ا لثورة صحوة أيقظت النيام.. الثورة محنة والمحنة هي الضوء المبهر الذي يكشف خبيئة الأشياء.. حقيقة الأشخاص، كيف يتحول البشر.. هي اللذة والألم في مشاهدة سقوط الأقنعة المهترئة وورقة التوت البائرة. عرفت أن أبشع أنواع العري هو العري السياسي والإنساني. هو يقوض الوجود، الوطن والدين هو نوع من التدمير الجماعي وإعلاء المصالح الشخصية البغيضة، المباشرة. إنه فساد الساسة وبعض من النخبة.. فهم كل يوم في شأن، يتعرون، يصفقون، يصرخون، يكتبون، يكذبون، يتلونون ينعقون مقابل قطعة من هيكل عظمي ورثناه. لقد أبرز نجيب محفوظ هذا المحور في العديد من إبداعاته (اللص والكلاب)، (السمان والخريف) ، (زقاق المدق) فنجد نظرية المومس الفاضلة، فهي نور العاهرة الفاضلة تبيع جسدها البض فحسب أما روحها فتظل نقية، محبة، سخية وفي المقابل يبيع الفاسد رؤوف علوان وطنا بأسره، يراوغ، يدلس، ينحر المبادئ علي مذبح الانتهازية، وتبزغ ريري بنت الأزقة المعتمة المشربة برائحة بحر الإسكندرية، يلقي بها الهواء المتلاطم في أحضان العابرين من الرجال مثل عيسي الدباغ الذين لوثهم الجشع وشهوة السلطة المعربدة وليس بغريب أن يختار نجيب محفوظ اسم نور لبطلة (اللص والكلاب) فهي ترمز إلي الشفافية، هي ضحية الفقر، الظلم وقهر المجتمع الذي امتطي عرشه من احترفوا البغاء السياسي في كل الأزمنة والأمكنة، هي نفيسة (بداية ونهاية) البداية فتاة فاضلة والنهاية امرأة أو فريسة تتعهر في دنيا غاشمة تلفظ البؤساء، فالمومس الفاضلة كما سطرها جان بول سارتر أنبل من العديد من القامات التي يعج بها المشهد المصري اليوم، هي تفرط في ذاتها لا في شعب بأسره، لايشفع لهؤلاء أن مصر علي حافة هاوية، إما أن تنهض بفعل تيار مدني لدولة حديثة، تشيد علي التسامح، الحريات، المواطنة، العدالة الاجتماعية والكرامة، وإما تسقط وتغوص في سراديب الإسلام السياسي صاحب الألف وجه ولكن الهدف واحد: قمع الحرية الإنسانية، حرية الاختيار التي أنعم الله بها علينا لتتبع مصر »كتالوجاً أحادياً، متصلباً، متسلطاً« لصاحب الهوي!! وأتعجب كيف يقبل مرشحو التيار الديني الدعاية في بيوت الله، المساجد المنزهة عن كل غرض ومصلحة، كيف تتعملق الانتهازية لتصل إلي عنان السماء وبيوت الله في الأرض؟ هل الغاية تبرر الوسيلة تصلح حتي في العقيدة النبيلة؟ هل الديمقراطية اختراع مصري ليس له قواعد، ضوابط وأصول راسخة وشفافة؟! وأتعجب مرة أخري من الرؤساء الذين قبلوا أن يخوضوا المعركة بلا صك شرعي، عقد اجتماعي هو الدستور، فهاهي مصر ستستقبل رئيسا لاتعرف صلاحياته وهو لايعرف صلاحياته، لتحتفي مصر قريبا بلقاء الغرباء!! ليصبح د. البرادعي جديرا بكل التقدير فلقد تحلي بفضيلة الانسحاب ورفض أن يسير معطيا ظهره مكللا بعتمة مروعة تحض العالم علي السخرية من شرقنا السعيد الذي أتقن الهرولة إلي الوراء، تحكمه الغريزة ومكاسب لحظة غائصة دوما في العدم. وأؤكد أنه يجب ترشيد الأصوات وعدم تفتيتها بالنسبة لتيار الدولة الحديثة، فالمسألة خطيرة ووجب الابتعاد عن الشخصنة فلم نعد نملك رفاهية الاختيار، والهدف إنقاذ الهوية المصرية من الطمس والاندثار. وأكرر لايوجد مايسمي مرشح لكل المصريين ولكن عندما يصبح رئيسا نعم ولقد رأينا في فرنسا المرشحة لوبان اليمينية المتطرفة واضحة، شفافة، تحض علي مباديء عنصرية، كريهة ولكنها خسرت بشرف، فلم تتحايل، تراوغ، تخادع من أجل التهام أكبر عدد من الأصوات، أين نحن من هذا الشرف السياسي. هنا نتقن سياسة التكويش، الاحتكار وغسيل مخ العوام. وأندهش من تلك الأموال النافقة، الطائلة الملقاة في الدعاية الانتخابية، كان من الممكن أن تحل جزءا كبيرا من مأساة العشوائيات وهو أعظم برهان علي اهتمام السادة المبشرين بالرئاسة ببؤساء هذا الوطن الذين أحنوا قاماتهم لالتقاط فتات الأباطرة الجدد. لقد استوقفتني لوحة سلفادور دالي تأملتها تبرز جسدا عاريا مكتظا بالأدراج، الخبايا والخفايا، المركبة فالنفس البشرية مكتظة بالتناقضات الغائرة، بالمفاجآت، والويل من لحظات العري الإنساني الفاضح، الفادح. يقول نزار: (نريد جيلا غاضبا، نريد جيلا يفلح الآفاق وينكش التاريخ من جذوره وينكش الفكر من الأعماق، نريد جيلا قادما مختلف الملامح لايغفر الأخطاء.. لا يسامح .. لاينحني.. لا يعرف النفاق.. نريد جيلا رائدا.. عملاقا.. أنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال ويقتل الأفيون في رءوسنا. أنتم طاهرون كالندي وكالثلج طاهرون.. لا تقرأوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال.. فنحن خائبون ونحن منخورون منخورون.. كالنعال.. لا تقرأوا أخبارنا لاتقتفوا آثارنا.. لا تقبلوا أفكارنا.. فنحن جيل القيء والزهري والسعال ونحن جيل الدجل والرقص علي الحبال.. يا أيها الأطفال.. يامطر الربيع.. يا سنابل الآمال.. أنتم بذور الخصب في حياتنا العميقة وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة.