محافظ الغربية يتابع بدء استقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء بزفتى والسنطة وطنطا    رئيس البورصة: انطلاق المؤشر الإسلامي قبل منتصف العام الحالي    العدوان على غزة.. رئيس النواب يشيد بالدور المصري ويحمل الحكومة الإسرائيلية مسئولية التصعيد    جهاد جريشة يهاجم بيريرا: مبيطورش الحكام    استغل خروج زوجته.. تفاصيل هتك عرض طفل على يد زوج الأم في بولاق الدكرور    وزير الري يتابع تدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية حياة كريمة    1.6 مليار دولار حجم الصادرات الغذائية المصرية خلال الربع الأول من 2024    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    رئيس البورصة: النظام الإلكتروني لشهادات الإيداع الدولية متكامل وآمن لتسجيل العمليات    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    جدول مواعيد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة 2024 في محافظة البحيرة (الترم الثاني)    وزير الخارجية الإسرائيلي: دخول الجيش إلى رفح يعزز الهدفين الرئيسيين للحرب وهما إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس    اليوم.. تنصيب بوتين رئيساً لروسيا للمرة الخامسة    باحثة سياسية: الدور المصري له أثر كبير في دعم القضية الفلسطينية    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    "أمور خفية والنفوس شايلة".. كريم شحاتة يكشف عن أزمة البنك الأهلي في الدوري    دويدار: معلول سيجدد تعاقده مع الأهلي    اسعار الاسماك اليوم الثلاثاء 7 -5-2024 في الدقهلية    العد التنازلي.. كم متبقي على ميعاد عيد الأضحى 2024؟    العد التنازلي يبدأ.. موعد امتحانات الثانوية العامة 2024 علمي وأدبي    طقس الفيوم اليوم الثلاثاء.. مائل للحرارة نهارا والعظمى 31°    أسرة الطفلة السودانية "جنيت" تحضر أولى جلسات محاكمة قاتلها    إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارة ملاكي وموتوسيكل في الدقهلية    مدير حدائق الحيوان ب«الزراعة»: استقبلنا 35 ألف زائر في المحافظات احتفالا بشم النسيم    رئيس جامعة حلوان يشهد احتفالية أعياد شم النسيم بكلية السياحة والفنادق    المتحف القومي للحضارة المصرية يحتفل بعيد شم النسيم    ياسمين عبد العزيز: «كان نفسي أكون ضابط شرطة»    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    لا تأكل هذه الأطعمة في اليوم التالي.. الصحة تقدم نصائح قبل وبعد تناول الفسيخ    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    رويترز: جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح الفلسطيني    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    مصرع سيدة أربعينية أسفل عجلات قطار المنيا    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    «أنا مركزة مع عيالي أوي».. ياسمين عبدالعزيز تكشف أهم مبادئها في تربية الأبناء    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في البحث عن مارية القبطية :
قرية الشيخ عبادة
نشر في آخر ساعة يوم 27 - 08 - 2012


الشاطئ الشرقى لنيل ملوى .. عند قرية الشيخ عبادة
علي الشاطيء الغربي لنيل ملوي بالمنيا وعند أقدام قرية الروضة أعادتني نساء القرية وفتياتها إلي لوحة جدارية لمعبد فرعوني وهن جالسات علي الصخور واقفات حتي منتصفهن في مياه النيل يغسلن الملابس وأواني المطبخ والأغطية الصوفية الثقيلة لتخليصها من البراغيث وجاءت إحداهن بكنبة نوم خشبية منزلية تغطسها وتقلبها في التيار لتخلصها من البق الذي سكن شقوقها في برد الشتاء كما أوضح لي محرجا أحد الواقفين بجواري ثم أخذ بعضهن في جمع الأواني المنزلية في صينية أولومنيوم كبيرة حملنها علي رؤوسهن يتهادين بها كما كانت جداتهن يملأن الجرار الفخارية قديما رؤوسهن"، وتسأءلت مستغرباً عن جركنين من البلاستيك علي كل الصواني مملوءين بمياه النيل أحدهما أبيض والآخر أحمر من بقايا تفريغ زيوت السيارات فأوضح لي متفاخراً إنها لعمل الشاي فمذاقه أجمل بكثير من الشاي المنفذ بمياه الحنفيات في المنازل.. أقف علي معدية قرية الشيخ عبادة لأعبر إلي شرق النيل أزور قرية مارية القبطية زوج النبي وإحدي أمهات المؤمنين التي أهداها المقوقس والي مصر الروماني ومعها شقيقتها سيرين رداً علي رسالة الرسول إليه عام 7 ه ، وأنا الآن في عام 1434ه أي بعد 1427سنة في موطن زهرتي مصر.
علي مرمي البصر في الشرق تمتد القرية كشريط من الشمال إلي الجنوب بطول 3كم يطل علي المجري الرئيسي للنيل تتصدر الواجهة مجموعة من المنازل العصرية الجميلة بأدوار ثلاث وبلكونات مستديرة بألوان زاهية ما بين الأصفر والأحمر والأزرق يكشف مظهرها وعدم سكناها أنها منفذة حديثاً وكشف أن هناك مستوي اقتصاديا في القرية يستطيع بناء منازل علي النيل.
يزعق بي أحد المنتظرين »والله يابيه ما لاقيين ناكل .
وصلت إلي هنا بعد رحلة بالقطار من القاهرة إلي المنيا قطعت 300كم ثم ميني باص داخلي قطع 45 كم إلي مدينة ملوي في أقصي جنوب المحافظة ثم سيارة نصف نقل"يسمونها الكبود" عادت بي 5كم إلي قرية الروضة واجتزت خلال شوارعها الضيقة 3 كم لأرتفع في أقصي شارع ضيق إلي مرتفع يطل علي النيل ننحدر بقوة إلي شاطئه لنصعد إلي المعدية التي تتبع المجلس المحلي وتعمل من السادسة صباحا وحتي السادسة مساء يتبادل معها العمل 3 معديات للأهالي تعمل كل واحدة أسبوعاً وتستريح أسبوعين ولا ترتبط بمواعيد فقد يحتاجها البعض في أي وقت فلا اتصال للقرية بباقي المحافظة إلا بهذه الوسيلة.
سألوني عن وجهتي وكانت مسجد عبادة الذي علي اسم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت وقد جاء في جيش الفتح الإسلامي 21ه وبحث عن قرية مارية وبني لها مسجداً في موضع بيتها تكريما لزوج رسول الله([).
أشاروا إلي مئذنة علي أقصي يميني في الجنوب، واللنش أفضل للوصول إلي مسجد عبادة مباشرة وكان هناك في جنوب الغرب بأقصي يميني وهو يعمل أيضا لمدة أسبوع ويتبع أحد الأهالي ويتبادل معه لنشان أهليان بالعمل أسبوعا والراحة أسبوعين وهو الأسرع في طوارئ الليل للمرضي والحوادث والمسافرين وسألوا هل تزور غرفة مارية؟ فلها غرفة حجرية علي بعد 4 كم من القرية في المنطقة الأثرية التي بعمق 10كم وتعمل بها بعثة أثرية إيطالية ووعدني أحدهم بتوفير سيارة لذلك هناك وقام بالاتصال عبر التليفون المحمول بقائد اللنش ليأتي من الغرب.
علي سقالة خشبية لا يزيد عرضها عن 30 سم صعدت بعد هبوط سيدات يحملن أطفالاً رضعاً وصبية وفتيات ورجالا بأغراض ثقيلة ومعي تلاميذ وتلميذات عائدون من مدارس الروضة وملوي وموظفين وموظفات وأصر المراكبي ألا يحصل أجرتي في الذهاب والعودة كأصول الضيافة الصعيدية.
عرض النيل أمامي يبلغ 750 متراً قطعها القارب البخاري في 7 دقائق ولأن نهر النيل يطمي غرباً تخيلت أنه منذ1400 عام كان ضعف ذلك أو أكثر ووجدتني أضيف 220 كم لرحلتي هي المسافة بين القاهرة والإسكندرية لأتخيل ماقطعته مارية وسيرين إلي قصر المقوقس ليصل إلي 600كم وبوسائل ذلك الزمان إما بالإبحار في النيل لأيام أو علي ظهر جمل أو حصان أوبغل أو حمار.
تقدم اللنش إلي ما بعد القرية قليلاً في اتجاه الجنوب في مناورة دوران ليعود مع التيار المتجه إلي الشمال ليرسو بهدوء عند بقعة جافة من الشاطي لينصب سقالته من جديد وتوقفت عيني عند نتوء أرضي، سهم رفيع يشق المياه تتمايل عليه في دلال أوزتان ألوانهما ما بين الأبيض والرمادي البراق ووجدت فيهما (فأل خير).
