لو فاز شفيق في انتخابات الرئاسة الأخيرة لكان ذلك في اتجاه معاكس لحركة التاريخ، لأن شعبا ثار لنيل حريته واستعادة كرامته يأتي بمن ينتمي للنظام القديم للحكم، فكأنها ثورة قامت من أجل الشهرة والأضواء ثم أسدل الستار عليها فجأة لتعيد الشعب من جديد إلي المربع الأول، الشعب انتفض للقضاء علي الديكتاتورية والاستبداد وكان لابد أن تأتي اختياراته متسقة مع مرحلة مابعد الثورة وأن تختلف الأمور كثيرا ويختلف الشعب عما كان عليه، فكان منطقيا أن يكون الرئيس مرسي مختلفا عن سابقيه من الذين حكموا مصر طوال ستين عاما مضت بين من امتلك كاريزما ومن كانت له سلطة قمع وبطش بالآخرين، وذلك أمر طبيعي ومنطقي يتسق مع مرحلة الثورة، لكن ماذا عن الشعب هل تغير للأفضل أم للأسوأ ؟ الثورة هي أشبه بقطار انطلق من محطة البداية ليصل في موعده، لكنه توقف كثيرا في طريقه لأعطال الطريق أو قطعه أو خناقات الركاب أو إضراب السائق عن العمل، القطارلم يصل بعد لمحطته الأخيرة بسبب كل تلك الحالات التي عطلته وأوقفت سيره. كان طبيعيا أن يكون الرئيس مختلفا في أدائه ونظرته لشعبه ودرجة اقترابه منه، لأننا في مرحلة مغايرة ليس مطلوبا فيها رئيس بدرجة فرعون يحكم بالإشارة والنظرة والإيماءة ولمحة الرضا والغضب كما كان يحدث في السابق، ولأننا تمردنا علي هذا النموذج، كانت الثورة عليه فسقط وأصبح تاريخا سيروي الكثير عن استبداده وفساد نظامه وتبعيته، ولأن الشعب يشعرالآن بحريته أصبح هدف البعض أن يختبر تلك الحرية في مواجهة السلطة وإلي أي مدي سيكون رد فعلها تجاهها، أما سلطة الحكم فلا تستطيع أن تمارس نفس ماكان يفعله النظام القديم لمواجهة ذلك وإلا صارت مثله، فلا قمع للحريات ولا استبداد، من هنا تبدو معضلة الوضع الراهن وتعقيداته، فالاحتجاجات الفئوية يعمل من يقومون بها علي قاعدة حقوقنا الآن واليوم وليس غدا، والقوي السياسية تتصارع علي قاعدة نكون أو لا نكون سواء كانت تمتلك قواعد شعبية في الشارع أم لا، وأجهزة الدولة المختلفة من أمنية إلي قضاء ومحليات وغيرها مازال الكثير منها يعمل علي موجات النظام القديم ولم تصل إليها موجة التغيير، كل تلك الأزمات تتوالي علي قصر الرئاسة ليقرر من يديرون دفة الأمور في البلاد داخله في أي مسار يتجهون ؟! ولأن الرئيس الجديد ليس واردا أن يفعل مثل مافعله غيره في السابق فقد أصبح هدفا للرماية من كل صوب وحدب، ربما لوكان ذلك في مجال انتقاد سياساته وأدائه لكان مقبولا ومشروعا، لكن في الأغلب الأعم نري الهجوم ينصب علي كل حركة وسكنة له ولم يمتلك من يفعلون ذلك نفس القدر من الجرأة علي فعل ذلك في أي زمن مضي !! مرحلة مابعد الثورة كانت تقتضي أن يكون الرئيس بدرجة مواطن ساقته الأقدار لحكم البلاد وليس فرعونا جديدا يتصرف كنصف إله فوق مستوي البشر، تتوقف حياتهم حين يتحرك ويستمع العالم لحكمته ويعمل الجميع بتوجيهاته من أصغر موظف حتي رئيس وزرائه، الكل يدور في فلكه ومن يبتعد عن المدار فلا مكان له تحت الشمس، هكذا حال الحاكم الفرعون وصاحب القرار الأوحد في البلاد، وهو ماعانينا منه لعدة عقود من زمن مضي. الكثير من أبناء الشعب في بداية ممارستهم لحقوقهم المشروعة بحرية رأوا أن من حق كل واحد منهم أن يتصرف بقانونه الخاص به دون أدني اهتمام بالآخرين، وهذا مانراه من حالات الفوضي المنتشرة حولنا. فالمهم أن يصل كل منهم لهدفه، هذه النزعة الفردية تعني أن من يفعلون ذلك لايعيرون للقانون وللضوابط الأخلاقية وتماسك المجتمع أدني اهتمام، فعلي سبيل المثال المظاهرات والإضرابات مشروعة في العالم لكن بضوابط تحمي المجتمع والاستقرار وعندما ينادي أحد بوضعها كأنه ارتكب خطأ جسيما، وكذلك من يقطع الطرق ويتعدي علي المنشآت العامة والخاصة يواجه في الخارج بحسم وربما بشدة، كما انطلقت موجات وحملات الهجوم التي لاتعرف حدودا مهنية أو أخلاقية عبر الصحف والفضائيات الخاصة، فنحن أمام من يتصرفون وكأن الثورة مقابل ومرادف للفوضي والعشوائية والانفلات وأن ذلك قمة ممارسة الحرية والمعارضة في نظرهم، وليراجع البعض قضايا ودعاوي التشهير التي كسبها الكثير من الشخصيات العامة والمشاهير في الخارج لكلمات أو صور أو رسوم تناولتهم بأقل كثيرا مما يجري عندنا، ومانراه الآن معارضة أشخاص وليس أحزاباً فاعلة تملك قواعد شعبية ! وتدور الآن معركة تكسير عظام بين التيار الليبرالي متحالفا مع قوي اليسار أومن يسمون أنفسهم بالقوي المدنية والتيار الإسلامي من جانب آخر حول وضع مسودة الدستور وتحديدا القضايا محل الخلاف هي هوية الدولة ونظام الحكم والحريات واختلاف مفاهيمها وضوابطها عند الفريقين، وذلك لأن كل الأطراف تحررت من الضغوط فلا توجد سلطة مهيمنة علي جمعية الدستور وليس هناك رئيس - كما حدث في السابق - ينتقي دستورا ويلقي بالآخر في سلة المهملات، من هنا يبدو الصراع محتدما خاصة مع اقتراب الفترة الزمنية المقررة للانتهاء من وضعه في الأسبوع الثاني من الشهر القادم. وبدون أن تكتمل أركان الدولة من دستور وبرلمان منتخب واستعادة كافة أجهزة الدولة لدورها وتطهيرها من الفساد وتطوير أدائها في ظل منظومة سياسية جديدة سنظل طويلا في تلك الدوامة، الشهور القادمة حاسمة ومصيرية في تاريخ مصر ولابد من توافق الجميع لوضع مصلحة البلاد العليا فوق أي اعتبار وصولا لدولة ديمقراطية حديثة تسودها العدالة والكرامة والعدالة لكل المصريين.