أُمّاه يا طُهر مريم وقُدس عيسي وموسي وأُلفة إبراهيم بإسماعيل ورحمة محمد لأمّته..! .. أُمّاه فُتحت المدارس، فأين حقيبتي المدرسية وانا ابنك ابن الربيع العربي.؟ أمّاه البيت ربّاني والمدرسة علّمتني، وكأنّ وزارات التربية العربية تطلّعت لشبابها لا لهرمها بترتيبها (التربية) قبل (التعليم) في التسميات الوزارية: (وزارة التربية والتعليم)، اي التربية أولا والتعليم سيلحقها. عندما أحمل حقيبتي المدرسية كنت أحس برُهبة وكأني أؤدّي صلاتي، وعندما أؤدّي صلاتي كنت أشعر براحة شاملة وكأنُ برطمانا من العسل المُسجّي يُسكب في دمائي وعروقي، أينما صلّيت وفي أيّ مسجد، طالما صلّيتُ لله نحو الكعبة.. وعندما أذهب لمدرستي بحقيبتي كان صديقي "رقم واحد" علي باب البيت ينتظرني، وآخر هو الآخر "رقم واحد" في الحافلة ينتظرني، ثم ثالثٌ في الساحة المدرسية ورابع في الصف، وفي الصف كلنا نتحول إلي أصدقاء "رقم واحد"، حقائبنا نحملها، ولم تكن حقائبنا هي التي تحملنا، كلّ ذلك لأن برطمان ذلك العسل اللذيذ كان قد أسقي الزرع وأنبت وأذهاننا نحن مجموعة (أصدقاء رقم واحد) هي التي تحصد الزرع بصوت واحد "إن التعليم من المقدسات لكن التربية هي الأقدس"، ثم نتّفق فيما بيننا انه إذا كبرنا سنُربّي أوّلا، وليتعلّموا من ربّيناهم لاحقا. أمّاه .. خرجت اليوم من البيت فوجدت علي الباب صديق "رقم اثنين" وفي الحافلة قرينه، وفي الساحة المدرسية كمينه، وقبل دخول الصف يحبو نحوي كبيرهم الذي علمهم السحر، يسكب الزيت علي النار بدل العسل علي الفؤاد، ليحرق أفكاري وأعصابي، يرسم لي هزائم وانتصارات، جنة وجحيم، وكادوا يسلّموني مفتاح الجنة لو ذبحت هذا ونحرت ذاك وفجرت هنا ودمّرت هناك.! أمّاه .. حقيبتي الجديدة بالديناميت والبارود لا بالقرطاس والقلم، والمدرسةٌ بالتعليم أولا والتربية لامساحة لها.! الدرس الاول: عليك ان تصلّي في مسجد "زيد" وتنحر من يصلّ بمسجد "عبيد"، وتنسف بهم المساجد والمآذن ومن فيها وتحتها وإن كان فيها زيد وعبيد.! لا أشعر اليوم إني بحقيبتي نحو المدارس وقد فتحت أبوابها، الحقائب الجديدة أوهمتنا بالربيع العربي، جاء الخريف ولم يثمر هذا الربيع، رأيتهم جماعات يفيضون شبابا وحيوية، ثم رأيتهم يموتون واحدا تلو الآخر، رأيتهم حجّاجا طّوافون بميادين التحرير، ثم رأيتهم يعبدون ولا يدرون لمن يعبدون: (بإيّاك نعبدوا ونستعين ..أم.. كنعبدوا وكنستعين..!) إنهم بميادين تحريرهم يعبدون الشمس دون الله، فلما أفلت عادوا للقمر، ولما أفل عادوا للنجوم، وأفلت النجوم فلم يقولوا (لا نحب الآفلين) .. إنهم بميادين العبودية لا التحرير، لكنها عبدة الجهل، رأيتهم يأخذون من الجمعة المقدسة شعارات غير مقدسة، تطعن هذا تلعن ذاك، تراتيلهم من التكبير والتهليل إلي "إلي طُز طُز.!" كلما أسمع أن شابا من الربيع العربي مات هناك وشابة هناك، طفلا هنا وطفلة هناك، أشعر ان قطعا من الجسم العربي تموت واحدة تلو الأخري ولاتعوّض، لأنها قطعٌ لا قطع غيار لها في المخازن العامة لدول الربيع العربي، ولا في الحقائب المدرسية لابن الربيع العربي. أمّاه .. أنا ابن الإنسان المسلم العربي، له نظراؤه في الخلق الأمريكي، الأوروبي، الياباني والروسي، تري ماذا وضع نظرائي في حقائب أبنائهم، حيث من أبناء تلك الحقائب "نيل آرمسترانغ" المولود 5 أغسطس 1930-أوهايو، والمتوفي 25 أغسطس 2012 يقال إن حقيبته أوصلته يوما هو زميله علي سطح القمر.! .. ثم ويُقال أيضا من نظرائي في الخلق الجديد، أن إنسانا آخرا أوصلته حقيبته قبل أسبوعين وأيام علي سطح المريخ، ها وأنا ذاهبٌ يا أُمّاه أنا ذاهبٌ إلي أين..!؟ أمّاه لا رجعة لي، سأمضي بحقيبتي وقد استبدلت بالحزام الناسف، والساحة المدرسية بدماء العشرات لاتروي ظمئي لأرواح المئات والآلاف، لم أعد خائفا علي نفسي، جسمي مُخدّرٌ بالإيمان، وحور العين بانتظاري علي أبواب الجنان، لكنّي أخشي علي ابني وبنتي وأحفادي، أن تضيع حقائبهم في ضوضاء الطبول.! أخاف عليهم من مواكب الطبّالين والزمّارين، أخشي رياح الربيع العربي تحول حافلاتهم دون الربيع وهم في عمر زهور الربيع، وطابور الصباح أخشاه أن يدسّ بينهم الغوغائيون الذين جلبوا الفوضي والفساد والدمار للوطن الجميل، أخشي من حاضنات تفريخ جبال أفغانستان أن تفرّخ في الحديقة والبُستان، وأخشي عليكم أن تنطقوا (لآ) فيأتيكم الرد (اخسأوا، أنتم الخاسئون.!) أمّاه لا تسأليه ما اسمك، لأنه رئيس فريق الإعدام الذي لا اسم له ولا يعرف أسماء قتلاه، هو يحصي أعدادهم دون أسمائهم ليحصي جوائزه بالطوابق الأعلي في الجنان بعدد قتلاه، لا بأسمائهم.! لا تبحثي عن عنوانه، بينك وبينه طابور من منافقي الضرورة، يعتقدون لا ضروة لدويّ القتلي وأنين الجرحي أن تصل إلي طبلات أميرهم، ولا تردي عليه بقولتك المعهودة (الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس)، لأنه يعتقد ان الشيطان المتكلم أفضل من الشيطان الأخرس، وذلك لأنه هو الشيطان الأخرس؟