إلي مرتفع ترابي أوصلنا إلي استواء الأرض كانت خطواتي في قرية الشيخ عبادة.
القرية في نظرة عامة عبارة عن طبقة خارجية إسلامية علي النيل لا يزيد أقصي عمقها عن 3 كم ويقل إلي 300 متر فقط فعلي أطراف شرق البيوت تمتد أسلاك شائكة للمنطقة الأثرية بمساحة ألف فدان، بها أطلال آثار فرعونية ورومانية وإغريقية وكنائس ومقابر تتوسطها الغرفة التي يقولون إنها لمارية لتجد المنطقة تلخص تاريخ مصر فلو نظرت لها من سفح الجبل الشرقي ستجدها تبدأ بالفرعوني فالروماني والإغريقي والمسيحي ثم الإسلامي وإذا نظرت لها من غرب النيل لوجدتها حاضرا إسلامياً في عمقه مسيحيا وإغريقيا ورومانيا ثم الأصل فرعوني.
شوارع القرية ضيقة متعرجة مابين الارتفاع والهبوط وقليلة البشر منازلها ما بين قديم بالطوب اللبن وآخر بالأسمنت المسلح فضلاً عن فخامة الواجهة وبعض أمثالها بالداخل، ودكاكين البقالة تقليدية معتمة أمامها دكك خشبية عليها رجال القرية بجلاليبهم الصعيدية في أياديهم السبح ،يردون علي تحيتهم »اتفضل«، وأعداد من الماعز والأوز أمام البيوت، في بعض الجنبات أكوام حديد تسليح وأسمنت، ولم أميز إلا فرنا بلديا سجل صاحبه اسمه عليه.
بيوت القرية الحديثة الأسمنتية أقيمت في موقع منازل قديمة بنفس عرض الشوارع الأصلية دون إضافة أي أمتار جديدة للمستقبل لتستطيع سيارات نصف النقل الموجودة السير بالكاد في بعض الشوارع وكذا سيارت الملاكي ويصعب تخيل مرور سيارة نقل كبيرة بها.
علي مسافة لا تزيد عن 100 متر من النيل حجبته للأسف بعض البيوت الأسمنتية الحديثة وصلنا إلي الساحة الضيقة لمسجد عبادة الذي لاصقته البيوت حتي أغلقت شبابيكه لأقف أمام بوابة خشبية علي الطراز الأيوبي وهي الواجة الغربية الرئيسية للمسجد المطلة علي النيل أعلاها مستطيل عليه زخارف نباتية وهندسية ويتوسطه »لوحة رخامية قديمة مكتوب عليها بالحفر "باني هذا المسجد والمقام الملك السلام ويقيمون فيه الصلاة والسلام سعادة إسماعيل باشا نجل إبراهيم باشا غفرالله له سنة 1277ه«.
وذلك علي سبعة سطور وقد طمست بعض كلماتها بالزمن.
وكان إسماعيل باشا آنذاك أميراً في عهد عمه سعيد باشا 71 1280ه "بينما حكم إسماعيل "80 1297ه "
❊❊❊
يفتح الباب إلي ممر بطول20 مترا تقريبا وبعرض مترين ببلاط حديث ،علي اليسار غرفة قديمة مغلقة لأدوات المسجد بعدها يمتد ملحق جديد للمسجد مبني بالأسمنت المسلح شبابيكه بطراز مسيحي في مستطيل ينتهي ضلعه الأعلي بشكل رقم 8 ومساحته 100 متر مربع في نهايته أرض منزل قديم ملاصق اشتراه الأهالي لتوسعات المستقبل وهي الواجهة الشمالية للمسجد وليس لها مداخل أو نوافذ وعليها مئذنتا المسجد الغربية القديمة الطراز الأيوبي المتأثر بالفاطمي يسمونها مئذنة مارية تتكون من 3 طوابق الأسفل مصمت والآخران من 8 أضلاع الثاني والثالث لهما شرفة خشبية من جذوع النخيل وفي الثالث 4 نوافذ وفي أعلاه نصف قبة بها زخارف ويشابه تصميمها المئذنة الفاطمية لجامع الجيوشي بالمقطم كما أوضح ذلك يحيي حسنين مدير آثار وسط الصعيد وهو أصلا من أبناء القرية.
وبالبحث التاريخي لم أجد ما يربط الأيوبيين بالقرية إلا صلاح الدين الأيوبي 565 ه الذي أمر كل مركب شراعي منحدر في النيل بنقل حجر من أطلالها لبناء القلعة و مبانيه في القاهرة أما الارتباط الآخر ففي بدر الدين الجمالي أمير جيوش المستنصر بالله 623ه والذي كانت قرية الروضة من أملاكه وكانت منطقة كروم وفواكه فسماها الروضة وسماها الأهالي روضة الجمالي وقد يكون من هذا تشابه المئذنة بمئذنة مسجدة في المقطم خاصة أنه قد رمم أكثر من مسجد في مصر ومنها مسجد العطارين بالإسكندرية وقد بني مسجده عام 478ه والعطارين 477ه وبذلك يكون احتمال تجديده وترميمه لمسجد عبادة نحو هذه التواريخ.
المئذنة الشرقية من تجديدات إسماعيل وعلي الطراز المملوكي تتكون من 4 طوابق أولها مربع والباقي ثماني ولها شرفتان في الطابق الثاني والثالت وتنتهي بعد الرابع بقامة المئذنة وهي مثلثة الشكل وبداخل المئذنة سلم حلزوني خشبي للمؤذن وكان الأمير إسماعيل آنذاك يتردد علي قرية روضة الجمالي لأنها كانت أبعدية عمته أمينة هانم حليم والتي مازال قصرها هناك وقد تفقدته من الخارج وعرفت أنه قد تم تأميمه بعد ثورة يوليو 52 وأعاده السادات للورثة بوساطة شاه إيران ولهم وكيل يشرف عليه حاليا وقالوا كانت حدائقه تنتج أجود الفواكه لكنها حاليا ليست كما كانت ويقال إن إسماعيل باشا هو من اختصر الاسم القديم للقرية فتصبح الروضة فقط وألغي اسم الجمالي.
❊❊❊
واجهة المسجد الشرقية تطل علي حارة صغيرة أما الجنوبية فهي ملاصقة للبيوت وعلي يمين الممر باب عليه زخارف يؤدي إلي ميضة الوضوء وهي غرفة مربعة يتوسطها عمودان أثريان من الرخام علي أطرافها حمامات بلدية أمامها حنفيات المياه وخلفها مساحة للصلاة وفي نهايتها بئر قديمة للوضوء صالحة للاستخدام وعلي اليسار باب جانبي المسجد، المسجد مربع الشكل بمساحة 200 متر مربع مبني بالطوب القديم محرابه مجدد حديثا بمستطيلات رخام صغيرة علي جانبيه عمودان أثريان من الرخام وأعلي القبلة شباك صغير وآخر كبير علي يساره وبجوار المحراب منبر خشبي حديث وصحن المسجد يعتمد علي 4 أعمدة أثرية رخامية لها تيجان وقواعدها من تيجان مقلوبة نقلت قديما من المنطقة المجاورة في تجديدات إسماعيل وفي الحائط الجنوبي شباك يطل علي الضريح وكل الشبابيك مغلقة فقد لاصقتها جدران البيوت تماما وأصبح صوت سكانها يشوشر علي المصلين.
وفي خلفية المسجد دكة "المبلغ "وهي مقامة علي أعمدة خشبية حديثة ولها سلم خشبي جانبي يرتفع بحوالي 18 درجة خشبية إلي مساحة 3*3م قالوا إن أحد الصالحين كان يعتكف فيها وكذا بعض الأهالي في العشر الأواخر من رمضان.
سقف المسجد مقام من العروق والألواح الخشبية يتوسطه شخشيخة (مربع مرتفع عن مستواه مغلف بالزجاج للتهوية والإضاءة بالنهار) من تجديدات إسماعيل باشا.
علي اليسار باب خروج من المسجد علي يمينه جزء مخصص للنساء وتخرج إلي حارة ضيقة جداً لتدلف إلي مقام ملاصق للمسجدعبر باب عليه زخارف وهوعبارة عن حجرة استقبال كبيرة خالية تؤدي إلي باب علي اليسار واجهته عليها زخارف بيزنطية منقولة من أحد المباني القديمة بحفر غائر بأشكال الصليب غطاه الأهالي بالجص يدخلك للمقام الذي يشغل معظم الغرفة مربعة الشكل ولها محراب شرقي أعلاه زخارف والمقام له تركيبة خشبية وفي أعلي سطح الحجرة قبة ملساء خالية من الزخارف.
يتراكم التراب علي الكسوة وفي جانبه توجد طبلة كبيرة وصاجات معدنية كبيرة أيضا كانت لمولد سنوي يقام في المسجد لكن من عدة سنوات قامت خلافات حوله شارك فيها بعض الجماعات الدينية المتشددة وبعض الأسر الكبيرة في القرية فآثر الأمن إيقاف المولد الذي قالوا إنه كان يقام مع المولد النبوي في شهر ربيع أول وقال البعض في شهر أغسطس حيث الصيف والإجازات الدراسية وتوقيت ما بين الزراعات الشتوية والصيفية.
لم يتفق الأهالي في تحديد هوية صاحب المقام قالوا عبادة بن الصامت »مات في فلسطين عام 34ه« وقالوا ابنه ولم يذكر في الصحابة الذين جاءوا مصر وقالوا حفيده عبادة بن سعد بن عبادة بن الصامت ولم يقدموا دليلا قلت ولماذا لا يكون لأحد الصالحين الذين أقاموا يوما حول المسجد أو أحد خدام المسجد أو أن يكون من مقامات الرؤيا التي أنتشرت في العصر المملوكي والتي تقام تكريما لأحد الصالحين أو الصحابة أو آل بيت النبوة وهناك مقام رؤيا لعبادة بن الصامت في منطقة البهنسا في شمال المنيا علي بعد 100كم من القرية وقد يكون قد نفذ ذلك تكريما للصحابة الذين شاركوا في معركة البهنسا20ه الفاصلة لفتح الصعيد ومنهم من لم يستشهدوا في المعركة ولا ماتوا أو دفنوا في مصر مثل عبادة ولم يحسم لي الرأي أحد بعد ذلك من الأثريين أو وزارة الأوقاف أو حتي رجال الصوفية المتصلين بالموالد.
❊❊❊
وقالوا لا توجد جهة مسئولة عن المسجد إلا وزارة الأوقاف بتوفير إمام لصلاة الجمعة فقط" وهو حاليا الشيخ فتحي حمدي خليل وهو مدرس في الأزهر " وباقي أمور المسجد تنفذ بالمجهود الذاتي للأهالي وحسب اجتهاداتهم.
عموماً لاحظت أن المسجد مشوه معماريا مما يستلزم تدخلا أثريا وتاريخيا يعيد الأمور لتناسق تاريخي أو يعاد بنائه علي طراز إسلامي ومع قليل من الدعاية يصبح مزارا سياحيا هاما وتقول المراجع العربية أن عبادة قد أقام لمارية مسجداً ثم أضاف ابنه مسجداً آخر لعبادة لكني وجدت مسجداً واحدا بمساحة 700 متر" أو 4 قراريط كما قالوا" وأراه أكبر من احتياجات قرية حفن في زمانها وهو يقارب مساحة جامع عمرو بن العاص في العاصمة الفسطاط (750 مترا مربعا) فهل كانا مسجدين متجاورين دمجا بالزمن و هناك من يري أن المسجد كان علي الجزء الذي به المئذنتين ومساحته لا تزيد مع الميضة عن 200 متر وأن إسماعيل أضاف الجزء الذي هو قلب المسجد حاليا ، ولو كان المسجد علي موضع منزل مارية وهو علي النيل مباشرة ألا يكون ذلك أكبر من الوضع الاجتماعي لجارية أم تم اختيار الموقع الأفضل أم حدث خلط لدي المؤرخين بين المسجد وما يقول الأهالي أنه غرفة مارية فأصبحوا اثنين!
❊❊❊
علي أطراف القرية في اتجاه الشرق تنفتح مساحة ضخمة للمنطقة الأثرية في بدايتها مقابر المسلمين الحالية ذات القباب الطينية والمصاطب المرتفعة عن الأرض فهم لا يتعمقون في الحفر حتي لا يصطدموا بالآثار القديمة وفي وسطها بئر يسميها المسلمون بئر الصحابة نسبة إلي الصحابة الذين زاروا المنطقة في الفتح الإسلامي ويسميه المسيحيون بئر السحابة ويقولون إن السحابة قد ظللت علي السيد المسيح وحجبت عنه الشمس بينما السيدة مريم تسقيه من البئر.
وتعمل في المنطقة بعثة إيطالية منذ عام 1936 للتنقيب عن الآثار الرومانية ولها استراحة في منتصف الموقع لموسم البحث في الشتاء ومغلقة الآن.
❊❊❊
أيقظوا سائق سيارة نصف نقل من قيلولة الظهيرة لأدخل المنطقة لأشاهد علي امتدادها آثارا متناثرة هنا وهناك منها الجزء العلوي من عمود معبد روماني قد يكون أسفله معبد كامل.. هدفي مشاهدة ما يقولون إنه غرفة مارية و بعد قرابة 4 كم وجدت غرفة قديمة جزء منها مقاوم بالحجر الجيري القديم يقال إن الوالي محمد علي أمر ببنائه عندما بني مصنعا للبارود هناك وأحد أجنابها بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح يقال بناها إسماعيل باشا عند تجديد المسجد أبعادها 6.5 متر في 8.5 متر ارتفاعها قرابة 3 أمتار.
❊❊❊
وكانت الغرفة بلا سقف فأثرت الأمطار علي رسوماتها فقامت لجنة حفظ التراث العربي بعمل سقف للحجرة بالأسمنت وبه حاليا فتحتا تهوية يتم غلقهما في الشتاء خوفا من تسرب الأمطار.. شاهدت من فتحات بابها الحديدي المغلق بمعرفة تفتيش الآثار شبه محراب عليه رسومات مسيحية ملونة وأعمدة رومانية والغرفة تتوسط منطقة مقابر وبيوت قروية قديمة بالطوب اللبن.
يقول الأهالي أن الغرفة جزء من قصر المقوقس وهو أمر غير منطقي فقصر الحاكم سيكون علي النيل وليس في عمق المدينة وليس من المنطقي أن يكون لجارية غرفة تعبد مستقلة أو إقامة ولماذا صمدت الغرفة لأكثر من ألف عام دونا عن القصر وإذا كانت تتعبد هل بمسيحية القبط أم بالمذهب الروماني الجديد (الملكاني) الذي سيضطهد المصريين لرفضه بعد ذلك.
وتري البعثة الإيطالية في تصريح لمديرها عام 1982 في مجلة آخر ساعة أن الحجرة تخص فتاة أو راهبة مسيحية أسمها مارية سيودوزيا وهي بيزنطية عاشت في القرن السادس الميلادي قبل مجيء العرب. وقد وجدوا كتابات علي جدران الحجرة باسمها وقيل أن هذه الحجرة استخدمت ككنيسة في زمن الاضطهاد الروماني للقبط قبيل الفتح الإسلامي و قد تكون حجرة جنائزية مسيحية قديمة ومن مشاهدتي علي الطبيعة لعدد المقابر المحيطة بها أميل إلي هذا الرأي.
❊❊❊
أصل المنطقة قرية تسمي" بسا" علي اسم إله فرعوني ثم أقيمت عليها مدينة "هيبنو اتي "الفرعونية علي اسم الحكيم "الطبيب الخاص "لرمسيس الثاني ثم أصبحت مدينة انطنيو بولس علي اسم غلام الأمبراطور هارديان 130م والذي غرق بالصدفة قرب المدينة الجديدة التي جاء الإمبراطور لتفقدها وقد أضاف الرومان آنذاك لأول مرة قسما ثالثا لأرض مصر مع الوادي (الوجة القبلي الوجه البحري) وهو أقليم مصر الوسطي واختاروا عاصمته في هذا الموقع الذي يتوسط الصعيد ويطل علي النيل وكانت من أكبر المدن الرومانية في الصعيد وسمح الامبراطور فيها بزواج المصريين من الرومان وبهذا قد يأتي تفسير أن والد مارية مصري وأمها رومانية كما أعفي المدينة من الضرائب أو ضريبة الرأس التي كانت مقررة علي غير الرومان أي أنه أعطاهم حق المواطنة وهو أمر تكرر بعد حوالي 500 سنة من الخليفة الإسلامي معاوية بن أبي سفيان"41 ه 661م " تكريما لأهل مارية ومع الخليفة عمر بن عبدالعزيز"99 ه 720 م " والذي ولد وتربي في مصر.
وتقول نجوي أحمد علي مدير آثار ملوي:
إن المدينة بنيت علي الطراز الروماني يقطعها شارع من الشمال إلي الجنوب ينتهي إلي مسرح روماني ويتعامد عليه عدة شوارع بالعرض وقسمت المدينة إلي ضواح وكان بها مدارس وأسواق وأماكن للرياضة والترفيه واستاد روماني كان خارج أسوار المدينة الذي كان مزدوجا من الطوب اللبن ويحيط بجهاتها الثلاث من الشرق والشمال والجنوب أما الناحية الغربية فتطل علي النيل حيث ميناء نهري وماتزال بقاياه موجودة في أطلال المدينة.. كما ربطت المدينة بالبحر الأحمر بطريق بري في الشرق يصل إلي سفاجا والقصير وأثبتت الحفائر الأثرية أن المنطقة أقدم من الرومان فهناك مقابر لعصر ما قبل الأسرات ومقابر صخرية في أعلي الجبل ترجع لعصر الدولة الوسطي كما يوجد معبد من الدولة الحديثة في عهد رمسيس الثاني وبه خراطيش لرمسيس الثالث والتاسع وعندما ظهرت المسيحية اعتنقها أهالي المنطقة وانتشرت الكنائس والأديرة وأصبح أسمها أنصنا وهي التي بحث عنها الصحابي عبادة بن الصامت عام21ه
❊❊❊
كان المصريون لا يقبلون تغيير الرومان لأسماء مدنهم وقراهم التي سميت علي أسماء آلهة أو لتمايز جغرافي أو إنتاجي لها فكانت أسماء القري في سجلات الضرائب الحكومية غير الأصلية التي يتداولها الناس ولم يهتم الفرس بتغيير الأسماء لذا عندما بدأ العرب تعريب الأسماء في السجلات بعد عام 90ه وجدوا أسمها هبنو أو هبن ولما كانوا يبدلون الهاء حاء والباء إلي فاء أصبحت حفن وتيمن المصريون بالاسم فسموا حفني والحفناوي.
وجاء صلاح الدين الأيوبي557ه 1161م فأعاد أسماء المدن والقري المصرية في السجلات العربية فعادت إلي أنصنا من جديد.
في عام 1223ه 1813م في عهد محمد علي الكبير وقد أمر بقياس زمام القري لضبط عائدها وضرائبها كانت القرية قد تعرضت للدمار في الاضطهاد المسيحي عام 617م ودمرت قصورها وكنائسها وأديرتها وأهملت أمور الري بها فهجرت وأصبحت أطلالا عليها بعض البيوت القروية والمسجد الذي لا يندثر في مصر ككل دور العبادة فسميت باسمه قرية عبادة ثم حورها الناس إلي السلطان عبادة ثم استقرت حاليا عند اسم قرية الشيخ عبادة.
❊❊❊
في دوار العمدة المبني بالأسمنت جلست مع المهندس الزراعي سيد حمدي خليل عمدة القرية والذي أوضح أن تعداد القرية يصل إلي 15 ألف نسمة وتشمل توابعها 3 عزب و زمامها أي مساحة أرضها الزراعية لا تزيد عن 700 فدان منهم 100 فدان في عزبة عبد المجيد سيف النصر ومثلها في عزبة علي شاهين وهما أسرتان كبيرتان قديمتان وبذلك يكون نصيب الفرد ضئيلا ومعظم الزراعات في حدائق المالح من برتقال ويوسفي ويتاجر بعض الأهالي في العسل الأسود كوسيط ما بين نجع حمادي والقاهرة. ويخرج أبناء القرية إلي العمل في القاهرة أوالغردقة في السياحة ومنها بنوا المنازل الحديثة الحالية وفي القرية مدرسة ابتدائية وأخري إعدادية. أما المدارس الثانوية فهي في قرية الروضة ونسبة التعليم هنا 60٪ والتعليم العالي 5٪ فقط فهناك 2 من أطباء القرية يعملون في القاهرة و5 محامين يعملون في ملوي ولدينا وحدة صحية وبها طبيب مقيم وفي القرية عدة مقامات ومساجد غير عبادة ويتوافد علي القرية كثير من الأهالي لزيارة المقامات كما يأتي بعض السياح لزيارة المنطقة الأثرية وهي تمتد علي مساحة ألف فدان في شرق القرية وبها آثار فرعونية وأغريقية وهناك مبان إسلامية قديمة في زمام قرية أبو حنس علي بعد4كم وكهرباء ولا يربط القرية بالعالم إلا المعديات واللنش وكان هناك مشروع من عام 1960 لتنفيذ كوبري من ملوي إلي القرية لكنه حتي الآن لم ينفذ ونفذ علي بعد 11كم من القرية مرصوف منها حاليا 9كم وباقي رصف 2 كم ولو تم سنصل بسهولة إلي ملوي وباقي الطرق ولو تم رصف 4كم فقط إلي قرية أبو حنس لاتصلنا بطرق باقي الصعيد و3كم إلي قرية الشيخ تمن في الشمال يوصلنا إلي أبو قرقاص والمنيا والقاهرة والوجه البحري. وفي القرية مياه نقية من خط أبو حنس وهو خط يعبر عن طريق كوبر ملوي ويمتد للقرية وقال إن القرية صنفت من عدة سنوات كأفقر قرية في المنيا من ناحية الخدمات، ويتم عمل بعض الإصلاحات لكن القرية تحتاج الكثير من الجهد خاصة أنها محاصرة بمنطقة أثرية ولايمكننا التوسع العمراني بها وليس أمامنا إلا إعادة بناء المنازل القديمة أو بعض الأراضي داخل القرية ولا نستطيع التوسع في استصلاح أراض زراعية فيها فنحن محاصرون بين الآثار والنيل.
وسألت عن اسم مارية هل هو اسم منتشر في القرية أجابوا بالنفي وأضافوا أنهم لا يفعلون شيئا مميزا لها إلا أن كل حاج من أهل القرية يقرأ لها الفاتحة في منطقة البقيع،
ولاحظت أنهم لم يذكروا اسم سيرين شقيقة مارية ولا يعرفون شيئا عنها في ظلم جديد لهذه الصحابية الجليلة وفي موطنها الأصل.
❊❊❊
حاولت أن أفهم التاريخ من الأسماء وجدت مارية اسما رومانيا ومصريا أصله عبراني مشتق من اسم السيدة مريم وهو أمر طبيعي لكن سيرين أصله فارسي بمعني ذات الوجه الممتلئ فهل ولدت سيرين أثناء الاحتلال الفارسي لمصر قبل عشر سنوات من سفرها وبذا تكون صغيرة جدا علي معاشرة حسان بن ثابت وسنه 67 عاما وأنجب ابنه عبد الرحمن الشاعر الأموي المشهور وهل قتل أو مات والديهما في الحرب مثلاً أو في وباء وهل أخذتهما الكنيسة أوالمقوقس لأنهما يتيمتان أم لعظم شأن والديهما كما قد نفهم من رسالته للرسول (لهما شأن عظيم في القبط) هل كانت سيرين طفلة أو صبية ارتبطت بأختها الكبري إن كانت الأكبر فلم يرد الفصل بينهما فأرسلهما سويا.. لكني وجدت للاسم أصلا إغريقيا بمعني حورية البحر وهو تسمية واردة من المصريين وقد يلغي ارتباطه بالاحتلال الفارسي وتعاد الحسبة من جديد ثم لماذا نقلهما المقوقس من قصره في أنصنا إلي الإسكندرية.
ويوضح يحيي حسنين مدير آثار وسط الصعيد أن المقوقس كان له قصران في المنطقة أحدهما في موقع قرية الشيخ عبادة (مدينة انتبولس الإغريقية) والآخر في ملوي (ألاشمونين). وقد يكون ذلك سبب وصولهما لقصره لكني تساءلت بلا إجابات إن كنت قد عرفت عن موهبة سيرين في الموسيقي والغناء فتري ما هي مواهب ومهارات مارية. وضاعت في الشرف العظيم بالارتباط بالرسول والسؤال الأهم هل كانتا تجيدان اللغة العربية.. ولذلك تم أختيارهما وأين تعلمتاها وهل كانتا تعدان بعض الصبايا لمثل هذه الأمور في علاقات دولة عظمي مع القوي المحيطة بها أم إنهما تعلمتا اللغة العربية في 45 يوما هي زمن الرحلة آنذاك من الإسكندرية إلي المدينة المنورة من الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة أم بالتعايش مع أهل المدينة وكيف والرسول قد عرض عليهما الإسلام فور الوصول وبلغته العربية كما روي عنه أنه كان يحب الجلوس إلي مارية لأنها ذات حديث عذب وما ترويه له من تاريخ مصر والسيدة هاجر كما أنه لن يدفع بأختها سيرين لشاعره الكبير لتغني أشعاره العربية إلا إذا كانت تجيد العربية وتفهمها ولم أجد إجابات.
