يشهد الأسبوع الحالي لحظات حاسمة ومصيرية تحدد مسار الثورة وإلي أين تتجه، فالأحكام القضائية التي ستصدر في ست دعاوي يمكن أن تحدث انقلابا في المشهد السياسي المضطرب في الأساس تتعلق ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية وقرار الرئيس محمد مرسي الخاص بعودة مجلس الشعب وأخري تطالب ببطلان قرار الحل وبطلان انتخاب مجلس الشوري وضد تشكيل مجلس الدفاع الوطني والإعلان الدستوري المكمل! المشكلة الحقيقية تكمن في أن ساحات القضاء أصبحت تتناغم مع حالة الفوضي التي نراها في كل مكان فأعداء الثورة والمتربصون بها وباستقرار البلاد لايفوتون فرصة في أي مكان دون محاولة تعكير الأجواء وتسميمها لإعادة دوران عجلة التقدم علي أي مسار للخلف وصارت ساحات القضاء هدفهم المنشود لتحقيق أهدافهم ، لكن الأخطر أن المحكمة الدستورية العليا بسرعة البت والفصل في دستورية بعض القوانين تلقي مزيدا من الشك وعلامات الاستفهام حول ما أصدرته قياسا علي سوابق تاريخية لقضايا طال أمد الفصل في دستوريتها وكذلك ملابسات إنشاء هذه المحكمة والظروف التاريخية التي واكبت ظهورها واعتلاءها قمة الهرم القضائي ( بعد ماسمي بمذبحة القضاء عام 9691) والآلية التي يتم بها تعيين قضاتها مما يجعلها سلطة فوق القضاء لم يخترها الجهاز القضائي وإنما تتحكم في تعيين قضاتها السلطة التنفيذية مما يجعلها أداة في يد هذه السلطة وخصما من استقلال القضاء وحيدته. القضاء المصري يمر هذا الأسبوع بأصعب اختبار لمصداقيته ونزاهته وقدرته علي عدم الخضوع للضغوط، والقضاة الذين سيصدرون أحكامهم لا سلطان عليهم إلا ضميرهم وتقديرهم لما تمر به البلاد من ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، وأود أن أذكر هؤلاء بالحديث النبوي الذي يحدد تصنيفات القضاة وجزاءهم عند الله " القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضي للناس عن جهل فهو في النار " والحكم في المفهوم القانوني هو عنوان الحقيقة والحد الفاصل بين الحق والباطل ورد الحقوق لأهلها والقصاص من الظالمين ، والكثير من القضاة من الشرفاء لكن لا أحد يستطيع معرفة القدر الذي يتحمله أي قاض عند ممارسة الضغوط عليه، وسيادة القانون شعار جميل في مضمونه لكن القضاء في أي نظام استبدادي لايمكن أن يكون لذلك الشعار وجود إلا فيما ندر خاصة أن النظام السابق وضع في يد وزارة العدل سلطات علي الجهاز القضائي أعاقت حركته وأخضعت القضاة لمبدأ الثواب والعقاب إزاء موقف كل قاض من النظام ومدي تجاوب أحكامه معه لكن هناك نماذج رائعة لقضاة رفضوا مثل هذه الضغوط فكان مصيرهم الاستبعاد أو الإقصاء. لا نستطيع أن نبعد القضاء والقضاة عن المناخ السائد هذه الأيام في البلاد من عدم الاستقرار في مرحلة التحول نحو الديمقراطية والانتقال من الحكم ذي الطبيعة العسكرية إلي حكم مدني تكون المؤسسة العسكرية إحدي مؤسسات الدولة وليست صاحبة القرار السياسي علي نحو ماجري طوال ستين عاما مضت ، لكننا نأمل من القضاة أن يكونوا عند مستوي الأمل في أن يكونوا أداة للبناء والتقدم دون أن يخالفوا القانون أو ضمائرهم ، ويكفي القول أن القضاة الشرفاء الذين تجاوزت أعدادهم 31 ألف مستشار أداروا بشفافية انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة في جولتيها ومن قبل انتخابات مجلسي الشعب والشوري التي شهد العالم بنزاهتها لكن الرياح تأتي كثيرا بما لا تشتهي السفن!! نحن إذن أمام منعطف خطير فإما أن تمضي الأمور في مسارها الطبيعي في استكمال أهداف الثورة وإما أن نعود للمربع صفر حيث لا دستور ولا مجالس نيابية وربما يطعن البعض في صحة انتخاب رئيس الجمهورية لتسوء أوضاعنا الحياتية من أمن واقتصاد ويلف الضباب والقتامة المشهد السياسي بكامله وليظل الإعلام الذي ابتلينا به عبر شاشات الفضائيات وبعض الصحف المستقلة ومن النخب علي نفس الوتيرة من تسميم أفكار الناس وتعكير الأجواء!! ولا شيء يمكن أن يتجه بنا ويقودنا نحو غد مشرق سوي أن تتوافق القوي السياسية المؤثرة وصاحبة القرار لمصلحة مصر أولا والابتعاد عن الصدام الذي يروج له البعض هنا وهناك بين مؤسستي الرئاسة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة لأننا في النهاية مصريون فالقضاء لن يحل المشاكل العالقة بل أزعم أنه سوف يزيدها اشتعالا والخلافات بين أبناء الأسرة الواحدة إذا خرجت من محيطها إلي ساحات المحاكم فهذا يعني اتساع مدي وعمق هذه الخلافات وعدم قدرة أفرادها علي احتوائها ، كما لايجب السماح لقوي الثورة المضادة أن تكسب معركتها الأخيرة للعودة بنا مرة أخري لنظام لفظناه ولايتمني أي مصري حر وشريف عودته مرة أخري. أما فيما يتعلق بالقضاء فأقول في النهاية إن إصلاح منظومته تقع علي عاتق أعضاء هذه السلطة من الشرفاء والمخلصين وضرورة فصلها عن السلطة التنفيذية وأي سلطة أخري وتقديم مشروع متكامل لإصلاحها وتنقية قوانينها بما يضمن استقلالها وحيدتها ونزاهتها وتحصينها من أي عبث أو تدخل في شئونها والحفاظ علي كرامة القاضي وكافة أعضاء الأسرة القضائية ووضع ضوابط ومعايير للالتحاق بها تعتمد علي الكفاءة ومتابعة عمل القضاة ومحاسبة من يخطئ من خلال جهاز تفتيش قادر علي العمل حتي يضمن سلامة الجهاز القضائي من أي انحراف في مساره إضافة لتأمين القضاة في كافة نواحي حياتهم حتي يبقي القاضي بعيدا عن أي ضغوط أو إغراءات من أي نوع ، ولابد أيضا من منع القضاة من التدخل في الشأن السياسي كما يحدث من البعض هذه الأيام حتي لايؤثر ذلك علي حيادهم وصدقية أحكامهم. نريد قضاء حرا مستقلا بعيدا عن الأهواء ونريد لمصر أن تعبر تلك المرحلة الصعبة من تاريخها بسلام وأمان.