ألقمونا كذبة كبيرة أن الزواج يقتل الحب.. وعيشونا كذبة أكبر.. أن الحب شيء والزواج شيء آخر وكان الواقع الأليم حجتهم القوية.. بيوت مكممة المشاعر.. وأجساد تيبست من قلة الفرح.. وروتين ومسئوليات تجهز بسكين تلم علي أي مساحة من الجنون اللذيذ.. تجعل للعلاقة جذوتها وروعتها.. ومع ذلك مازلت أري معجزة هنا.. وحكاية هناك تعلن لنا علي الملأ.. بأن رفيق العمر الطويل.. مازال يشعل فيّ أجمل العواطف. لماذا غاب الحب عن بيوت أطفالنا شباب اليوم.. الذين خلت حياتهم من أي نسمة تبرد قسوة الأيام وجفاء المسئولية.. وثقل الحياة في مجتمع عاني إصابة قاتلة في سلم قيمه فما عاد يريد.. أن يعرف مجتمعه وحياته.. ومبادئه.. تقاليده.. فتشوهت الصورة.. كلوحات بيكاسو (لاتعرف لها أنف من ساق أو رمز للرجولة والأنوثة متعارف عليها علي مدي أجيال .. طويلة. كنت أسأل نفسي.. هل هو العمر.. الذي امتد حتي أصبح قاب قوسين من الإعلان الرسمي لدخول مرحلة الشيخوخة.. سواء كانت جسدية تفرضها أرقام السنين تتركها بوضوح علي قسمات الوجه.. أو أمراض يواجهك بها الطبيب.. إنه أمر عادي في هذه المرحلة من العمر أم إنه فعلا الحياة تغيرت تماما في الثلاثين عاما الماضية وممكن أن تضيف عليها عشر سنوات قبلها تحول المجتمع من النقيض إلي النقيض. من مجتمع بسيط.. تقاليده معروفة الأبعاد.. تختلف من الجنوب إلي الشمال المنفتح علي المتوسط.. المتروبولي الهوية. تزاوجت فيه ثقافات عدة ودخلت في علاقات شرعية أو غير شرعية مع فنون وآداب وإبداع عقول إنسانية عاشت علي جانب البحر المتوسط بدمائه الحارة تارة.. وبرودة شماله في نفحة متوهجة. تعكس حب الله لتنوع عباده الذي يدفع عجلة الحياة لكي تدور وتنجز ميادين وأفكارا.. وتدفع الجنس البشري للتطور الذي هو (سنة الحياة) وليس التقوقع والانكفاء علي الذات.. أو الاستقرار بمعناه القبيح.. الكفر بالحياة.. وتنوعها وتجددها وقبلها عدلها وأمنها للجميع. في ظل ذلك التحول.. دفع الحب العلاقة الأجمل والأطهر في حياتنا .. ثمنها القاتل من اختياراته المحدودة بظروف الحياة وتقلباتها.. الموجعة للقلب كانت حياتنا نحن أبناء السبعينيات.. بسيطة.. استطعنا أن نختطف منها سنوات قصارا.. قبل أن ينغمس الجميع في مجتمع استهلاكي استعراضي.. كان المال فيه سواء حلاله أم حرامه هو كارت (الفيزيتا) الأشهر لقبولك في المجتمع أو عند قلوب النساء. عندما تختار.. موارد وظروفاً مادية مريحة.. لتكون هي مقياس قبولها لإعطاء جسدها.. بحلال ورقة لاتعني لها سوي حصولها .. علي ملذات الحياة.. من خلال مال الزوج وممتلكاته.. وبعدها .. تكفر بالحب.. وسنينه. وتعيش مرفهة.. وفقيرة لحد الحرمان والمجاعة للحظة صدق.. أو تهور قلب.. أو متعة جسد لتشعر فيها.. أنها حلال فعلا.. وليست جارية مشتراة أو في أحلك الحالات بائعة جسد ولكن بورقة رسمية. تلك كانت لحظات الصدمة التي تخرج منهن في لحظة ندم.. علي اختيار الظروف وليس الرجل ليكون رفيق الحياة حتي آخر العمر!! أعتقد أن الإنسان.. هو نتاج مجتمعه.. أحب ذلك أم كره وتمرد.. فإنه غصب عنه .. يظل أسيرا لنهج حياة فرضتها (قيم) رئيس، حاكم، لون الحياة بألوانه الشخصية إذا فسد فسدت وإذا صلح صلحت.. كنا كلنا أسري نرجسية الحاكم.. ألقي بظلاله حتي علي علاقتنا العاطفية. فكنا جيل الرومانسية واختيار القلب.. جيلاً تحمل مسئوليتين تنوء بهما الجبال إذا قورنت اليوم باختيارات القرن الحادي والعشرين. كان لنا هدف في الحياة. علي المستوي الشخصي كنا نريد أن نثبت للأهل أن اختيار القلب الذي كان جديدا في مجتمع السبعينيات هو الأصح والأصلح والأكثر رومانسية وإنسانية من اختيارات العقل الجافة المحبطة للحياة الحقيقية وكان علينا أيضا أن ثبت أن المرأة قادرة علي أن تعمل مثل الرجل.. وعلي النجاح وحقها في التحقق المهني وفي نفس الوقت أن تنجح أيضا في الدور التقليدي المرسوم والمطلوب من المرأة. أن تكون زوجة امرأة أنثي لزوجها.. تلعب نفس أدوار جدتها. وأن تكافح لكي تنجح بالتفوق في الوظيفتين نادرا ما استطاع تحقيقها الرجل. لو طلب منه مثلا إذا ماتت الزوجة أن يتفرغ لتربية أطفاله وفي نفس الوقت أن يكون قادرا علي المنافسة في سوق العمل وأن ينجح فعلا في المجالين. ذلك كان .. في الماضي. تلك كانت قضية المرأة.. الحب والنجاح المهني.. كنا ننظر إلي هؤلاء اللاتي قررن أن يكن صورة مستنسخة من الأمهات والجدات إنهن فاقدات.. للدهشة.. فاقدات للبهجة للضحكة والجنون اللذيذ المؤقت الذي يجعلك ترين في كل تغيير في الحياة.. إضافة لها. وعلامة خاصة.. علي أنك مررت علي وجه الكرة الأرضية وقلت لها .. تلك بصمتي وعلامتي الخاصة. وتلك إضافتي وروحي وسحري الخاص.. قلت توأم لأحد أو استنساخ مشوه.. لناس عاشوا من قبلي. أنا مررت هنا وتلك هي آثاري النسائية والإنسانية معا. فماذا .. حدث.. لبناتنا وأولادنا؟ لن أتكلم في السياسة.. فتلك الكلمات هي استراحة محارب مابين شهور طويلة من الحلم الثوري. تغيرت الحياة في مجملها إلي الأسوأ علي المستوي الإنساني. أما علي المستوي التكنولوجي .. فهي ثورة علمية بكل ما تحمل الكلمة من معني الاكتشافات والتجدد وشهادة تقدير لعقل إنساني.. استطاع بالفعل أن ينجز شيئا ملموسا.. تفخر به الإنسانية ولكن علي المستوي الإنساني والعلاقات العاطفية الأصيلة الصادقة. ماذا حدث لهن ولهم؟ ما هي البيوت المغلقة علي التعاسة والحرمان وقبول أمر واقع مؤلم كانوا السبب في اختياره في أول الأمر؟ وعندما أجد نسب العنوسة في الجنسين ترتفع أسأل ماهو السبب؟ أمور مادية؟ أم متطلبات إنسانية غير واقعية؟ أم إن القلب آخذ إجازة. أم إن من دخلوا فعلا برجلهم الشمال إلي قفص الزوجية.. كانوا عبرة (أخافت من لحقوهم)؟ وكانت عبارة .. شايفة الجوازات الفاشلة التعيسة؟ كلهم مستمرون من أجل الأطفال. وأغلبهم يطلقون غير عابئين بالأطفال والبقية مترددة.. لا تعرف كيفية الاختيار في مجتمع ذابت فيه الحدود بين الصح والخطأ والحلال والحرام وبنات الناس لم يعدن بنات الناس حتي لو انتسبن لأعرق العائلات. ولاد الناس الطيبين لم يعودوا طيبين رغم الأصل الطيب. جيل مختلف .. متمرد.. إلا أنه يعاني من فشل عام في اختياراته العاطفية. ولنا .. في ارتفاع نسبة الطلاق التي وصلت إلي أكثر من 04٪ من حالات الزواج ما يجعلني أندهش كيف نجح هذا الجيل في حياته المهنية.. وقاد التغيير الذي قاد للثورة ومع ذلك لم يستطع الارتفاع بنفس درجة الثورة والتمرد. أن يجد طريقا آمنا لعش الزوجية؟ وعلاقة جميلة تتجدد بالعشرة الطيبة يوما وراء يوم وساعة تلحقها الأخري وأوقاتاً حلوة تدفئنا وأحوالاً مرة.. تقربنا أكثر. وأطفالاً تسعدنا .. ونجاحات تغرينا علي شكره سبحانه علي عطاياه.. التي لا تحصي لو عرفنا قدرها ووصلتنا رسائلها. وأن نظل معا حتي آخر العمر. ويظل السؤال الذي يخيف كل من اقترب من خريف العمر: من هو المحظوظ الذي سيرحل قبل الآخر؟ ومن هو قليل البخت الذي سيتعذب أياما ربما سنوات طوالاً يبكي رفيق العمر ويتعجب من ذلك السؤال الذي يطل من العيون الشابة كيف ياتيتة ظللت تحبينه كل تلك الأعوام الطويلة وكيف لم يفسد الروتين والقرب الشديد والمسئوليات الصعبة حبك له وتكون الإجابة: إنه اختيار القلب الصح. والعشرة الجميلة.. والقيم الأصيلة التي تربينا عليها وغالبا فشلنا في توصيلها .. إليكم. وإلا ما سألت هذا السؤال. وما عشتم حياة عقيمة جافة.. وقفلت بيوتكم علي الحزن. ولم تزركم الدهشة.. التي تأتي من حبكم للحياة والإنسانة أو الإنسان الذي شارككم رحلة العمر. إنه السؤال الصعب لشباب.. استطاع أن يغير الكثير. ولكنه عجز عن تغيير آثار حياة الضياع الذي وصمنا به عصر المخلوع فحولنا جميعا إلي مسخ. في الفن والإبداع والسياسة. وأولها وآخرها في علاقتنا الإنسانية إنها (هزيمة) بحق. تحتاج إلي ثورة عاطفية. لنعيد الفرح إلي بيوتنا العامرة بالزوجية الفاسدة!! قلت لها .. في تشف حقيقي..!! بعد .. أن تركت .. حبيبها لتختار بالتفضيل عريساً علي الفرازة ولكنها كرهت فيه حتي شكله رغم وسامته لأنه كان اختيار الطمع. عقابك.. تدفعينه كل يوم .. في معاشرة شخص لا تطيقينه ولكنك مجبرة.. علي الحياة معه وإنجاب أطفاله.. والتنفس من نفس أنفاسه وأن تبتسمي له وأنت تعرفين أنه يعرف أنه اشتراك بماله .. مقابل جسدك .. ذلك .. العقاب الإلهي الذي تستحقينه فلا تأتيني شاكية. أما هو الذي تزوج من يعرف أنها لم تحبه يوما.. فهو أقل تعاسة. لأنه يعيش مع من يحبها وينتظر اليوم التي تقدر تلك المشاعر.. وتخر .. ساجدة للذي منحها قلبه قبل أملاكه. وصدقه ووفاءه.. قبل عربته وقصره وأحلامه.. هو ملك من أحب. وهي عاشرت .. من كرهت أو علي الأقل لم يحرك فيها عضلة واحدة في محيط القلب. ذلك هو انتقام الحب من الذي باعته.. بالرخيص وليس حتي الغالي. تلك الجريمة الإنسانية التي ترتكبها في حق نفسها وبيدها. من أجل مجموعة من المظاهر المادية الفاحشة الكاذبة التي لاتدل إلا علي افتقار صاحبتها.. إلي أدني إحساس بآدميتها. ذلك هو ذنب بل جريمة.. قطاع عريض من الشباب.. اختار خطأ رفيق العمر.. فلم يجد الرفيق.. وضاع منه العمر!! أحفظه تماما ذلك الفيلم الأسطورة (لعبة الست) بطولة العملاقين تحية كاريوكا ونجيب الريحاني (الذي لم أعرف إلا علي كبر أنه مسيحي لأننا لم نعرف في شبابنا كلمة مسيحي أو مسلم أو العبارة القبيحة.. فتنة طائفية صنيعة مبارك ونظامه عامة.. ذلك الفيلم الكلاسيكي الراقي الإنساني الشعبي.. العاطفي المعلم للذي يريد أن يتعلم قيم الحب والوفاء. وإن أجمل عطايا ربنا سبحانه وتعالي. أن تعثر علي رفيق العمر. ذلك الذي يصاحبنا في العمر .. ويدفئ ليالينا ويلملم دموعنا في لحظات الضعف. عندما يغدر بنا الأصدقاء. أو يعقنا حتي الأبناء. ويظل (هو) أو (هي) ظهرنا الذي يحمينا وعشرتنا وفنجان شاي دافئ في مغربية نتذكر فيه أيامنا الحلوة. الممتدة.. علي مدي حياتنا. بحلوها ومرها.. إنها مخزون أيام وليال. وهبنا الرحمن إياها. لنمضي بها رحلة الحياة. في أمان وطمأنينة.. وقبلها حب يكفي العمر كله. ولا تخجلي معه أن تعترفي.. أن رفيق العمر .. مازلت .. والله أحبه!!