❊❊❊
شمس الأصيل ذهبت خوص النخيل والنيل واقترب الغروب فغادرت القرية في نفس اللنش الذي يتوقف كلما سمع نداء أحدهم أو إحداهن ملوحين من بعيد ولو كانت المسافة طويلة علي الشاطيء المتعرج مرتفعا منخفضا.
استقل السيارة المنتظرة في الغرب وكانت تقف أمام محل يديره مجموعة من الشباب بملابس عصرية يبيع احتياجات التليفون المحمول والكمبيوتر وأطباق الفضائيات.. يهمس لي مرافقي »احمد ربنا« أنهم لم يقوموا علي بعض فمشاجراتهم تستمر لعدة أيام ويستخدم فيها كل الأسلحة، أنت هناك لو طلبت أسلحة ضد الطائرات ستجد، قلت له كنت ضايفت نفسي في دوار العمدة حتي يتكشف الأمر قال لي حاسماً. وطنت نفسي لو حدث ذلك لأخذت سلاحاً ودافعت عن نفسي "فضحكت مضيفا لذلك تركتني وحدي أجري كالمجنون في أطراف القرية جاهلاً المخاطر، ضحك وأضاف "أهو ربنا سترها الحمد لله" فسألته عن أسباب قيام خلافات بهذا الحجم قال ساخراً "من كتكوت دخل بيت خطأ "وقهقه لكني وجدتني أضع الآثار الوفيرة والجبل الشرقي إلي البحر الأحمر ودروب السودان والمنازل الفاخرة وشاطيء النيل الرئيسي بمراكبه ما بين الشمال والجنوب في كل الخيالات فعقبت يا عم محمد الكتكوت يكشف عن مصالح تحتية ضخمة يصعب الإعلان عنها فتأتي قشة لتقصم ظهرالبعير، وضحكنا.
كانت السيارة تناور في ضيق المكان لتخرج بنا من وسط الناس علي المرتفع الذي بالكاد يحوينا، يفادي السائق جميلة صغيرة في حدود 3 سنوات كان منهمكة في تضبيط ملابسها "غندورة" فوجدتني ابتسمت من جديد سخرية من أحدهم في القرية وأنا أسأل: هل هنا مسيحيون؟ فعلق علي الفور "ولا يكون" ! فإذا الأم المنقبة في زي إسلامي واضح تنبه ابنتها التي اعترضت طريقنا بصوت فيه هدوء وحسم
تعالي هنا يا مريم
فابتسمت من جديدعلي مرمي البصر في الشرق تمتد القرية كشريط من الشمال إلي الجنوب بطول 3كم يطل علي المجري الرئيسي للنيل تتصدر الواجهة مجموعة من المنازل العصرية الجميلة بأدوار ثلاث وبلكونات مستديرة بألوان زاهية ما بين الأصفر والأحمر والأزرق يكشف مظهرها وعدم سكناها أنها منفذة حديثاً وكشف أن هناك مستوي اقتصاديا في القرية يستطيع بناء منازل علي النيل.
يزعق بي أحد المنتظرين »والله يابيه ما لاقيين ناكل .
وصلت إلي هنا بعد رحلة بالقطار من القاهرة إلي المنيا قطعت 300كم ثم ميني باص داخلي قطع 45 كم إلي مدينة ملوي في أقصي جنوب المحافظة ثم سيارة نصف نقل"يسمونها الكبود" عادت بي 5كم إلي قرية الروضة واجتزت خلال شوارعها الضيقة 3 كم لأرتفع في أقصي شارع ضيق إلي مرتفع يطل علي النيل ننحدر بقوة إلي شاطئه لنصعد إلي المعدية التي تتبع المجلس المحلي وتعمل من السادسة صباحا وحتي السادسة مساء يتبادل معها العمل 3 معديات للأهالي تعمل كل واحدة أسبوعاً وتستريح أسبوعين ولا ترتبط بمواعيد فقد يحتاجها البعض في أي وقت فلا اتصال للقرية بباقي المحافظة إلا بهذه الوسيلة.
سألوني عن وجهتي وكانت مسجد عبادة الذي علي اسم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت وقد جاء في جيش الفتح الإسلامي 21ه وبحث عن قرية مارية وبني لها مسجداً في موضع بيتها تكريما لزوج رسول الله([).
أشاروا إلي مئذنة علي أقصي يميني في الجنوب، واللنش أفضل للوصول إلي مسجد عبادة مباشرة وكان هناك في جنوب الغرب بأقصي يميني وهو يعمل أيضا لمدة أسبوع ويتبع أحد الأهالي ويتبادل معه لنشان أهليان بالعمل أسبوعا والراحة أسبوعين وهو الأسرع في طوارئ الليل للمرضي والحوادث والمسافرين وسألوا هل تزور غرفة مارية؟ فلها غرفة حجرية علي بعد 4 كم من القرية في المنطقة الأثرية التي بعمق 10كم وتعمل بها بعثة أثرية إيطالية ووعدني أحدهم بتوفير سيارة لذلك هناك وقام بالاتصال عبر التليفون المحمول بقائد اللنش ليأتي من الغرب.
علي سقالة خشبية لا يزيد عرضها عن 30 سم صعدت بعد هبوط سيدات يحملن أطفالاً رضعاً وصبية وفتيات ورجالا بأغراض ثقيلة ومعي تلاميذ وتلميذات عائدون من مدارس الروضة وملوي وموظفين وموظفات وأصر المراكبي ألا يحصل أجرتي في الذهاب والعودة كأصول الضيافة الصعيدية.
عرض النيل أمامي يبلغ 750 متراً قطعها القارب البخاري في 7 دقائق ولأن نهر النيل يطمي غرباً تخيلت أنه منذ1400 عام كان ضعف ذلك أو أكثر ووجدتني أضيف 220 كم لرحلتي هي المسافة بين القاهرة والإسكندرية لأتخيل ماقطعته مارية وسيرين إلي قصر المقوقس ليصل إلي 600كم وبوسائل ذلك الزمان إما بالإبحار في النيل لأيام أو علي ظهر جمل أو حصان أوبغل أو حمار.
تقدم اللنش إلي ما بعد القرية قليلاً في اتجاه الجنوب في مناورة دوران ليعود مع التيار المتجه إلي الشمال ليرسو بهدوء عند بقعة جافة من الشاطي لينصب سقالته من جديد وتوقفت عيني عند نتوء أرضي، سهم رفيع يشق المياه تتمايل عليه في دلال أوزتان ألوانهما ما بين الأبيض والرمادي البراق ووجدت فيهما (فأل خير).
إلي مرتفع ترابي أوصلنا إلي استواء الأرض كانت خطواتي في قرية الشيخ عبادة.
القرية في نظرة عامة عبارة عن طبقة خارجية إسلامية علي النيل لا يزيد أقصي عمقها عن 3 كم ويقل إلي 300 متر فقط فعلي أطراف شرق البيوت تمتد أسلاك شائكة للمنطقة الأثرية بمساحة ألف فدان، بها أطلال آثار فرعونية ورومانية وإغريقية وكنائس ومقابر تتوسطها الغرفة التي يقولون إنها لمارية لتجد المنطقة تلخص تاريخ مصر فلو نظرت لها من سفح الجبل الشرقي ستجدها تبدأ بالفرعوني فالروماني والإغريقي والمسيحي ثم الإسلامي وإذا نظرت لها من غرب النيل لوجدتها حاضرا إسلامياً في عمقه مسيحيا وإغريقيا ورومانيا ثم الأصل فرعوني.
شوارع القرية ضيقة متعرجة مابين الارتفاع والهبوط وقليلة البشر منازلها ما بين قديم بالطوب اللبن وآخر بالأسمنت المسلح فضلاً عن فخامة الواجهة وبعض أمثالها بالداخل، ودكاكين البقالة تقليدية معتمة أمامها دكك خشبية عليها رجال القرية بجلاليبهم الصعيدية في أياديهم السبح ،يردون علي تحيتهم »اتفضل«، وأعداد من الماعز والأوز أمام البيوت، في بعض الجنبات أكوام حديد تسليح وأسمنت، ولم أميز إلا فرنا بلديا سجل صاحبه اسمه عليه.
بيوت القرية الحديثة الأسمنتية أقيمت في موقع منازل قديمة بنفس عرض الشوارع الأصلية دون إضافة أي أمتار جديدة للمستقبل لتستطيع سيارات نصف النقل الموجودة السير بالكاد في بعض الشوارع وكذا سيارت الملاكي ويصعب تخيل مرور سيارة نقل كبيرة بها.
