خرجت الملايين للمرة الثانية خلال أقل من شهر للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة بين د.محمد مرسي والفريق أحمد شفيق بعد خسارة بقية المرشحين ال 11 في الجولة الأولي وعلي رأسهم مرشحي التيار الثوري حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وأبوالعز الحريري وخالد علي. وبات الاقتراب من القصر الجمهوري قاب قوسين أو أدني من مرسي وشفيق فور إعلان النتيجة خلال ساعات، لتبدأ مصر مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، لا يستطيع أحد التكهن بملامحها الحقيقية بعد انحصارها بين جبهتين الأولي تمثل التيار الديني من خلال مرشح حزب الحرية والعدالة د.مرسي، والثانية خرجت من عباءة النظام السابق ممثلة في الفريق شفيق آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع. ويبقي سؤال غاية في الأهمية: هل سيقدر أي من المرشحين – حال فوزه بالكرسي الأبرز في مصر – علي إدارة شئون البلاد والخروج بها من النفق المعتم الذي دخلته منذ ما يتجاوز العام ونصف العام؟ يري البعض أن الحالة النفسية للفائز هي التي يترتب عليها الكثير في الإجابة عن هذا السؤال الصعب. التقيت د.رحاب العوضي استشاري الصحة النفسية لاستقراء الحالة النفسية لمرسي وشفيق وأبرز الأمراض النفسية التي يمكن أن يصاب بها كل منهما بعد دخوله قصر الرئاسة وتحمله مسئولية إدارة دفة الحكم. شائعات ضد الرئيس بدأت حديثي مع د.رحاب بسؤال يدور في أذهان الكثيرين: ما هي المشاكل النفسية التي يتعرض لها المرشح لمنصب الرئاسة عموماً مع الضغوط النفسية التي يتعرض لها وخصوصاً في ظل الشائعات اليومية الكثيرة التي تطالهم؟ فقالت: بداية يجب أن أوضح أن مَنْ يفوز في هذه الانتخابات المهمة هو شخص يقع علي عاتقه تحمل عبء كبير جداً، ويكفي أنه يتحمل مواجهة التاريخ، حيث سيكتب عنه التاريخ ويحكم عليه وفي الحاضر إما أن يكون سبباً في فرحة الناس وتحقيق آمالهم أو زيادة همومهم وإما أن يقفز بمصر قفزة النمر ليحقق لها التقدم أو تكون مصر في عهده مثل السلحفاة تعيش تحت صدفة الجهل والفقر والاضطرابات. وبوجه عام لا تؤثر الشائعات في الشخص القوي، ولأن المفترض فيمن يترشح أن تكون لديه مقومات القيادة والقائد لا تهمه أي شائعات ما دام يسير علي الطريق السليمة، وعندنا الفريق شفيق ينتمي إلي المؤسسة العسكرية ونشأ علي أسلوبها في التربية، وبالتالي فمن الصعب التفاته إلي الشائعات، لأنه تربي علي أن ينظر إلي الأمام ويسير نحو هدفه لا يمنعه أي عائق أياً كان، والشدائد عموماً تصنع الرجال، فهو مر بعدة حروب إلي جانب أن سيكولوجية الطيار المحارب لا تقبل الهزيمة ولا تتأثر بالكلام والشائعات. أما د.مرسي فتربي في بيئة دينية إسلامية وبالتالي الشائعات بالنسبة إليه تعد مكسباً فهي سبب لكسب الحسنات وعلو قدره عند الله عز وجل، ولكن الفارق بين كلا المرشحين – بحسب د.رحاب - أن مرسي يعمل ضمن مؤسسة ولديه من يتفرغ للرد علي الشائعات أما شفيق فلا يرد إلا فيما يتعلق بالأمور المهمة التي يمكن أن تؤثر علي رأي الناخب وبالتالي يقوم بالرد وتوضيح الأمر وإزالة اللبس. تضيف د.رحاب: أعتقد أن كلا من مرسي وشفيق لا تهمه الشائعات لأن الشخص الأجوف أو غير الواثق هو الذي يمكن أن تؤثر فيه الشائعات ويلتفت إليها وبالتالي تصيبه بانفعال أو اضطراب، فكلاهما يعلم من البداية أن الانتخابات حرب سوف تستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة. لكن بالتأكيد هناك من الحيل الدفاعية ما يلجأ إليه كل منهما بحيث لا يفقد توازنه النفسي والانفعالي، وفي هذا السياق توضح د.رحاب: ثمة حيل وميكانيزمات عديدة ومن بينها اللجوء إلي تجاهل الشائعات أو الظهور بصورة تنفي الشائعة مثل الاتهام الذي تعرض له د.