جانب من اجتماع الجمعية التأسيسية في الوقت الذي يعكف فيه أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة دستور مصر الجديد وأيضا في الوقت الذي قطعت فيه الجمعية شوطا ليس بقليل من الاستماع للآراء المختلفة ووضع الخطوط العريضة وكتابة عدد من الأبواب المهمة في الدستور تواجه هذه الجمعية شبح الحل الذي يودي بحياتها وبالتالي نكون أمام أحكام قضائية نافذة التطبيق. وتكون هذه الجمعية هي الثانية التي تتعرض للحل ويبقي السؤال هنا ماذا سنفعل؟ وهل يتم تطبيق ما جاء في الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري أم سيبادر الرئيس مرسي بإصدار إعلان دستوري بصفته رئيس الجمهورية يحدد من خلاله آلية اختيار الجمعية التأسيسية الثالثة وما هي سيناريوهات ما بعد الحل؟. وبعيدا عن القضايا المثارة بين المحاكم للنظر في قانونية عمل اللجنة من عدمه نجد أن هذه الجمعية تتعرض لهجوم شديد من قبل العديد من التيارات السياسية المختلفة ويطاردها أيضا عدد من الخلافات بشأن عدد من الأبواب والمواد المصيرية مثل المادة الثانية وصلاحيات الرئيس وهوية الدولة. وفي الأسبوع الماضي قررت الدائرة الأولي بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار عبد السلام النجار، تأجيل نظر جميع الطعون التي تطالب بحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد الثانية، والتي يترأسها المستشار حسام الغرياني، لحين الفصل في طلب الرد. وأيضا هناك تلويح من قبل اللجنة بفصل الأعضاء الذين تعدوا مدة الغياب بدون عذر المسموح بها ولم يحضروا جلسات الجمعية . وكان رئيس الجمهورية قد وجه ضربة استباقية عندما قام بالتصديق علي معايير الجمعية التأسيسية للدستور، وبذلك لم يعد لمحكمة القضاء الإداري حق الطعن علي تشكيلها.وتم نشر التصديق في الجريدة الرسمية، مما يعتبر استباقا لحكم بالحل الذي يتوقع أن تصدره محكمة القضاء الإداري ومن ثم يدفع المجلس العسكري بتشكيل جديد حسب ما نص عليه الإعلان الدستوري التكميلي. واتفق عدد من الخبراء السياسيين علي أن حل الجمعية التأسيسية للمرة الثانية سيضع الجميع في مأزق، وسيخلق صداماً بين القوي السياسية والمجلس العسكري، حول الاعتراض علي تنفيذ الحكم، إذا صدر قرار بحلها، أو تشكيل الجمعية الجديدة. وقال الدكتور وحيد عبدالمجيد، المتحدث الرسمي باسم التأسيسية، إنه لا أحد يرغب في الصدام بين القوي السياسية والمجلس العسكري، لأنه لن يخدم أياً منهما، وأشار إلي أن جميع أعضاء التأسيسية ينطلقون من مبدأ أن الشعب هو من يمنح السلطات وهو الحكم. وأوضح الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاهرة، أنه في حالة صدور حكم من القضاء الإداري بحل الجمعية التأسيسية للمرة الثانية، سيشكل المجلس العسكري لجنة ال 100 طبقاً لما جاء في الإعلان الدستوري المكمل، وأشار إلي أن هذا القرار سيواجه بتحفظ شديد من القوي السياسية المختلفة التي تعترض علي تشكيل العسكري للجمعية مما سيجعلنا نعود لنقطة الصفر. وأضاف: إذا شكل العسكر الجمعية التأسيسية سيواجه أزمة في التوافق مع القوي السياسية علي تقسيم اللجان داخل الجمعية، وأوضح أنه لا مجال إلا الاتفاق بينهما، وتوقع أن يحدث هذا التوافق بطريقة ما من خلال الرئيس محمد مرسي وحزبه الحرية والعدالة. وشدد فهمي علي ضرورة التوافق بين المجلس العسكري والقوي السياسية لأنه دون ذلك، ستحدث حالة من الفراغ التشريعي، وقال: البعض يري أن المجلس العسكري هو من أوصل الأمور إلي تلك المرحلة، لكن القوي السياسية لها دور كبير في هذا من خلال إدخال الجمعية التأسيسية في متاهات كثيرة وتفاصيل معقدة. واقترح فهمي، في حالة صدور حكم بحل الجمعية التأسيسية، تشكيل جمعية أخري لكن بشروط معينة، وهي أن تكون معبرة عن طوائف المجتمع، وتحديد إطار زمني محدد لإنهاء أعمالها. وأشار إلي أن تولي الرئيس مهام تشريعية في المرحلة المقبلة سيخلق صداماً بينه وبين العسكري. وحول فكرة إصدار رئيس الجمهورية إعلاناً دستورياً خلال المرحلة المقبلة، قال فهمي: إن مرسي سيستخدم تلك الورقة ليلوح بها في وجه المجلس العسكري إذا اضطرته الظروف، وأضاف أن السلطة التشريعية الآن في يد العسكر رسمياً طبقاً للإعلان الدستوري المكمل. وتحسبا لعدم حل الجمعية كان الرئيس محمد مرسي رئيس الجمهورية قد صدق علي قانون تشكيل الجمعية التأسيسية الذي أعده مجلس الشعب قبل الحكم بحله، واختلف القانونيون حول هذا القرار إلا أنهم اتفقوا علي أنها محاولة قانونية ذكية لسد الذرائع أمام احتمالات الحكم ببطلان الجمعية في محكمة القضاء الإداري وتغيرت المعطيات القانونية لقضية حل الجمعية التأسيسية ، حيث أصبح أمام المحكمة الآن قانون ينظم قرار تشكيل الجمعية، والقوانين بطبيعة الحال تخرج عن اختصاص محكمة القضاء الإداري، إلاّ أن مصادر قضائية أكدت أن المحكمة برئاسة المستشار عبدالسلام النجار هي التي ستحدد مدي تأثير إصدار القانون علي القضية. وشرحت المصادر هذه الرؤية قائلة: يمكن أن تعتبر المحكمة التصديق علي القانون غير ذي جدوي باعتباره لاحقا علي تاريخ تشكيل الجمعية المطعون فيها، فتتصدي لقرار التشكيل سواء ببطلانه أو تأييده، كما يمكن أن تري فيه شبهة عدم دستورية فتحيله إلي المحكمة الدستورية العليا، وبالتالي تبقي كل الاحتمالات مفتوحة. وكان المستشار طارق البشري، رئيس لجنة التعديلات الدستورية 2011 قد قال إن تشكيل الجمعية التأسيسية الحالي صحيح ويتوافق مع المادة 60 من الإعلان الدستوري، لأنها أطلقت يد النواب المنتخبين في اختيار أعضاء الجمعية دون قيود، سواء من داخل البرلمان أو خارجه، مؤكدا أن القانون الجديد الذي صدر لا يحمل جديدا، وليس من فائدته إضفاء الشرعية، لأن الجمعية التأسيسية شرعية أصلا. وأضاف البشري أن قرار تشكيل الجمعية التأسيسية سيادي وليس إداريا، وغير خاضع لقضاء مجلس الدولة من الأساس، لأنه ينفذ نصا دستوريا منح النواب المنتخبين بمجلسي الشعب والشوري سلطة سيادية غير قابلة للطعن، كسلطة تعيين رئيس الحكومة والوزراء. وقال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن إصدار القانون يعتبر مخالفة صريحة للإعلان الدستوري المكمل، لأن سلطة التشريع الآن بحوزة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وكان يجب موافقته علي القانون أولا ثم رفعه للرئيس للتصديق عليه. ويري الجمل أن إصدار التشريع لاحقا علي تشكيل اللجنة به شبهة انحراف تشريعي، إلاّ أنه يعبر عن محاولة قانونية للالتفاف علي البطلان وسد الذريعة التي يمكن أن تستند لها المحكمة للحكم ببطلان الجمعية، مشددا علي أن التشكيل مازال معيبا لمخالفته حكم القضاء الإداري ببطلان الجمعية السابقة لضمها برلمانيين إلي جانب المستقلين وأضاف الجمل أنه يمكن الطعن علي دستورية هذا القانون، لمخالفته الإعلان الدستوري المكمل وقواعد إصدار التشريعات، بالإضافة