علي مسافة لا تزيد عن 100 متر من النيل حجبته للأسف بعض البيوت الأسمنتية الحديثة وصلنا إلي الساحة الضيقة لمسجد عبادة الذي لاصقته البيوت حتي أغلقت شبابيكه لأقف أمام بوابة خشبية علي الطراز الأيوبي وهي الواجة الغربية الرئيسية للمسجد المطلة علي النيل أعلاها مستطيل عليه زخارف نباتية وهندسية ويتوسطه »لوحة رخامية قديمة مكتوب عليها بالحفر "باني هذا المسجد والمقام الملك السلام ويقيمون فيه الصلاة والسلام سعادة إسماعيل باشا نجل إبراهيم باشا غفرالله له سنة 1277ه«.
وذلك علي سبعة سطور وقد طمست بعض كلماتها بالزمن.
وكان إسماعيل باشا آنذاك أميراً في عهد عمه سعيد باشا 71 1280ه "بينما حكم إسماعيل "80 1297ه "
❊❊❊
يفتح الباب إلي ممر بطول20 مترا تقريبا وبعرض مترين ببلاط حديث ،علي اليسار غرفة قديمة مغلقة لأدوات المسجد بعدها يمتد ملحق جديد للمسجد مبني بالأسمنت المسلح شبابيكه بطراز مسيحي في مستطيل ينتهي ضلعه الأعلي بشكل رقم 8 ومساحته 100 متر مربع في نهايته أرض منزل قديم ملاصق اشتراه الأهالي لتوسعات المستقبل وهي الواجهة الشمالية للمسجد وليس لها مداخل أو نوافذ وعليها مئذنتا المسجد الغربية القديمة الطراز الأيوبي المتأثر بالفاطمي يسمونها مئذنة مارية تتكون من 3 طوابق الأسفل مصمت والآخران من 8 أضلاع الثاني والثالث لهما شرفة خشبية من جذوع النخيل وفي الثالث 4 نوافذ وفي أعلاه نصف قبة بها زخارف ويشابه تصميمها المئذنة الفاطمية لجامع الجيوشي بالمقطم كما أوضح ذلك يحيي حسنين مدير آثار وسط الصعيد وهو أصلا من أبناء القرية.
وبالبحث التاريخي لم أجد ما يربط الأيوبيين بالقرية إلا صلاح الدين الأيوبي 565 ه الذي أمر كل مركب شراعي منحدر في النيل بنقل حجر من أطلالها لبناء القلعة و مبانيه في القاهرة أما الارتباط الآخر ففي بدر الدين الجمالي أمير جيوش المستنصر بالله 623ه والذي كانت قرية الروضة من أملاكه وكانت منطقة كروم وفواكه فسماها الروضة وسماها الأهالي روضة الجمالي وقد يكون من هذا تشابه المئذنة بمئذنة مسجدة في المقطم خاصة أنه قد رمم أكثر من مسجد في مصر ومنها مسجد العطارين بالإسكندرية وقد بني مسجده عام 478ه والعطارين 477ه وبذلك يكون احتمال تجديده وترميمه لمسجد عبادة نحو هذه التواريخ.
المئذنة الشرقية من تجديدات إسماعيل وعلي الطراز المملوكي تتكون من 4 طوابق أولها مربع والباقي ثماني ولها شرفتان في الطابق الثاني والثالت وتنتهي بعد الرابع بقامة المئذنة وهي مثلثة الشكل وبداخل المئذنة سلم حلزوني خشبي للمؤذن وكان الأمير إسماعيل آنذاك يتردد علي قرية روضة الجمالي لأنها كانت أبعدية عمته أمينة هانم حليم والتي مازال قصرها هناك وقد تفقدته من الخارج وعرفت أنه قد تم تأميمه بعد ثورة يوليو 52 وأعاده السادات للورثة بوساطة شاه إيران ولهم وكيل يشرف عليه حاليا وقالوا كانت حدائقه تنتج أجود الفواكه لكنها حاليا ليست كما كانت ويقال إن إسماعيل باشا هو من اختصر الاسم القديم للقرية فتصبح الروضة فقط وألغي اسم الجمالي.
❊❊❊
واجهة المسجد الشرقية تطل علي حارة صغيرة أما الجنوبية فهي ملاصقة للبيوت وعلي يمين الممر باب عليه زخارف يؤدي إلي ميضة الوضوء وهي غرفة مربعة يتوسطها عمودان أثريان من الرخام علي أطرافها حمامات بلدية أمامها حنفيات المياه وخلفها مساحة للصلاة وفي نهايتها بئر قديمة للوضوء صالحة للاستخدام وعلي اليسار باب جانبي المسجد، المسجد مربع الشكل بمساحة 200 متر مربع مبني بالطوب القديم محرابه مجدد حديثا بمستطيلات رخام صغيرة علي جانبيه عمودان أثريان من الرخام وأعلي القبلة شباك صغير وآخر كبير علي يساره وبجوار المحراب منبر خشبي حديث وصحن المسجد يعتمد علي 4 أعمدة أثرية رخامية لها تيجان وقواعدها من تيجان مقلوبة نقلت قديما من المنطقة المجاورة في تجديدات إسماعيل وفي الحائط الجنوبي شباك يطل علي الضريح وكل الشبابيك مغلقة فقد لاصقتها جدران البيوت تماما وأصبح صوت سكانها يشوشر علي المصلين.
وفي خلفية المسجد دكة "المبلغ "وهي مقامة علي أعمدة خشبية حديثة ولها سلم خشبي جانبي يرتفع بحوالي 18 درجة خشبية إلي مساحة 3*3م قالوا إن أحد الصالحين كان يعتكف فيها وكذا بعض الأهالي في العشر الأواخر من رمضان.
سقف المسجد مقام من العروق والألواح الخشبية يتوسطه شخشيخة (مربع مرتفع عن مستواه مغلف بالزجاج للتهوية والإضاءة بالنهار) من تجديدات إسماعيل باشا.
علي اليسار باب خروج من المسجد علي يمينه جزء مخصص للنساء وتخرج إلي حارة ضيقة جداً لتدلف إلي مقام ملاصق للمسجدعبر باب عليه زخارف وهوعبارة عن حجرة استقبال كبيرة خالية تؤدي إلي باب علي اليسار واجهته عليها زخارف بيزنطية منقولة من أحد المباني القديمة بحفر غائر بأشكال الصليب غطاه الأهالي بالجص يدخلك للمقام الذي يشغل معظم الغرفة مربعة الشكل ولها محراب شرقي أعلاه زخارف والمقام له تركيبة خشبية وفي أعلي سطح الحجرة قبة ملساء خالية من الزخارف.
يتراكم التراب علي الكسوة وفي جانبه توجد طبلة كبيرة وصاجات معدنية كبيرة أيضا كانت لمولد سنوي يقام في المسجد لكن من عدة سنوات قامت خلافات حوله شارك فيها بعض الجماعات الدينية المتشددة وبعض الأسر الكبيرة في القرية فآثر الأمن إيقاف المولد الذي قالوا إنه كان يقام مع المولد النبوي في شهر ربيع أول وقال البعض في شهر أغسطس حيث الصيف والإجازات الدراسية وتوقيت ما بين الزراعات الشتوية والصيفية.
لم يتفق الأهالي في تحديد هوية صاحب المقام قالوا عبادة بن الصامت »مات في فلسطين عام 34ه« وقالوا ابنه ولم يذكر في الصحابة الذين جاءوا مصر وقالوا حفيده عبادة بن سعد بن عبادة بن الصامت ولم يقدموا دليلا قلت ولماذا لا يكون لأحد الصالحين الذين أقاموا يوما حول المسجد أو أحد خدام المسجد أو أن يكون من مقامات الرؤيا التي أنتشرت في العصر المملوكي والتي تقام تكريما لأحد الصالحين أو الصحابة أو آل بيت النبوة وهناك مقام رؤيا لعبادة بن الصامت في منطقة البهنسا في شمال المنيا علي بعد 100كم من القرية وقد يكون قد نفذ ذلك تكريما للصحابة الذين شاركوا في معركة البهنسا20ه الفاصلة لفتح الصعيد ومنهم من لم يستشهدوا في المعركة ولا ماتوا أو دفنوا في مصر مثل عبادة ولم يحسم لي الرأي أحد بعد ذلك من الأثريين أو وزارة الأوقاف أو حتي رجال الصوفية المتصلين بالموالد.
❊❊❊
وقالوا لا توجد جهة مسئولة عن المسجد إلا وزارة الأوقاف بتوفير إمام لصلاة الجمعة فقط" وهو حاليا الشيخ فتحي حمدي خليل وهو مدرس في الأزهر " وباقي أمور المسجد تنفذ بالمجهود الذاتي للأهالي وحسب اجتهاداتهم.
