قال المخرج المصري يسري نصر الله أنه لن ينقلب على ثورة يناير 2011 في فيلمه "بعد الموقعة" الذي أثار جدلا كبيرا في مصر بشأن موقفه من راكبي الأحصنة والجمال المتهمين بالاعتداء على المتظاهرين خلال الثورة في ما يعرف ب"موقعة الجمل". وأكد نصر الله أن "خيالة موقعة الجمل، ضحايا الفقر والجهل والتهميش". وأوضح "قدمتهم في الفيلم كأشخاص اضطرتهم الظروف للتواجد في الجانب الخطأ من التاريخ، ثم وبعد وقفة مع النفس انحازوا للثورة، لأنها تحقق لهم العزة والكرامة التي يبحثون عنها". ورفض نصر الله الذي حصل على لقب أفضل مخرج في الشرق الأوسط من مجلة أمريكية الاتهامات الموجهة إليه من بعض النقاد المصريين؛ بأنه "انقلب على الثورة"، مؤكداً على تواجده في ميدان التحرير بالقاهرة الذي احتضن الثورة منذ يومها الأول. وحول ظروف كتابة الفيلم والذي اشترك في كتابته مع مؤلف السيناريو "عمر شما" قال نصر الله "ذهبت الى نزلة السمان (بجوار منطقة أهرامات الجيزة) حيث يتجمع أصحاب الأحصنة والجمال، وعشت مع اهلها في محاولة لفهم دوافعهم التي من خلالها ذهبوا لمهاجمة المتظاهرين في ميدان التحرير، وكيف أن هناك من غرر بهم من النظام السابق وأكد لهم بأن حل مشكلتهم سيكون بتفريق (العيال اللي في التحرير)". غير أن تلميذ المخرج العالمي يوسف شاهين استدرك قائلاً "أعتقد أن هؤلاء يشعرون الآن بجرح كبير لأن الثورة التي اختاروها في النهاية لم تستطع تحقيق العيش(الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية لهم، وهي المطالب التي كانوا محرومين منها وقت النظام السابق واستمرت حتى بعد ثورة 25 يناير". وأشار إلى أن "السلطات المصرية قبل الثورة كانت تضيق عليهم في رزقهم وخاصة في استخراج تراخيص العمل في المناطق السياحية، ووصل التضييق الى الحد الذي قامت فيه السلطات ببناء جدار يعزل بين أهل نزلة السمان والسائحين الذين يزورون منطقة الأهرامات، والذي يمثل العمل معهم مصدر الرزق الوحيد لهم منذ سنين". وروى نصر الله في فيلمه قصة "محمود" أحد المقيمين في ذلك الحي، الذين كانوا يكسبون رزقهم من السياحة لكنه تضرر إثر بناء السلطات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك جدارا يفصلهم عن الآثار، بعد أن اعتادوا قيادة السياح إليها على ظهور الخيول والجمال. ويشبه "محمود" –بطل الفيلم – هذا الجدار بجدار إسرائيل العازل بين الضفة الغربية والقدس، والجدار بالنسبة إلى محمود يهدف إلى ترحيله من ذلك المكان.
ويعتبر نقاد أن فيلم "بعد الموقعة" هو أول فيلم مصري روائي يتناول الثورة في مصر وما تلاها، من خلال نظرة واقعية مستقاة من قلب الأحداث. وقبل أيام حصل نصر الله على جائزة أفضل مخرج في الشرق الأوسط عن "فيلم بعد الموقعة" والتي أعلن عنها مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي أواخر أكتوبر الماضي، وتمنحها مجلة "فارايتي" الأمريكية. وعن هذه الجائزة قال نصر الله ضاحكاً "تكمن قيمة هذه الجائزة في أنها تقول لي أني متميز.. وهذا شيء جيد". وعرض الفيلم أيضاً ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، ليصبح بذلك أول فيلم مصري يشارك رسميا في مهرجان كان بعد 15 عاما من مشاركة فيلم "المصير" للمخرج العالمي "يوسف شاهين". الفيلم الذي لايزال يعرض في دور العرض السينمائية بمصر وعدد من الدول العربية، من تأليف وإخراج يسري نصر الله، وشارك في كتابة السيناريو "عمر شما"، ولعب أدوار البطولة فيه الفنانون منة شلبي وباسم سمرة وناهد السباعي وعدد كبير من أهالي نزلة السمان، قرب أهرامات الجيزة. وسبق أن شهد فيلم "بعد الموقعة" أزمة خلال مشاركته في مهرجان كان السينمائي في مايو الماضي، افتعلها صحفيون إسرائيليون في أعقاب تصريحات لمخرجه "يسري نصر الله" قال فيها إنه لن يسمح بعرض فيلمه في إسرائيل. وعن هذا الموقف قال نصر الله "في بداية المؤتمر الصحفي الذي أعقب الفيلم وقبل أن يبدأ الحاضرون في توجيه أسئلة تتعلق بالرسالة التي حملها الفيلم باعتباره يتناول ثورة 25 يناير، فوجئت بأحد الصحفيين يوجه سؤالا مباغتاً: هل توافق على عرض فيلمك في إسرائيل؟، رددت مباشرة: لن أعرض فيلمي في إسرائيل طالما أنها تغتصب حقوق الشعب الفلسطيني، فما كان من عدد من الصحفيين الإسرائيليين إلا أن غادروا القاعة اعتراضاً، وواجهت عدد من الكتابات في الصحف الأجنبية تنتقد هذا الموقف". واعتبر مخرج "سرقات صيفية"، و"باب الشمس"، أن إقبال الجمهور على نوعية أفلام مثل "عبده موته"، و"شارع الهرم"، يشعره "بالطمأنينة" لأن هذا مؤشر قوي على أن الجمهور لازال كما هو يتطلع عند زيارة دور العرض السينمائية لمشاهدة "الرقص والأغاني والبطل الفتوة". وأضاف موضحاً: "هذا يجعلني مطمئن أن الجمهور المصري كما عهدناه ولم تؤثر فيه التغييرات السياسية"، مؤكداً أن رغبة بعض السينمائيين في الارتقاء بذوق الجمهور المصري سيظل مطلب يعملون عليه. من جهة اخرى، رأى نصر الله أن التفاؤل أو التشاؤم بشأن مستقبل السينما المصرية بعد صعود الإسلاميين "أمر نتركه للمنجمين"، أما بصفته كواحد من العاملين في الحقل السينمائي، سيظل يقاوم الممارسات التي لن تعجبه، كما فعل أيام مبارك، وحتى في زمن الإخوان المسلمين، على حد قوله. ولد يسري نصر الله في القاهرة عام 1952 لعائلة قبطية، درس الاقتصاد في جامعة القاهرة، ثم درس السينما في المعهد العالي للسينما في القاهرة سنة 1973. عمل كناقد سينمائي في صحيفة "السفير" اللبنانية، كما عمل كمساعد مخرج مع يوسف شاهين في فيلمى "وداعاً بونابرت" و"حدوتة مصرية" عام 1981، ومع فولكر شلوندرف في فيلم "المزيف"، ومع عمر أميرالاي في الفيلم التسجيلي "مصائب قوم". أخرج نصر الله فيلمه الروائي الطويل الأول "سرقات صيفية" سنة 1990 والثاني "مرسيدس" سنة 1993 وبعدها "صبيان وبنات" 1995 ثم "المدينة" 1999، وفيلمه "باب الشمس" 2004 و"جنينة الأسماك" 2008 وفيلم "إحكي يا شهرزاد" 2009 ومؤخراً فيلمه "بعد الموقعة" والذي شارك في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية.