ليس بين الناس من ضابط إلا القضاء فهو الأمل والآمال لبعث الطمأنينة للقلوب وان كان الحاكم جائر أو ظالم تقول البرديات أن في العصر الفرعوني إذا ارتشى القاضي كان الملك يسلخ جلد القاضي ويكسوا به كرسي القضاء حتى يكون عبرة وذكرى لمن يأتي بعده فيحكم بالعدل ويروى لنا التاريخ الإسلامي قصص عن قضاة اعتلوا منصات التاريخ والمجد بعدلهم في الحكم ومساواتهم بين الناس كالقاضي شريح رضي الله عنه والذي حكم لليهودي بالدرع ولم يحكم لأمير المؤمنين آن ذاك ( على بن أبى طالب لعدم وجود البينة مع الإمام) وفى عهد الدولة العباسية وبالأخص في عصر الخليفة أبى جعفر المنصور يرفض العلماء القضاء بسبب جور الحاكم وظلمه ومنهم الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان والإمام مالك والفقيه سفيان الثوري الذي راح يهيم في البلاد متخفيا وهاربا ليس بسبب تهمة اقترفها ولكن هربا من منصب قد يؤدى به إلى المهالك حتى أستقر الأمر بالعالم الفقيه كعامل في بستان ويقال أن سفيان كان مستجاب الدعوة ورفض أن يدعوا على أبى جعفر المنصور بالهلاك كل هذا يرجع للقول لسانُ القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار ويأتي القضاء في القرن العشرين على المحك في الدول الإسلامية وخاصة مصر فلم يزل يتردد إلى مسامعنا أقوال تجافى الواقع أو ربما في أخف الظروف تجرحه وتشوهه ألا وهى نزاهة القضاء وحصانة القضاة والقضاء خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه والمطلوب منا نحن السامعين والمتلقين والمتابعين التسليم بهذه المقولات وإن كانت تخالف الواقع أو تعترض بعضا من جوانبه حينما تزاحمنا الأخبار أن كم البراءات التي نالت قتلة المتظاهرين وكم المعلومات والحقائق التي أخفيت وتوارت عن أيدي القاضي وهو يعلم بوجودها ولكن لم تصل إليه ثم تفاجئ ببعض رموز الحركات الإسلامية والتي حكم عليها سابقا بالإعدام أو المؤبد أنها الآن تحصل على حكم بالبراءة هذا التناقض والتباعد في الأحكام يثير الريبة ويثير الاستغراب فكأنه قد توفرت للقاضي السابق كل الأدلة والبراهين التي دفعته إلى هذا الحكم المغلظ والقاطع بالأدلة والتي من المفروض أنه حكم من خلالها وعلى النقيض لم تتوافر للقاضي الحالي أي دليل أو شبهه يدين هؤلاء مما جعله ينفض يديه عن أي إدانة ولو كانت غرامة أو حبس مع إيقاف التنفيذ ثم تأتى قضية التمويل الأجنبي والتي روج الإعلام لها لدرجة أنها حفزت رجال الدين والسياسة بالاندفاع وراء ما روج فمنهم من راح يصرخ في البرلمان لاعنا الشيطان الأكبر أمريكا والتي تريد تقسم مصر إلى جزر وعزب عن طريق تلك الهيئات بل بلغ الأمر إلى تبنى أحد مشايخ العصر الحديث فكرة جمع تبرعات لتعويض المعونة التي تمن علينا بها الإمبراطورية الأمريكية لدرجة أنه تعهد بأخذ ما تتبرع به بائعة الفجل المعدمة وقد أفرد الإعلام لهذه القضية بساطا غير محدود المدى حتى ان أدلة الإدانة أذيعت عبر الفضائيات كوجود خرائط لتقسم مصر وحسابات ودراسات للمناطق المزمع تقسمها فيخرج علينا القضاء ببيان يعلن فيه إدانة هؤلاء وإنها ربما تكون قضية تجسس وخيانة لا قضية تمويلات غير مشروعة ويصدر قراره الشهير بمنع المتهمين من السفر ويصدر قاضى المحكمة قرارا بضبط وإحضار المتهمون في القضية ولأمر دبر بليل يتنحى القاضي نتيجة ضغوط قضائية بصبغة سياسية وتشكل دائرة أخرى ترتدي ثوب القضاء لتعلن إلغاء الحذر من السفر وتسمع لهم بمغادرة البلاد دون أن يعبروا القضاء أو المثول أمامه وتعرج الشبهات إلى رئيس أكبر محكمة في مصر وهو قاضى وتتوه المسئولية عن تلك الأحداث فتبقى القضية أخطاء قضائية بامتياز وتمرير قضائي وإدانة قضائية ولا نكاد ننتهي من تلك الواقعة حتى يفاجئنا أحد أعضاء مجلس الشعب بطلب إحاطة لأحد رؤساء المحاكم يتهمه بإخفاء ملف قضية موقعة الجمل ليبقى القضاء على المحك ونصل إلى قناعة أن القضاء عادلا إن لم يكن أحد أطراف مدعيه صاحب سلطة ونفوذ وان الرجل العادي هو آمن في أيدي القضاء طالما أن خصمه ليس من أصحاب السلطة والمال والحق يقال أن للقضاء المصري مواقف مشرفة ولبعض قضاته مواقف هزت تاريخ مصر من فرط عدالتها ليستقر بنا الفهم أن القضاة بشر وليسوا ملائكة يملكون بين جوانحهم نفوسا بشريا سوية أحيانا وحالمة أحيانا أخرى وان القاضي هو ملك لضميره وأسير لضغوط قد تمارس عليه فهوا ليس خطا أحمر على المطلق كما لا يجب أن يلوح له بكارت أحمر إذا تعارض حكمه مع أهواء البعض فأحكامه تؤخذ وترد وخاصة أننا لم نبرح حقبة قضيناها تربوا عن الثلاثين عاما يعين فيها وكلاء النيابة بالواسطة والمحسوبية ويعين فيها بعض القضاة في بعض المناصب بالرضا والتقرب لذا لزم علينا أولا تكريس استقلالية القضاء عن أي سلطة ونفوذ مع جود رقابة صارمة على القضاة من هيئة تمثلهم من النخب القضائية ليستقيم الأمر ولا نقع تحت طائلة الحديث الشريف ( إنما اهلك الأمم قبلكم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الفقير أقاموا عليه الحد