محمد مرسي برفضه للمرأة، فبدلاً من الرد علي هذه الشائعة وجدناه التقي بسيدات ليبحث معهن أموراً مختلفة. طبيب نفسي للرئيس ولأن دواوين وقصور الرئاسة في الدول الغربية يتوافر فيها طبيب نفسي يتابع حالة الرئيس ويراقب تحولاته السلوكية ويوجهه إلي الصواب، سألت د.رحاب عن أهمية وجود طبيب متخصص قريب من الرئيس المرتقب لمراعاة حالته النفسية وأهمية ذلك من الناحية العلمية؟ فقالت: يُفضل أن يكون هناك صديق مخلص يتقي الله في صديقه (الرئيس) والوطن، فالصديق الحق يستمع إلي هموم صديقه ويوضح له الصورة ويرجعه عن الخطأ، لكن وما أن قل الإخلاص والصدق في ظل طغيان المادة علي المجتمع، بحيث يكون من الصعب وجود الشخص الذي يوجه رئيس الجمهورية ويقول له إنه أخطأ في أمر من الأمور أو في قرار من القرارات، فإنه يُفضل في هذه الحالة وجود الطبيب النفسي لأنه أقسم علي أن يعالج المريض ويصحح مساره، فإذا لاحظ بوادر جنون العظمة أو "البارانويا" أو أعراض التردد ساعد الرئيس علي اجتياز المرحلة وعلاجه وإن شك أن عامل السن بدأ يؤثر في قرارته وأفعاله طلب منه وبصدق وحب للوطن وإخلاص لمهنته أن يترك زمام الأمور لمَنْ هو أجدر بها. ويظل أبناء المرشح الفائز بمقعد رئيس الجمهورية وكذا أفراد أسرته عموماً يشكلون عبئاً نفسياً عليه بما يجعله يضع آراءهم نصب عينيه وربما يؤثرون في قراراته مثلما حدث في عهد الرئيس المخلوع، لذا تقول استشاري الصحة النفسية: الله تعالي يقول "إن من أبنائكم وأزواجكم عدوا فاحذروه"، وهذا ما حدث مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن الفريق شفيق لديه 3 بنات والبنت ما دامت تزوجت فإنها تهتم ببيتها وعملها وإلي جانب أن بنات الفريق طوال عمرهن مميزات بتقلد والدهن مناصب عدة مرموقة فقد كان طياراً ثم وزيراً للطيران ثم رئيساً للحكومة الأخيرة في عهد مبارك، وبالتالي فإن المنصب بالنسبة لهن ليس بهرجة أو شيئاً جديداً عليهم، ومن هنا لا أعتقد أن شفيق وأي مرشح حتي من الذين خسروا المنافسة لو قدر له أن يجلس علي كرسي الرئيس أنه كان سيكرر خطأ من سبقه في "حشر" أولاده في السلطة ويجب أن يقدم الأبناء أيضاً إقرار ذمة مالية قبل وبعد تولي والدهم منصب الرئيس حتي لا تتكرر أخطاء الماضي. في السياق ذاته فإن د.مرسي لديه ولدان ذكور هما أصحاب المشكلة الشهيرة مع ضابط الشرطة في الزقازيق، كما أن تمتع أبناء مرسي بالجنسية الأمريكية قد يشكل عبئاً عليه، وبالتالي أولي بالأبناء الآن التنازل عن هذه الجنسية، لأن الأب (مرسي) قدر يضطر إلي تغيير بعض قراراته متأثراً بجنسية ولديه الأمريكية. وبوجه عام كان ضروريا أن يحدد كل مرشح عمل أبنائه وحجم دخلهم حتي لا نجد أنه بمجرد أن يتولي الأب زمام الحكم يصبح أحد الأبناء مديراً لبنك أجنبي أو أنه اشتري من مصروفه أراضي ومصانع! وسألتها.. في ضوء قراءتك لشخصية مرسي أوشفيق من واقع متابعتك لأحاديثهما وتصريحاتهما للإعلام وردود فعلهما تجاه بعض القضايا ما أبرز الأمراض التي يمكن أن يصاب بها كل من المرشحين؟ فقالت: كلاهما يمتاز بالأخلاق العالية والأدب في الحوار والذكاء والمرونة في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليهما، لكن يلاحظ علي الفريق شفيق أن ضغط العمل بدأ يظهر عليه واضحاً في الأيام الأخيرة قبل بدء جولة الإعادة وربما يكون السبب في أنه كان يدير حملته الانتخابية بنفسه دون مساعدة علي عكس د.مرسي الذي تقف وراء حملته "جماعة" كاملة. وتضرب د.رحاب مثالاً علي كلامها بقولها: نجد أن حوار الفريق شفيق لإحدي القنوات الفضائية امتاز بالحدة والسبب أنه بالأساس رجل عسكري لا يحب الكلام الكثير. أما د.مرسي فقد تربي في مؤسسة تعتمد في تأثيرها علي مهارات الكلام والإقناع، لكن أقول إن د.