الدنيا أمامي أضيق من خرم أبرة فيها أخواتي وأصحابي وجيراني وحبايبي وزملائي ومعارفي وفي نفس الوقت مافيهاش حد وسبحان من وضع في كل نفس ما يشغلها فإذا تحدثت مع أحد تريد أن تخرج له مابك تجد الحوار قد أخذ جانبا آخر وإذا بمن تتحدث إليه يقول ويحكي عن همومه ومشاكله ولحظتها يصبح الطالب سامعا لامسموعا يتجاوب رغم آلامه وشجونه ويذهب لصديق آخر يجلس إليه عله يجد لديه بعضا من وقت ليستمع إليه وبعد التحين وشرب الشاي تبدأ شكوي المضيف من أولاده وأحوال جيرانه وصحته التي لم تعد كما كانت ويضطر الزائر المهموم للتخفيف عنه وتهوين الأمر ينصرف وهو متعجبا استقل تاكسي في طريق عودته لبيته انفجر السائق معلنا غضبه ونقمته علي الشارع والزحام والاستهار بالطريق والتجاوزات يوافق علي ما يقول يتذكر صديقا له هادئ مريح يتوسم فيه أن يسمعه ويحتضن كلماته وألمه يذهب إليه مسرعا ليفاجأ بصديقه يبكي لوفاة أحد جيرانه فيطيب خاطره يقدم تعازيه متعجبا سارحا يقرر الذهاب إلي أخته فبين الأخوات لا وجود لعقارب الساعة متوهما طول الطريق أن تتلقفه بين ذراعيها لينام ويستريح في أحضانها ويشعر بحنانها الدافق عليه يريحه الخاطر يبتسم متعجلا الطريق عند الوصول يصعد مهرولا غير عابئ بضربات قلبه المتزايدة يطرق الباب لا مجيب فتح الباب بعد الطرقة الخامسة وقفت أمامه مبحلقة مستغربة قائلة: حصل حاجة حد مات ولا تعبان تليفوني عطلان تعبتك علشان تقولي كنت انتظرت للصبح ترتمي وهي تترنح من أثر النوم ورغبة قوية لتعود أصلي واخدة دواء الضغط وقلت أنام هب واقفا بعد أن جلس بجانبها لدقيقة واحدة صامتا استأذن ليه خليك هو فيه حاجة يصل إلي الباب عديت أسلم عليكي أعتذر لأني أيقظتك يسابق أنفاسه وقدميه حتي وصل إلي الشارع لم يجد أمامه سبيلا إلا أن ينتظر قليلا حتي يقرر إلي أي مكان يذهب وماذا يفعل استطاع أن يتنفس بعد أن حبست أنفاسه لم يدم انتظاره قرر السير رغم خنقة الجو وإحساسه بالرطوبة وأن يجلس علي أول وأقرب مقهي يقابله بمجرد وصوله رحب به العامل وسأله عما يريد أن يشربه أجابه أي حاجة فأحضر له كوبا من الشاي الأسود وضعها أمامه وانصرف وأخذ ينظر للجالسين حوله متأملا هناك من يحرك الزهر ليكسب الذي أمامه والجالس بينهما يتفرج وينتظر وإن غاب عنه الاهتمام ولمح اثنين يتحدثان همسا وحولهما كثافة عالية من الدخان وثالث متكئ علي الحائط سارحا ورابع وخامس ينظر لساعته كل ثانية تناول الشاي ليشربه فوجئ به كالماء الفاتر فلقد استطاع أن يتلهي قليلا وهو ينظر للجالسين مثله طلب كوبا آخر من الشاي بدأ شربه وهو يحدث نفسه مهمهما عن حال الدنيا وما صارت إليه واختلافها عن زمن آبائه وأجداده اللمة والعيلة والأصدقاء والأحباب والجيران والعشرة أفاق وهو يحدث نفسه بصوت مسموع (هو جري أيه).