إلي التفافه علي حكم القضاء الإداري بصورة صريحة، بأن اعتبر قرار تشكيل الجمعية التأسيسية عملا من أعمال الرقابة التشريعية. ويؤكد الدكتور أيمن علي، عضو اللجنة التأسيسية للدستور وممثل المصريين بالخارج، أنه إذا حكمت محكمة القضاء الإداري بحل الجمعية التأسيسية ، فإنه لا نقاش في تنفيذ الحكم، وقال "إذا حكمت المحكمة بحل الجمعية لا مشكلة لدينا علي الإطلاق، والالتزام بحكم القانون مسألة ليس فيها نقاش وسنحترمه، لأنه ليس معقولا أن تخالف جمعية تكتب الدستور القانون والمنتج النهائي الذي أعددناه سيكون وديعة وقتها لمن بعدنا. وأضاف أنه توجد 3 ضمانات أساسية لإشراك الشعب في كتابة الدستور، تنتهي بأن يشارك الشعب في استفتاء للموافقة علي الدستور.وأوضح أنه لا صحة لما تردد بوجود دستور جاهز في الأدراج، وقال "إنما يوجد عشرات الدساتير، ولم يكن منطقيا أن يبدأ جهد الجمعية من الصفر وإنما من التاريخ المصري والدساتير المصرية، بالإضافة للدساتير التي أعدتها جهات أكاديمية"، مشيرا إلي أن المنتج يجب أن يرتقي لمستوي الشعب المصري ويضمن وجود أجهزة رقابية تمارس دورها بحيادية. وفيما يخص المناوشات التي تحد داخل اللجنة بشأن عدد من الأبواب والمواد نجد أن لجنة المقومات الأساسية ونظام الحكم بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور قد تقدمت بصياغة الجزء الخاص بها إلي لجنة الصياغة والبحث، لإعادة صياغة المواد وطرحها علي الجمعية التأسيسية. وأكدت المصادر أن لجنة المقومات أنهت في اجتماعها أزمة المادة الثانية بتقديم اقتراحين للجنة الصياغة، الأول أن تظل المادة الثانية كما هي والتي تنص علي "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسيرها، ولأتباع المسيحية واليهودية الحق في الاحتكام لشرائعهم الخاصة في أحوالهم الشخصية وممارسة شئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، وهو المقترح الذي نادي به بشدة أعضاء اللجنة من التيار السلفي. أما المقترح الثاني، فهو حذف الجزء الخاص بمرجعية الأزهر من المادة الثانية والتأكيد عليه في المادة الخاصة باستقلال الأزهر، واستحداث مادة أخري للوضع الخاص باحتكام غير المسلمين إلي شرائعهم. من جانبه قال الدكتور يونس مخيون عضو اللجنة والقيادي بحزب النور إن الحزب متمسك بالاقتراح الأول الذي وافقت عليه اللجنة سابقاً، وأن المقترح المستحدث جاء بناء علي طلب بعض ممثلي الأزهر. وأضاف أن بعض الأعضاء طالبوا بأن تكون مرجعية تفسير مبادئ الشريعة للمحكمة الدستورية العليا في حين أن "النور" يتمسك بمرجعية الأزهر في تفسيرها. فيما اتفقت اللجنة علي التأكيد علي المادة الخاصة باستقلالية الأزهر، وأكد أعضاء اللجنة علي ضرورة أن يكون الأزهر مؤسسة مستقلة حتي لا يتم التدخل في أي من شئونه. وقال الدكتور محمد محيي، عضو لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، إن القوات المسلحة لم تطلب دورا سياسيا داخل الدستور الجديد، وحتي في حال ما إذا طلبت فلن يوافق أحد علي ذلك، موضحاً أن سلطات القوات المسلحة في الدستور الجديد أقرب إلي دستور 1971 مع مزيد من التوضيح لتشكيل مجلس الدفاع الوطني.