عموماً لاحظت أن المسجد مشوه معماريا مما يستلزم تدخلا أثريا وتاريخيا يعيد الأمور لتناسق تاريخي أو يعاد بنائه علي طراز إسلامي ومع قليل من الدعاية يصبح مزارا سياحيا هاما وتقول المراجع العربية أن عبادة قد أقام لمارية مسجداً ثم أضاف ابنه مسجداً آخر لعبادة لكني وجدت مسجداً واحدا بمساحة 700 متر" أو 4 قراريط كما قالوا" وأراه أكبر من احتياجات قرية حفن في زمانها وهو يقارب مساحة جامع عمرو بن العاص في العاصمة الفسطاط (750 مترا مربعا) فهل كانا مسجدين متجاورين دمجا بالزمن و هناك من يري أن المسجد كان علي الجزء الذي به المئذنتين ومساحته لا تزيد مع الميضة عن 200 متر وأن إسماعيل أضاف الجزء الذي هو قلب المسجد حاليا ، ولو كان المسجد علي موضع منزل مارية وهو علي النيل مباشرة ألا يكون ذلك أكبر من الوضع الاجتماعي لجارية أم تم اختيار الموقع الأفضل أم حدث خلط لدي المؤرخين بين المسجد وما يقول الأهالي أنه غرفة مارية فأصبحوا اثنين!
❊❊❊
علي أطراف القرية في اتجاه الشرق تنفتح مساحة ضخمة للمنطقة الأثرية في بدايتها مقابر المسلمين الحالية ذات القباب الطينية والمصاطب المرتفعة عن الأرض فهم لا يتعمقون في الحفر حتي لا يصطدموا بالآثار القديمة وفي وسطها بئر يسميها المسلمون بئر الصحابة نسبة إلي الصحابة الذين زاروا المنطقة في الفتح الإسلامي ويسميه المسيحيون بئر السحابة ويقولون إن السحابة قد ظللت علي السيد المسيح وحجبت عنه الشمس بينما السيدة مريم تسقيه من البئر.
وتعمل في المنطقة بعثة إيطالية منذ عام 1936 للتنقيب عن الآثار الرومانية ولها استراحة في منتصف الموقع لموسم البحث في الشتاء ومغلقة الآن.
❊❊❊
أيقظوا سائق سيارة نصف نقل من قيلولة الظهيرة لأدخل المنطقة لأشاهد علي امتدادها آثارا متناثرة هنا وهناك منها الجزء العلوي من عمود معبد روماني قد يكون أسفله معبد كامل.. هدفي مشاهدة ما يقولون إنه غرفة مارية و بعد قرابة 4 كم وجدت غرفة قديمة جزء منها مقاوم بالحجر الجيري القديم يقال إن الوالي محمد علي أمر ببنائه عندما بني مصنعا للبارود هناك وأحد أجنابها بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح يقال بناها إسماعيل باشا عند تجديد المسجد أبعادها 6.5 متر في 8.5 متر ارتفاعها قرابة 3 أمتار.
❊❊❊
وكانت الغرفة بلا سقف فأثرت الأمطار علي رسوماتها فقامت لجنة حفظ التراث العربي بعمل سقف للحجرة بالأسمنت وبه حاليا فتحتا تهوية يتم غلقهما في الشتاء خوفا من تسرب الأمطار.. شاهدت من فتحات بابها الحديدي المغلق بمعرفة تفتيش الآثار شبه محراب عليه رسومات مسيحية ملونة وأعمدة رومانية والغرفة تتوسط منطقة مقابر وبيوت قروية قديمة بالطوب اللبن.
يقول الأهالي أن الغرفة جزء من قصر المقوقس وهو أمر غير منطقي فقصر الحاكم سيكون علي النيل وليس في عمق المدينة وليس من المنطقي أن يكون لجارية غرفة تعبد مستقلة أو إقامة ولماذا صمدت الغرفة لأكثر من ألف عام دونا عن القصر وإذا كانت تتعبد هل بمسيحية القبط أم بالمذهب الروماني الجديد (الملكاني) الذي سيضطهد المصريين لرفضه بعد ذلك.
وتري البعثة الإيطالية في تصريح لمديرها عام 1982 في مجلة آخر ساعة أن الحجرة تخص فتاة أو راهبة مسيحية أسمها مارية سيودوزيا وهي بيزنطية عاشت في القرن السادس الميلادي قبل مجيء العرب. وقد وجدوا كتابات علي جدران الحجرة باسمها وقيل أن هذه الحجرة استخدمت ككنيسة في زمن الاضطهاد الروماني للقبط قبيل الفتح الإسلامي و قد تكون حجرة جنائزية مسيحية قديمة ومن مشاهدتي علي الطبيعة لعدد المقابر المحيطة بها أميل إلي هذا الرأي.
❊❊❊
أصل المنطقة قرية تسمي" بسا" علي اسم إله فرعوني ثم أقيمت عليها مدينة "هيبنو اتي "الفرعونية علي اسم الحكيم "الطبيب الخاص "لرمسيس الثاني ثم أصبحت مدينة انطنيو بولس علي اسم غلام الأمبراطور هارديان 130م والذي غرق بالصدفة قرب المدينة الجديدة التي جاء الإمبراطور لتفقدها وقد أضاف الرومان آنذاك لأول مرة قسما ثالثا لأرض مصر مع الوادي (الوجة القبلي الوجه البحري) وهو أقليم مصر الوسطي واختاروا عاصمته في هذا الموقع الذي يتوسط الصعيد ويطل علي النيل وكانت من أكبر المدن الرومانية في الصعيد وسمح الامبراطور فيها بزواج المصريين من الرومان وبهذا قد يأتي تفسير أن والد مارية مصري وأمها رومانية كما أعفي المدينة من الضرائب أو ضريبة الرأس التي كانت مقررة علي غير الرومان أي أنه أعطاهم حق المواطنة وهو أمر تكرر بعد حوالي 500 سنة من الخليفة الإسلامي معاوية بن أبي سفيان"41 ه 661م " تكريما لأهل مارية ومع الخليفة عمر بن عبدالعزيز"99 ه 720 م " والذي ولد وتربي في مصر.
وتقول نجوي أحمد علي مدير آثار ملوي:
إن المدينة بنيت علي الطراز الروماني يقطعها شارع من الشمال إلي الجنوب ينتهي إلي مسرح روماني ويتعامد عليه عدة شوارع بالعرض وقسمت المدينة إلي ضواح وكان بها مدارس وأسواق وأماكن للرياضة والترفيه واستاد روماني كان خارج أسوار المدينة الذي كان مزدوجا من الطوب اللبن ويحيط بجهاتها الثلاث من الشرق والشمال والجنوب أما الناحية الغربية فتطل علي النيل حيث ميناء نهري وماتزال بقاياه موجودة في أطلال المدينة.. كما ربطت المدينة بالبحر الأحمر بطريق بري في الشرق يصل إلي سفاجا والقصير وأثبتت الحفائر الأثرية أن المنطقة أقدم من الرومان فهناك مقابر لعصر ما قبل الأسرات ومقابر صخرية في أعلي الجبل ترجع لعصر الدولة الوسطي كما يوجد معبد من الدولة الحديثة في عهد رمسيس الثاني وبه خراطيش لرمسيس الثالث والتاسع وعندما ظهرت المسيحية اعتنقها أهالي المنطقة وانتشرت الكنائس والأديرة وأصبح أسمها أنصنا وهي التي بحث عنها الصحابي عبادة بن الصامت عام21ه
❊❊❊
كان المصريون لا يقبلون تغيير الرومان لأسماء مدنهم وقراهم التي سميت علي أسماء آلهة أو لتمايز جغرافي أو إنتاجي لها فكانت أسماء القري في سجلات الضرائب الحكومية غير الأصلية التي يتداولها الناس ولم يهتم الفرس بتغيير الأسماء لذا عندما بدأ العرب تعريب الأسماء في السجلات بعد عام 90ه وجدوا أسمها هبنو أو هبن ولما كانوا يبدلون الهاء حاء والباء إلي فاء أصبحت حفن وتيمن المصريون بالاسم فسموا حفني والحفناوي.
وجاء صلاح الدين الأيوبي557ه 1161م فأعاد أسماء المدن والقري المصرية في السجلات العربية فعادت إلي أنصنا من جديد.
في عام 1223ه 1813م في عهد محمد علي الكبير وقد أمر بقياس زمام القري لضبط عائدها وضرائبها كانت القرية قد تعرضت للدمار في الاضطهاد المسيحي عام 617م ودمرت قصورها وكنائسها وأديرتها وأهملت أمور الري بها فهجرت وأصبحت أطلالا عليها بعض البيوت القروية والمسجد الذي لا يندثر في مصر ككل دور العبادة فسميت باسمه قرية عبادة ثم حورها الناس إلي السلطان عبادة ثم استقرت حاليا عند اسم قرية الشيخ عبادة.
