يسرى نصر الله الفارق بين يسري نصر الله وبين غيره من المخرجين هو ذلك الحب الذي يلف حياته فثمة علاقة دائمة بينه وبين ما يفعل تتلخص في أن يحبه بكل ما فيه وما هو عليه وما ينتمي إليه بدءا بموضوعات أفلامه وشخصياتها وحتي الكاميرا التي يستخدمها في التصوير مرورا بالممثلة أو الممثل، هو ببساطة لا يتحدث عن أشياء لا يحبها لكنه يتحدث عما لا يستطيع التعامل معه وجدانيا وهو في ترجمة بسيطة إذا أراد الواحد منا توصيفه "ما يكرهه" لكن يسري كشخص يتسامي فوق فكرة الكراهية من الأساس. ولعل ذلك المخرج الكبير يكشف ما بقي من صفات في نفسه حين يتحدث عن جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط. والتي حصل عليها أخيرا قائلا : لا أعرف قيمتها الفنية حقا لكنهم قالوا لي هذا ففرحت وهي بالتعاون بين الطبعة العربية من مجلة فارايتي وبين مهرجان أبو ظبي للسينما " يسري يصنع الأفلام لأنه يحب أن يفعل ذلك وعبر أفلامه يستعرض همومه الانسانية كفرد في مواجهة تاريخ وفرد في مواجهة مجموع ويعلن رفضه الذوبان في هذا المجموع صارخا بتحضر بالغ عرف عنه في أعماله وفي سلوكه أيضا " نحن هنا " ونحن لا يقصد بها سواه ذلك الفرد الموجود والفاعل في مواجهة ما تعنيه عمليات الاغتيال اليومية للفرج من أجل الآخرين دون تحديد. نفي يسري نصر الله أن يكون فيلمه "بعد الموقعة" جاء للدفاع عن مرتكبي موقعة الجمل خلال أحداث ثورة 52 يناير 1102 قائلاً: قدمتهم في الفيلم كأشخاص اضطرتهم الظروف للتواجد في الجانب الخطأ من التاريخ، ثم وبعد وقفة مع النفس انحازوا للثورة، لأنها تحقق لهم العزة والكرامة التي يبحثون عنها. وقال نصر الله: أعتقد أن هؤلاء يشعرون بجرح كبير لأن الثورة التي اختاروها في النهاية ودافعوا عنها في واقعه الاعتداء علي الثوار أمام ماسبيرو، لم تستطع تحقيق العيش (الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية لهم، وهي المطالب التي كانوا محرومين منها وقت النظام السابق واستمرت حتي بعد ثورة 52 يناير. وحول ظروف كتابة الفيلم والذي اشترك في كتابته مع مؤلف السيناريو "عمر شما" يقول نصر الله: لقد ذهبت الي نزلة السمان، وعشت مع أهلها في محاولة لفهم دوافعهم التي من خلالها ذهبوا لمهاجمة المتظاهرين في ميدان التحرير، وكيف أن هناك من غرر بهم وأكد لهم بأن حل مشكلتهم سيكون بتفريق (العيال اللي في التحرير)، مشيرا إلي أن السلطات المصرية قبل الثورة كانت تحاصرهم في رزقهم وخاصة في استخراج تراخيص العمل لهم، ووصل الحصار إلي الحد الذي قامت السلطات ببناء جدار يعزل بين أهل نزلة السمان والسائحين الذين يزورون المنطقة، والذي يمثل العمل معهم مصدر الرزق الوحيد لهم منذ سنين. ويتناول الفيلم أحد المقيمين في ذلك الحي، الذين كانوا يكسبون رزقهم من السياحة التي توقفت كليا نتيجة قيام الثورة وبسبب بناء جدار يفصلهم عن الآثار.. فيؤدي ذلك إلي تهميش إضافي يطالهم إلي درجة أن "محمود" –بطل الفيلم - يشبه الجدار بجدار إسرائيل، الذي بنته في مواجهة الفلسطينيين، وهو بالنسبة إلي محمود يهدف إلي ترحيله من ذلك المكان. ويعتبر نقاد أن فيلم "بعد الموقعة" هو الفيلم المصري الروائي الفعلي الأول الذي تناول الثورة في مصر وما تلاها، من خلال نظرة واقعية مستقاة من صلب الأحداث، ويكتسي تصويره بصيغة واقعية تحاول التأريخ لهذا الواقع بينما تتواصل الوقائع علي الأرض. وقبل أيام حصل نصر الله علي جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط عن "فيلم بعد الموقعة" والتي أعلن عنها مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي أواخر أكتوبر الماضي، والتي تمنحها مجلة فارايتي الأمريكية. وعن هذه الجائزة يقول نصر الله ضاحكاً: "تكمن قيمة هذه الجائزة فإنها تقول لي أني متميز..وهذا شئ جيد". وعرض الفيلم أيضاً ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، يعد أول فيلم مصري يشارك رسميا في مهرجان كان بعد 51 عاما من مشاركة فيلم "المصير" للمخرج العالمي "يوسف شاهين". الفيلم الذي لايزال يعرض في دور العرض السينمائية في مصر وعدد من الدول العربية، من تأليف وإخراج يسري نصر الله، وشارك في كتابة السيناريو عمر شما، ولعب أدوار البطولة فيه الفنانون منة شلبي وباسم سمرة وناهد السباعي وعدد كبير من أهالي نزلة السمان، قرب أهرامات الجيزة. أزمة أخري شهدها فيلم بعد الموقعة خلال مشاركته في مهرجان كان السينمائي في مايو الماضي، افتعلها صحفيون إسرائيليون في أعقاب تصريحات لمخرجه (يسري نصر الله) قال فيها إنه لن يسمح بعرض فيلمه في إسرائيل.. وحول هذا الموقف يقول نصر الله: في بداية المؤتمر الصحفي الذي أعقب الفيلم وقبل أن يبدأ الحاضرون في توجيه أسئلة تتعلق بالرسالة التي حملها الفيلم باعتباره يتناول ثورة 52 يناير، فوجئت بأحد الصحفيين يوجه سؤالا مباغتاً: هل توافق علي عرض فيلمك في إسرائيل؟، رددت مباشرة: "لن أعرض فيلمي في إسرائيل طالما أنها تغتصب حقوق الشعب الفلسطيني"، فما كان من عدد من الصحفيين الإسرائيليين إلا أن غادروا القاعة اعتراضاً، وواجهت عدداً من الكتابات في الصحف الأجنبية تنتقد هذا الموقف. ويري نصر الله أن التفاؤل أو التشاؤم بشأن مستقبل السينما المصرية بعد صعود الإسلاميين أمر نتركه للمنجمين، أما بصفته كواحد من العاملين في الحقل السينمائي، سيظل يقاوم الممارسات التي لن تعجبه، كما فعل أيام مبارك، وحتي في زمن الإخوان. وفسر نصر الله التراجع الذي شهدته دور العرض السينمائي المصرية في عدد المترددين عليها وخاصة بعد الثورة، بالأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المصريون بعد الثورة، ونفي أن يكون ذلك مرتبطا بصعود تيار الإسلام السياسي في الحكم.