التقارير البحثية والدراسات الحديثة تؤكد بالأرقام تفشي ظاهرة التحرش الجنسي في مصر إلي حد يشير إلي انتحار القيم والأخلاق في المجتمع الذي لم يعرف هذه الظاهرة الخطيرة إلا في السنوات الأخيرة، حيث أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان مؤخرا احتلال مصر للمركز الثاني علي مستوي العالم في انتشار التحرش بعد أفغانستان التي تتصدر قائمة الدول التي تنتشر فيها الظاهرة، وهو ما يأتي متواكباً مع دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أكدت نتائجها تفوق الصفات السلبية لدي المصريين بنسبة 55.5٪ مقابل 36.5٪ للصفات الإيجابية وعلي رأسها الشهامة! أكد مكتب شكاوي المجلس القومي لحقوق الإنسان أن 64٪ من نساء مصر يتعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع المصرية سواء باللفظ أو بالفعل، وأن مصر بهذه النسبة تحتل المرتبة الثانية في التحرش الجنسي علي العالم بعد أفغانستان. وأشار المجلس إلي أن الشارع المصري أصبح يمر بأزمة كبيرة تتمثل في تعرض النساء للتحرش بصفة يومية، مطالباً بتوفير الحماية الأمنية في الشارع بشكل مستمر من أجل منع جرائم التحرش وبخاصة بعد تحذير كثير من الدول الأجنبية لرعاياها من التعرض للتحرش في مصر.. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وصفت مصر بأنها واحدة من أسوأ دول العالم في نسبة التحرش بالنساء في الشوارع والأماكن العامة، مؤكدة في تقرير نشرته علي صفحاتها أخيراً ما ذهب إليه المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو احتلال مصر المرتبة الثانية من حيث انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بعد أفغانستان. وأضافت الصحيفة في التقرير الذي نشرته تحت عنوان "في مصر.. بعض النساء يزعمن أن الحجاب يزيد من تعرضهن للتحرش": إن الولاياتالمتحدة وإنجلترا تحذران النساء المسافرات إلي مصر من إمكانية تعرضهن لاعتداءات جنسية ونظرات غير مرغوب فيها. التحرش بالمحجبات وأشارت في التقرير إلي الدراسة التي أعدها المركز المصري لحقوق المرأة، والتي تظهر زيادة تعرض المحجبات للتحرش، حيث ثبت أن 72٪ ممن تعرضن للتحرش محجبات. ولفتت الصحيفة إلي انتشار الإعلانات في الشوارع ورسائل البريد الإلكتروني، التي تدعو المرأة لارتداء الحجاب في مصر للحماية من التحرش، مشيرة إلي أن هذه الحملات تأتي في وقت يزداد فيه الجدل حول قضيتين في مصر، هما: زيادة الضغط الاجتماعي علي المرأة المسلمة لارتداء الحجاب، وارتفاع نسبة التحرش بالنساء، وقالت الصحيفة إن 80٪ من المصريات محجبات، وإن ثمة ضغوطاً متنامية لفرض الحجاب، في ظل انتشار تأثير الأصوليين علي المجتمعات الإسلامية في العالم. أما الدراسة التي أعدها حديثاً المركز المصري لحقوق المرأة عن التحرش الجنسي تحت عنوان "غيوم في سماء مصر"، فخرجت بنتائج وأرقام مفزعة، إذ كشفت عن أن 64.1٪ من المصريات، يتعرضن للتحرش بصفة يومية، في حين أشارت نساء يشكلن نسبة 33.9٪ إلي أنهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة وليس بصفة "دائمة"، بينما أكدت نسبة 10.9٪ أنهن يتعرضن للتحرش بشكل أسبوعي، بينما تتعرض 3.9٪ من النساء في مصر إلي التحرش بصفة شهرية. الرجال يعترفون في السياق أوضحت الدراسة ذاتها أن ثلثي الرجال في مصر يعترفون بارتكابهم ممارسات التحرش الجنسي ضد نساء، وأن غالبيتهم يلقي باللوم علي المرأة في ذلك. وأشارت الدراسة إلي أن أشكال التحرش في مصر متعددة منها المعاكسات اللفظية والعبارات الإباحية واللمس وقيام رجال بكشف أعضائهم، وأحيانا يمارس هذا السلوك في مصر في الشوارع أو وسائل النقل العامة، وأماكن العمل والدراسة. وبلغت نسبة الرجال - طبقاً للدراسة - الذين اعترفوا بارتكابهم التحرش الجنسي 62٪ بينما بلغت نسبة النساء اللواتي قلن إنهن تعرضن لهذه الممارسات 83٪. وأشارت الدراسة إلي أن النساء تخشي من إبلاغ الشرطة ضد المتحرش وأن نسبة من قمن بالإبلاغ لم تزد علي 2.4٪ وذلك لأنهن لا يرين جدوي في ذلك، أو يخشين من تشويه سمعتهن. موت الشهامة عُرف المصريون علي مدار تاريخهم بصفات أصيلة أبرزها الشهامة والشجاعة والطيبة لكن يبدو أن هذه الصفات الإيجابية تراجعت في مقابل بروز صفات أخري سلبية وقد يكون هذا هو أحد أسباب تفشي التحرش في شوارع مصر وعدم تدخل أحد لإنهاء هذه الممارسات الفاضحة علي الملأ، فكثيراً، تتعرض فتاة للتحرش اللفظي والجسدي علي مرأي ومسمع من المارة الذين يقفون لمتابعة المشهد دون أي محاولة للتدخل لإنقاذ الفتاة من هذه الورطة! هذه ليست مجرد تكهنات بل حقيقة بالأرقام، إذ كشفت نتائح استطلاع رأي أجراه قبل أسابيع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن المصريين يفقدون مع الوقت أهم صفاتهم مثل الشهامة.. علي حساب انتشار صفات سلبية مثل اللامبالاة.. فقد أظهر الاستطلاع تفوق الصفات السلبية لدي المصريين بنسبة 55.5٪ في مقابل 36.5٪ للصفات الإيجابية. الصفات الإيجابية التي رصد الاستطلاع تراجعها تمثلت في الطيبة والتسامح، والصبر، والكفاح، والشهامة، والشجاعة، بينما تمثلت أهم الصفات السلبية التي ارتفعت نسبتها بشكل ملحوظ في كون المواطن غلبان أو مغلوباً علي أمره، ومطحوناً ومقهوراً ومظلوماً وفقيراً ومحتاجاً أو مفلساً، ثم وصفه بالسلبية واللامبالاة. واعتمد الاستطلاع علي رصد ملامح صورة المصريين لدي الذين شملهم الاستطلاع، والذين لا ينتمون إلي فئة معينة. نتائج الاستطلاع كشفت أيضاً عدم اكتمال الرؤية لدي المواطن العادي بشأن مؤسسات الدولة والدور المنوط بها، وفي هذا تفسير منطقي له دلالة إذا ربطناه بانتشار السلوكيات السلبية في الشارع وعلي رأسها التحرش الجنسي، وهي علاقة وطيدة بالطبع وإن لم تشر نتائج الاستطلاع إلي هذه العلاقة صراحة. لكن الدكتورة نسرين البغدادي مديرة المركز قالت إن نتائج الاستطلاع أظهرت أن نسبة كبيرة من استجابات المواطنين عكست عدم قدرتهم علي تحديد تصور ذهني لمؤسسات الدولة، الأمر الذي يعني إما عدم اهتمامهم بهذه المؤسسات، أو بسبب غياب وجودها في الشارع.