناشر التقليدي لكي ينشر كتابه، بل أصبح لديه إمكانية أكبر في نشر مؤلفه. وأضاف عزب أن مكتبة الإسكندرية وضعت خطتها الاستراتيجية أن يكون بها مراكز بحثية منتجة لهذا الفكر وحاضنة للأجيال الجديدة من المثقفين، حيث إن علاقتها هنا علاقة تفاعلية مع المجتمع المحلي والإقليمي والدولي ولم تعد بناية لترفيف الكتب فقط بل أداة تثقيف وحوار. فبدلا من أن تكون مؤسسة متلقية للمنتج الفكري والثقافي والمعرفي، ستكون أداة لصناعة ذلك.