كنت حريصا طوال شهر رمضان الكريم علي متابعة مسلسل الخواجة عبدالقادر، لإعجابي بفكرة المسلسل الذي يدور في أجواء صوفية جميلة، وبالأداء الرائع ليحيي الفخراني.. فالخواجة عبدالقادر يبهره ويشده من الأعماق ما سمعه من إنشاد في إحدي حلقات الذكر، والترنم بكلمات الحلاج، الذي يري الله في كل شئون حياته.. والله ماطلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا خلوت إلي قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي ولا ذكرت محزونا ولا فرحا إلا وأنت قلبي بين وسواسي ولاهممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالا منك في الكاس ولو قدرت علي الإتيان جئتكم سعيا علي الوجه أومشيا علي الراس كلمات رائعة في حب الذات الإلهية، جعلت الخواجة عبدالقادر المدمن للخمر، يقلع عن هذه العادة، ويتجه بكل كيانه إلي الإسلام، وينجذب نحو التصوف بعفوية وراحة بال. ومن أجمل ما قرأت عن الشعر الروحي في الإسلام ماكتبه الدكتور محمد كمال جعفر في كتابه (رحلة بين العقل والوجدان).. الذي يري في الشعر الصوفي تنوعا في الأسلوب، وتلوينا في التصوير والموسيقي، وثروة في الألفاظ والرموز التي شملت كل ما وقعت عليه عين الصوفي أو اختلج وجدانه أو طاف بخياله. لقد استمد من القرآن ومن سائر العلوم العربية والإسلامية كثيرا من المصطلحات والرموز، بل استمد من العلوم الطبيعية كذلك. علي أن هناك من الأشعار الصوفية مايتناول الحياة الروحية في صراحة تستند إلي الأدلة الدينية الواضحة، حتي وإن كان يعالج أدق الجوانب الروحية كالمحبة والفناء، ويضرب أمثلة من الشعر الصوفي الجميل الملتزم بقواعد الكتاب والسنة.. وفيها نطالع: في المحبة والفناء لما رأيتك مشرقا في ذاتي بدلت من حالي وقيم صفاتي وتوجهت أسرار فكري سجدا لجميل ما واجهت من لحظاتي.. ونقرأ عن الحب الإلهي: ركب المحب إلي الحبيب سفينة تجري من الخطرات في أمواج في سر سر السر سر أقلعت في لج بحر زاخر عجاج ياحسنها تجري به متفردا بعلومه في جنح ليل داج فالقلب مشكاة وفيه زجاجة قد علقت بسلاسل المنهاج متوقد بالنور من زيتونة تسعي سراجا فاق كل سراج.. ما أجمل الإبحار في عالم الشعر الصوفي.