❊❊❊
في دوار العمدة المبني بالأسمنت جلست مع المهندس الزراعي سيد حمدي خليل عمدة القرية والذي أوضح أن تعداد القرية يصل إلي 15 ألف نسمة وتشمل توابعها 3 عزب و زمامها أي مساحة أرضها الزراعية لا تزيد عن 700 فدان منهم 100 فدان في عزبة عبد المجيد سيف النصر ومثلها في عزبة علي شاهين وهما أسرتان كبيرتان قديمتان وبذلك يكون نصيب الفرد ضئيلا ومعظم الزراعات في حدائق المالح من برتقال ويوسفي ويتاجر بعض الأهالي في العسل الأسود كوسيط ما بين نجع حمادي والقاهرة. ويخرج أبناء القرية إلي العمل في القاهرة أوالغردقة في السياحة ومنها بنوا المنازل الحديثة الحالية وفي القرية مدرسة ابتدائية وأخري إعدادية. أما المدارس الثانوية فهي في قرية الروضة ونسبة التعليم هنا 60٪ والتعليم العالي 5٪ فقط فهناك 2 من أطباء القرية يعملون في القاهرة و5 محامين يعملون في ملوي ولدينا وحدة صحية وبها طبيب مقيم وفي القرية عدة مقامات ومساجد غير عبادة ويتوافد علي القرية كثير من الأهالي لزيارة المقامات كما يأتي بعض السياح لزيارة المنطقة الأثرية وهي تمتد علي مساحة ألف فدان في شرق القرية وبها آثار فرعونية وأغريقية وهناك مبان إسلامية قديمة في زمام قرية أبو حنس علي بعد4كم وكهرباء ولا يربط القرية بالعالم إلا المعديات واللنش وكان هناك مشروع من عام 1960 لتنفيذ كوبري من ملوي إلي القرية لكنه حتي الآن لم ينفذ ونفذ علي بعد 11كم من القرية مرصوف منها حاليا 9كم وباقي رصف 2 كم ولو تم سنصل بسهولة إلي ملوي وباقي الطرق ولو تم رصف 4كم فقط إلي قرية أبو حنس لاتصلنا بطرق باقي الصعيد و3كم إلي قرية الشيخ تمن في الشمال يوصلنا إلي أبو قرقاص والمنيا والقاهرة والوجه البحري. وفي القرية مياه نقية من خط أبو حنس وهو خط يعبر عن طريق كوبر ملوي ويمتد للقرية وقال إن القرية صنفت من عدة سنوات كأفقر قرية في المنيا من ناحية الخدمات، ويتم عمل بعض الإصلاحات لكن القرية تحتاج الكثير من الجهد خاصة أنها محاصرة بمنطقة أثرية ولايمكننا التوسع العمراني بها وليس أمامنا إلا إعادة بناء المنازل القديمة أو بعض الأراضي داخل القرية ولا نستطيع التوسع في استصلاح أراض زراعية فيها فنحن محاصرون بين الآثار والنيل.
وسألت عن اسم مارية هل هو اسم منتشر في القرية أجابوا بالنفي وأضافوا أنهم لا يفعلون شيئا مميزا لها إلا أن كل حاج من أهل القرية يقرأ لها الفاتحة في منطقة البقيع،
ولاحظت أنهم لم يذكروا اسم سيرين شقيقة مارية ولا يعرفون شيئا عنها في ظلم جديد لهذه الصحابية الجليلة وفي موطنها الأصل.
❊❊❊
حاولت أن أفهم التاريخ من الأسماء وجدت مارية اسما رومانيا ومصريا أصله عبراني مشتق من اسم السيدة مريم وهو أمر طبيعي لكن سيرين أصله فارسي بمعني ذات الوجه الممتلئ فهل ولدت سيرين أثناء الاحتلال الفارسي لمصر قبل عشر سنوات من سفرها وبذا تكون صغيرة جدا علي معاشرة حسان بن ثابت وسنه 67 عاما وأنجب ابنه عبد الرحمن الشاعر الأموي المشهور وهل قتل أو مات والديهما في الحرب مثلاً أو في وباء وهل أخذتهما الكنيسة أوالمقوقس لأنهما يتيمتان أم لعظم شأن والديهما كما قد نفهم من رسالته للرسول (لهما شأن عظيم في القبط) هل كانت سيرين طفلة أو صبية ارتبطت بأختها الكبري إن كانت الأكبر فلم يرد الفصل بينهما فأرسلهما سويا.. لكني وجدت للاسم أصلا إغريقيا بمعني حورية البحر وهو تسمية واردة من المصريين وقد يلغي ارتباطه بالاحتلال الفارسي وتعاد الحسبة من جديد ثم لماذا نقلهما المقوقس من قصره في أنصنا إلي الإسكندرية.
ويوضح يحيي حسنين مدير آثار وسط الصعيد أن المقوقس كان له قصران في المنطقة أحدهما في موقع قرية الشيخ عبادة (مدينة انتبولس الإغريقية) والآخر في ملوي (ألاشمونين). وقد يكون ذلك سبب وصولهما لقصره لكني تساءلت بلا إجابات إن كنت قد عرفت عن موهبة سيرين في الموسيقي والغناء فتري ما هي مواهب ومهارات مارية. وضاعت في الشرف العظيم بالارتباط بالرسول والسؤال الأهم هل كانتا تجيدان اللغة العربية.. ولذلك تم أختيارهما وأين تعلمتاها وهل كانتا تعدان بعض الصبايا لمثل هذه الأمور في علاقات دولة عظمي مع القوي المحيطة بها أم إنهما تعلمتا اللغة العربية في 45 يوما هي زمن الرحلة آنذاك من الإسكندرية إلي المدينة المنورة من الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة أم بالتعايش مع أهل المدينة وكيف والرسول قد عرض عليهما الإسلام فور الوصول وبلغته العربية كما روي عنه أنه كان يحب الجلوس إلي مارية لأنها ذات حديث عذب وما ترويه له من تاريخ مصر والسيدة هاجر كما أنه لن يدفع بأختها سيرين لشاعره الكبير لتغني أشعاره العربية إلا إذا كانت تجيد العربية وتفهمها ولم أجد إجابات.
❊❊❊
شمس الأصيل ذهبت خوص النخيل والنيل واقترب الغروب فغادرت القرية في نفس اللنش الذي يتوقف كلما سمع نداء أحدهم أو إحداهن ملوحين من بعيد ولو كانت المسافة طويلة علي الشاطيء المتعرج مرتفعا منخفضا.
استقل السيارة المنتظرة في الغرب وكانت تقف أمام محل يديره مجموعة من الشباب بملابس عصرية يبيع احتياجات التليفون المحمول والكمبيوتر وأطباق الفضائيات.. يهمس لي مرافقي »احمد ربنا« أنهم لم يقوموا علي بعض فمشاجراتهم تستمر لعدة أيام ويستخدم فيها كل الأسلحة، أنت هناك لو طلبت أسلحة ضد الطائرات ستجد، قلت له كنت ضايفت نفسي في دوار العمدة حتي يتكشف الأمر قال لي حاسماً. وطنت نفسي لو حدث ذلك لأخذت سلاحاً ودافعت عن نفسي "فضحكت مضيفا لذلك تركتني وحدي أجري كالمجنون في أطراف القرية جاهلاً المخاطر، ضحك وأضاف "أهو ربنا سترها الحمد لله" فسألته عن أسباب قيام خلافات بهذا الحجم قال ساخراً "من كتكوت دخل بيت خطأ "وقهقه لكني وجدتني أضع الآثار الوفيرة والجبل الشرقي إلي البحر الأحمر ودروب السودان والمنازل الفاخرة وشاطيء النيل الرئيسي بمراكبه ما بين الشمال والجنوب في كل الخيالات فعقبت يا عم محمد الكتكوت يكشف عن مصالح تحتية ضخمة يصعب الإعلان عنها فتأتي قشة لتقصم ظهرالبعير، وضحكنا.
كانت السيارة تناور في ضيق المكان لتخرج بنا من وسط الناس علي المرتفع الذي بالكاد يحوينا، يفادي السائق جميلة صغيرة في حدود 3 سنوات كان منهمكة في تضبيط ملابسها "غندورة" فوجدتني ابتسمت من جديد سخرية من أحدهم في القرية وأنا أسأل: هل هنا مسيحيون؟ فعلق علي الفور "ولا يكون" ! فإذا الأم المنقبة في زي إسلامي واضح تنبه ابنتها التي اعترضت طريقنا بصوت فيه هدوء وحسم
تعالي هنا يا مريم
فابتسمت من جديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.