المصريون خرجوا لاختيار الرئيس فى أول انتخابات حقيقية مازال القطاع الإعلامي في مصر من ضمن حزمة من القطاعات التي لم يطالها التغيير والتطهير، فمازال حال الإعلام يفتقر إلي المهنية وحسن الأداء، وهذا مابدا واضحا في تغطية الانتخابات الرئاسية التي اتسمت بالتحيز وافتقار الحيادية والمهنية. ولعل استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها العديد من القنوات الإعلامية سواء المرئية أو المقروءة قد اتسمت بالتحيز وعدم الحياد ،وغلبت المصالح والأهواء الشخصية علي العمل الإعلامي. فنجد بعض القنوات الفضائية التي يمتلكها رجال أعمال لمعوا في فترة ما بعد الثورة ينحازون نحو مرشحين بأعينهم ويروجون لأفكار النظام القديم. وهناك بعض الجرائد التي تفرد مساحات لعرض برامج لمرشحين بعينهم للترويج لهم وتحقيق الربح والمصالح والأهداف الشخصية دون مراعاة لمبادئ العمل الصحفي. التقرير الصادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حول ملامح التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية، وتقييمها أثناء فترة الدعاية، والتي امتدت من 30 إبريل وحتي منتصف ليل الأحد 20 مايو الجاري قدم تقييما للأداء الإعلامي المرئي (التليفزيون)، والمقروء خلال تلك الفترة، وأبرز الانتهاكات المهنية التي ارتكبتها وسائل الإعلام حيث أوضح أن خبرة الإعلاميين في إدارة تغطية مهنية لانتخابات رئاسية 'ثورية' بدت محدودة إلي حد كبير، وتفتقر في بعض منها إلي الابتكار في نمط الأسئلة، وطبيعة البرامج، وأشكال الدعاية، علي الرغم من تمتع الإعلاميين بدرجة من الحيادية، والاهتمام بالناخبين. أشار التقرير إلي أن تشابه أسماء البرامج الانتخابية للمرشحين يدل علي افتقار الابتكار، فجاءت أغلب الأسماء متشابهة، مثل الرئيس القادم، ومصر تنتخب الرئيس، ومن الرئيس؟، والرئيس من ماسبيرو، ومصر تختار الرئيس، ومع الرئيس. كما أنه رغم لجوء بعض هذه الوسائل إلي الاختلاف، فظهر فن المناظرة، ومحاولة أخري للخروج من قالب الضيف والمذيع، ابتكرت إحدي القنوات الفضائية فكرة الاستعانة بالخبراء، مما يُعد اعترافًا ضمنيًا من القناة بتفوق هؤلاء الخبراء. ويشير التقرير إلي غياب الوعي بالدور الإعلامي في العملية الانتخابية لدي اللجنة العليا للانتخابات، منددة بتعسفها ضد العمل الإعلامي، ووضعه تحت رحمة رئيس اللجنة، الذي يُحدد الوقت المتاح للصحفي داخل اللجنة، دون إدراكه بالوقت اللازم للعمل الصحفي، إضافة إلي منعه من عمل حوارات مع موظفي اللجنة، بل من التصوير أيضًا، وهي الوسيلة الوحيدة لإثبات الانتهاكات. إضافة إلي غياب الضوابط القانونية والمهنية المتعلقة بالإعلاميين، مثل منع الإعلاميين من الإفصاح عمن سيقدمون دعمهم لهم في الانتخابات، ومنع انضمامهم للحملات الدعائية للمرشحين، حيث يوقع الصحفي أو الإعلامي علي مجموعة من المبادئ يلتزم بمراعاتها أثناء تغطيته للانتخابات، ويعاقب إذا خالفها. أوضح التقرير أن الانتخابات البرلمانية، وانتخابات الرئاسة خلال فترتي تلقي أوراق الترشيح، والدعاية، قد أثبتت أن