ويتشكل مجلس الدفاع الوطني حسب قول محيي، من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي الشعب والشوري، ويضم في عضويته مدنيين وعسكريين، وسط مقترحات بأن يكون من اختصاصات "الدفاع الوطني" المناقشة التفصيلية لميزانية القوات المسلحة قبل عرضها علي البرلمان، بجانب مناقشة مشاريع القوانين التي تختص بالقوات المسلحة، موضحاً أنه سيتم عرض القوانين المتعلقة بصميم عمل القوات المسلحة مثل التجنيد والتعبئة والتسليح والتدريب وشروط الخدمة والترقي وغيرها علي "الدفاع الوطني"، لتكون الصورة واضحة أمام البرلمان عند استلامه تلك القوانين.وفيما يتعلق بمناقشة ميزانية القوات المسلحة داخل البرلمان، وأوضح محيي أن مجلس الدفاع من شأنه مناقشة الميزانية، تفصيلاً علي أن تعرض علي المجلس كرقم واحد، قائلاً: "أمن مصر مقدم علي أي شيء". وتعليقاً علي ما يتردد حول منح "القوات المسلحة" سلطات أوسع داخل الدستور الجديد عن دستور 1971 قال محيي إن مجلس الدفاع الوطني سيؤخذ رأيه في الأمور التي تتعلق بالعمل الفني للقوات المسلحة فقط، موضحاً أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلي للقوات المسلحة، وله السلطة المطلقة في تعيين وزير الدفاع وكبار القادة، مضيفاً: ومن ثم فلا تعارض، حيث ستكون القوات المسلحة طوع أمر القيادة السياسية".وفيما يتعلق بنظام الحكم، أشار عضو التأسيسية إلي وجود اتجاه قوي داخل اللجنة لأن يكون النظام مختلطا أقرب للرئاسي منه للبرلماني، وهو النموذج الأقرب لما يتضمنه الدستور الفرنسي. وقال محيي، إن أنظمة الحكم وصلت لها تصورات عامة من المجموعات الأربع المنبثقة عنها، لم تٌترجم بعد إلي مواد دستورية، علي أن يكون الأسبوع الحالي حاسما في عمل اللجنة، بحيث يتم إرسالها إلي لجنة الصياغة. وفي إطار ماتردد حول الانتهاء من عدد من مواد الدستور بصفة نهائية نفي د.وحيد عبد المجيد، المتحدث باسم الجمعية التأسيسية للدستور، الانتهاء من أي صياغات نهائية أو شبه نهائية لمواد الدستور، مشيرا إلي أن كل ما نشر عن مواد باب الحريات والحقوق لا يعدو كونه صياغات أولية قابلة للتعديل، سواء بالحذف أو الإضافة. وأوضح عبد المجيد ، أن المناقشات بلجنة الحريات مازالت مستمرة، وأن هناك مواد في إطار المناقشة أو لم تناقش بعد، علي أن يتم تقديم النصوص النهائية إلي لجنة الصياغة، بالتزامن مع انتهاء موعد تلقي المقترحات بشأن الدستور، والمقرر في الثالث من أغسطس المقبل، ثم تطرح المواد للتصويت خلال الجلسة العامة. ومن المقرر أن يستعرض اجتماع هيئة مكتب الجمعية سير العمل باللجان، والموعد المقترح لإجراء انتخابات تصعيد خمسة أعضاء من الاحتياطيين بدلا من الخمسة المنسحبين من الأعضاء الأصليين. ووفقا لعبد المجيد، ستتلقي هيئة المكتب تقريرا من الأمانة العامة للجمعية عن نتائج اتصالاتها وإخطارها رسميا ل5 أعضاء آخرين من الأصليين، ممن تغيبوا لخمس جلسات متتالية ، وطبقا للائحة الجمعية، من المفترض استبدالهم بآخرين من الاحتياطيين ، والخمسة هم: "سامح عاشور، محمد سليم العوا، عبد الجليل مصطفي، سمير مرقص، وجابر نصار"، وبيان مدي رغبتهم في الاستمرار بالجمعية من عدمه. وأوضح أنه في حال عدم رغبة أحدهم أو جميعهم في الاستمرار بالجمعية، سيتم مناقشة مقترح انتخاب ال 10 أعضاء مرة واحدة خلال جلسة الجمعية العامة الثلاثاء المقبل، أو الذي يليه، الذي سيناقش خلالها أيضا ما تم إنجازه من أعمال اللجان. وشدد عبد المجيد علي أن عمل لجنة الصياغة هو "فني بحت"، وأنها بدأت أعمالها مبكرا اختصارا للوقت، وأن عملها الرسمي لن يبدأ قبل موعد انتهاء تلقي المقترحات لمواد الدستور في الثالث من أغسطس المقبل.