مرسي والفريق شفيق مثل اثنين بدءا سباقا في أوله بدت علي كل منها ملامح النشاط والهدوء والابتسام ومع قرب النهاية بعد مراحل السباق الطويل وبذل الكثير من الجهد وتأثير عوامل الحر تجد أن هناك عدة أمور تغيرت في طريقة الحوار أو الأسلوب الذي صار أكثر حدة من ذي قبل. اكتئاب وغرور أما عن الأمراض التي قد يُصاب بها د.مرسي وشفيق، فلدينا خاسر ورابح في سباق انتخابات الرئاسة، الخاسر يمكن أن يصاب بالاكئتاب أما الرابح فيمكن أن يبتعد عن الطريق السليم ويصاب بجنون العظمة "بارانويا" وهذا أقرب للفريق شفيق في حال فوزه، وهناك رؤساء وزعماء كثر حول العالم بدأت حياتهم متواضعة ثم مع الوقت تحولوا إلي مجانين بالعظمة والكبر والغرور مثل القذافي الذي بدأ حياته شاباً مجاهداً وانتهت مثل ما انتهت. وهنا أحب أن أقول إن حياة المرء مليئة بالشهوات، فالسلطة شهوة والكلام شهوة والأكل كذلك وحب الظهور في الإعلام شهوة إن لم يتحكم المرء في هذه الشهوات تحمكت هي فيه وأذلته. لذا يجب أن يعي المرشح الرابح أنه وبدون كلام إنشائي جاء ليحقق أحلام البسطاء من الشعب ويرسم لهم ملامح حياة كريمة وأن يعي أن هذا عمل كلفه به الله عز وجل إما كان سبباً في رحمته دنيا وآخرة أو في لعنته دنيا وآخرة، فإن أحب الأعمال إلي الله إدخال الفرح علي إنسان، فلكل مرشح أن يتخيل حجم الفرح الذي سيدخل قلب العشوائيات أو قلب المسن إذا وجد علاجه أو المرأة المعيلة إذا أعالتها الدولة وأبناءها أو مسافر في طريق ممهد وآمن.. إلخ. وعموماً كل مرشح يتكلم ويعد ونتمني أن يفي بوعده لكن في النهاية نحن بشر، ومن الوارد أن يقع أحدهما في أي خطأ، ولكن د.مرسي يمكن أن يصاب بمرض التبرير والتسويف فقد وعد بأشياء ويمكن أن يظل يبرر لماذا هذا حدث ولماذا هذا لم يحدث، والفريق شفيق يمكن أن يقول حدث هذا أو لم يحدث بشكل قاطع وحاد وغير قابل للنقاش. وتستكمل د.رحاب تفنيد جملة الأمراض النفسية التي تتوقع إمكانية أن يصاب بها المرشح الفائز بالمنصب قائلة: الأمراض التي قد يصاب بها د.محمد مرسي تختلف عن تلك التي قد تصيب الفريق شفيق، فمرسي يمكن أن يصاب بالذهول، فبعد أن كانت "الجماعة" مطاردة يصير في صدارة المشهد السياسي ويسلم علي زعماء العالم والقصور الملكية التي كان البعض لا يجرؤ علي المرور من جانبها ولو علي بعد كيلومترات أصبح مكتبه جزءاً منها وأضحت مكاناً لتلاقي الأصدقاء والمسئولين للتباحث في شئون البلاد، فنحن بشر نخطئ ونصيب ونتأثر بما حولنا والأحداث الجديدة فيها، وبالتأكيد يجب أن يصاب كلاهما بالقلق والتوتر مع بداية تولي المنصب، لأنها مسئولية كبيرة ولأن هناك ملايين الأعين تنتظر وقوع الرئيس الجديد في خطأ واحد. فوبيا الاغتيال السياسي وحول مسألة خوف المرشح الرابح من فوبيا الاغتيال السياسي فور توليه منصب الرئيس أو حتي أثناء فترة ولايته؟ فتقول د.رحاب: بالنسبة لموضوع الخوف من الموت فشفيق منذ كان عمره 18 عاماً يعلم أن الموت شرف لمن يخدم الوطن وشعار الجيش هو النصر أو الشهادة، ود.مرسي خلفيته الإسلامية تنطلق من قول الله تعالي "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" و"لكل أجل كتاب"، فلا أعتقد أن أحدهما يخشي الموت. وأخيراً تختتم د.رحاب حديثها بأمنية يحلم بها كل مصري وتقول: نتمني ممن يتولي حكم مصر الحزينة أن يحولها إلي مصر السعيدة الشابة وأن يتذكر الشهداء الأحياء، فلدينا في مصر مواطنون قتلهم الفقر بالبطيء وشهداء المرض دون علاج وشهداء اسطوانات الغاز ورغيف العيش وشهداء التعليم المتأخر والدروس الخصوصية التي لا يقدر عليها الكثيرون.. نعلم أنها مسئولية كبيرة ونتمني أن يتولاها من يستطيع أن ينقذ مصر والمصريين.