اللجنة العليا لا تهتم بملاحقة المخالفات الإعلامية والدعائية. وأنه رغم أن أغلب المرشحين ووسائل الإعلام لم يلتزموا بقرار حظر الدعاية قبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين، إلا أنه إلي الآن لم تتخذ اللجنة إجراءات رادعة تجاه المرشحين المخالفين، علاوة علي ارتكاب المرشحين، وكذلك وسائل الإعلام العديد من المخالفات المتعلقة باستخدام الشعارات الدينية، وغيرها. كذلك، يوضح التقرير أن اللجنة العليا للانتخابات لا تمتلك السلطة علي القنوات الخاصة، ولكن يقتصر اختصاصها علي القنوات المملوكة للدولة، التي يمكنها أن تراقب محتواها الإعلاني قبل بثه. وأوضح التقرير أن وسائل الإعلام لم تهتم بكون المرشح ينتمي إلي حزب معين، علي الرغم من وجود عدد كبير من المرشحين ينتمون إلي أحزاب، حتي إعلان حزب الحرية والعدالة عن مرشحه، فبدأت القنوات في الخلط بين أخبار الحزب وأخبار المرشح. وأشار التقرير إلي أن مقدمي البرامج كانوا يستندون إلي المناصب القيادية التي كان يتولاها بعض المرشحين، وتقييمها إيجابيًا وسلبيًا، مع تهميش المرشح »العادي« الذي لم يتقلد مواقع قيادية في الدولة، والمرشح الذي لا ينتمي إلي حزب سياسي، الأمر الذي أوضح التقرير أنه افتقار للمهنية، مشيرًا إلي أن مسئولية الإعلامي تتضاعف حال وجود مرشح غير معروف. وعلي صعيد آخر، أدان التقرير غياب العدالة في توزيع الاهتمام الإعلامي علي المرشحين، حيث أوضح التقرير أن أي مراقب للأداء الإعلامي للانتخابات سوف يتصور أن الصراع الرئاسي دائر بين أربعة مرشحين أساسيين، وأربعة آخرين جاءوا في المرتبة الثانية بفارق كبير، بينما علي الأقل عاني خمسة مرشحين من تهميش إعلامي متعمد في جميع وسائل الإعلام، بما يعكس عدم العدالة في توزيع المساحات. وأضاف التقرير أن عددا من المرشحين لم تبذل وسائل الإعلام أدني جهد في تعريف الناخب بهم، وقد تعمدت بعض الصحف تجهيلهم أحيانًا، وتجنب وضع صورهم في الأخبار، التي ورد فيها ذكرهم وكأنها تتعمد عدم تعريف المواطن بهم. وأوضح التقرير أن وسائل الإعلام لجأت إلي أسلوب الدعاية غير المباشرة، عن طريق الزج بإعلانات بعض المرشحين في مواضع ومواقيت تنطوي علي نمط دعائي إيجابي أو سلبي. كذلك أفاد التقرير أن هذه الوسائل قد عرضت تقارير من شأنها دحض ادعاءات المرشح، أو تكذيبه دون علمه، ودون إعطائه حق التعليق عليها، فيبدو الأمر وكأن الوسيلة تُكذبه أمام المتلقي، بحسب ما جاء في التقرير، وكذلك وضع خبر ينال من مرشح، إلي جانب تغطية لأحد مؤتمراته الانتخابية، بما يُعطي للقارئ انطباعا بعدم صحة تأييده الجماهيري في خبر تغطية المؤتمر الانتخابي. أشار التقرير إلي أن أداء بعض الإعلاميين اتسم بالمبالغة في محاصرة بعض المرشحين بأسئلة تبدو هجومية، ومستفزة أحيانًا، بينما بدوا مع مرشحين آخرين أقل حدة وهجوما. وأشار التقرير إلي أن بعض مقدمي البرامج لجأوا إلي تخفيف حدة الأسئلة، وتبسيطها، وتفريغها من مضمونها، لصرف الانتباه عن عجز الضيف عن الإجابة. وأشار التقرير إلي أن هناك عددا من الأسئلة الممنوعة في الإعلام، قد لجأ إليها عدد من الإعلاميين، وهي (من ستختار، لماذا اخترت فلانا، ولماذا لم تختر فلانا)، حيث أوضح التقرير أن هذه الأسئلة تنطوي علي مدخل واضح للدعاية السلبية أو الإيجابية للمرشح. وأوضح التقرير أن إعلان النتائج مُجمعة في نهاية الانتخابات مع توضيح نسبة كل مرشح من الداخل والخارج، ربما كان أفضل وأكثر مهنية. فنجد أن الإعلامي أحمد المسلماني، انتقي في برنامجه معظم الأخبار الموجهة ضد مرشحين لصالح مرشحين آخرين للرئاسة ، الذين تحتل أخبارهم 92٪ من مساحة البرنامج، فيما انحازت مني الشاذلي وبرنامجها "العاشرة مساء" بإيجابية غير مبررة لصالح بعض المرشحين وعرض برامجه وإعلانها تأييده . وعلي قناة "أون تي في" التزمت معظم البرامج بالحيادية ظاهريا، مع استمرار فكرة الانتقامية في الأخبار. واتخذ برنامج "بلدنا بالمصري" منحني مناسبا في عرضة للأخبار والتغطية حول التيارات السياسية المختلفة، ومرشحيهم ونقل أخبارهم وبرامجهم .وعن قنوات الحياة، فقد اتخذت منحي متوازنا إلي حد ما في التغطية الإخبارية، وقد قدم العديد من التغطيات حول حملات المرشحين، وانفرد بعمل حوار مع أحد أساتذة الإعلام لمعرفة المعايير الموضوعية للتغطية الإخبارية، وعرض السير الذاتية للمرشحين للرئاسة . فقد خرج مذيعي ومقدمي البرامج عن الحياد والمهنية وإعلانهم من خلال هذه البرامج عن انتماءاتهم وانتخابهم لمرشح بعينه ، بداية من إعلان مني الشاذلي المذيعة في برنامحها علي قناة دريم تأييدها للمرشح الرئاسي حمدين صباحي علي الهواء أثناء تقديمها لإحدي حلقات العاشرة مساء ، إلي ما حدث في حلقة من برنامج "السادة المرشحون" بقناة "أون تي في« من تعرض مقدم البرنامج إبراهيم عيسي، بالسخرية والتشويه لشخص أحد المرشحين للرئاسة، حيث تحدث عنه بطريقة غير لائقة، وبأداء يتسم بالتقليل من شأنه. ومن جانبه يقول صفوت العالم أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة أن التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية افتقدت جانبا هاما من حرفية التغطية والمهنية، وهو ما يعد نقطة ضعف جديدة في التغطية الإعلامية، وبالشكل الذي قد يحول دون تحقيق الحياد، لتضاف إلي نقاط أخري أبرزها سيطرة الحكومة علي أجهزة الإذاعة والتليفزيون، ورأس المال علي الفضائيات الخاصة ، فلابد أن يكون الحياد الإعلامي ذا قواعد وأسس. وتضيف أستاذ الإعلام مني الحديدي أنه غالبا ما يعتمد الإعلام علي الإنشاء والاجندات المستهلكه فما زال دور المراسل أو المذيع غير محدد معتمدين علي كلام إنشائي ولا يعطي معلومات فالجانب المعلوماتي مطلوب في هذا التوقيت المهم، كما حدث كثيراً الخلط بين الخبر والرأي وهذا له موقعه وهذا له موقع آخر، فالجمهور يحتاج إلي أخبار ومعلومات والتعليق والتحليل والتفسير يأتي من الخبراء، كما لاحظت استهلاك بعض الوجوه في نفس الفترة فمثلا خبير استراتيجي يتحدث عن المظاهرات والاعتصامات هو نفس الشخص الذي تحدث عن الانتخابات فكانت الحوارات تدور في فلك شخصيات محدودة ولا تهتم بالتخصصات الدقيقة.