النجاح الكبير الذي حققه "مهرجان المسرح العربي" في دورته العاشرة بالقاهرة فجر بعض القضايا الفنية والفكرية الهامة، ولعل من أهمها قدرة هواة المسرح علي حمل شعلة الإبداع والتطوير برغم جميع الصعوبات والمعوقات التي تواجههم. لمفاجأة التي تستحق الدهشة والتقدير هي أن تكلفة تنظيم هذا المهرجان لم تتعد مبلغ خمسين ألف جنيه شاملة الإقامة الكاملة والانتقالات لعدد ستين فنانا يمثلون عشر دول عربية شاركوا بفعاليات في هذه الدورة!! والأعجب أن لجنة المهرجان مازالت تنتظر الدعم من وزارة الثقافة المصرية عشرين ألف جنيه ومن الهيئة العربية للمسرح (خمسة آلاف دولار) أسوة بالسنوات الماضية!! يقول عصام عبد الله رئيس مجلس إدارة الجمعية وأمين عام المهرجان إن الجمعية خلال الدورتين السابقتين حصلت علي هذا الدعم ولكننا ندفع هذا العام ضريبة النجاح، فقد تقدمنا لوزارة الثقافة بطلب الدعم منذ عهد الوزير السابق د.عماد أبوغازي ثم جددنا الطلب في عهد الوزير الحالي د.شاكر عبد الحميد وإلي الآن وبعد انتهاء فعاليات المهرجان مازلنا ننتظر الدعم!!، كذلك توجهنا للهيئة العربية للمسرح بالشارقة - والتي تقوم بتنظيم مهرجان سنوي بإحدي الدول العربية وتصرف عليه بالملايين، وطالبنا بتدعيم المهرجان بنفس قيمة دعم السنوات الماضية خمسة آلاف دولار، ومع ذلك فإن المسئولين هذا العام لم يكلفوا أنفسهم حتي مشقة الرد علي طلبنا سواء بالرفض أو الاستجابة!! ويقول مؤسس ومدير المهرجان د.عمرو دوارة مازلنا للأسف حتي بعد الثورة نعاني من الإدارة الفاشلة والمعوقات ويكفي أن أذكر أننا قدمنا طلبا رسميا للبيت الفني للمسرح لاستضافة فعاليات المهرجان وإلي الآن لم يصلنا الرد برغم انتهاء فعالياته!! - ولولا التدخل الشخصي لرئيس المهرجان د.أحمد مجاهد واستجابة د.خالد عبد الجليل بتخصيص مركز الهناجر للفنون لواجهت الوفود العربية مشكلة وأزمة حادة، والحقيقة أنني لا أميل إلي أسلوب الشكوي أو إرجاع ذلك إلي نظرية المؤامرة والغيرة الفنية وتصفية حسابات ولكنني أؤكد أنها فشل وعجز إداري، كذلك أري أن "الهيئة العربية للمسرح" تنحرف حاليا للأسف عن أهدافها المعلنة، فلا يوجد أي سبب لعدم دعم مهرجان أصبح بشهادة الجميع من أهم المهرجانات المسرحية بالوطن العربي، والمحزن أنني أعلم جيدا مدي حماس مؤسس الهيئة ورئيسها الشرفي سمو الشيخ د.سلطان القاسمي لأنشطة المسرح الجادة ولشباب ولهذا المهرجان، حيث شرفت بلقائه أكثر من مرة، ولكنها أساليب الهيئة الاستشارية والتي تري أن استمرار ونجاح مهرجاننا مؤرق لهم لوضعهم في إطار المنافسة!! الجدير بالذكر أن فعاليات الدورة الأولي لمهرجان "المسرح العربي" قد انطلقت بالقاهرة مع بداية الألفية الجديدة وبالتحديد عام 2001 وذلك بعد نجاح لجنة المهرجانات بالجمعية في تنظيم عدة مهرجانات متخصصة، وكان من أهمها تنظيم أول مهرجان للمسرح التجريبي بالوطن العربي عام 1986 والذي حقق نجاحا كبيرا جماهيريا وأدبيا (مما دفع وزارة الثقافة إلي تبني فكرة تنظيم مهرجان دولي للمسرح التجريبي عام 1988). وكان القرار الحاسم بتنظيم مهرجان للمسرح العربي مع بداية الألفية الجديدة من واقع الحرص علي تأكيد الهوية العربية وتحقيق فكرة تبادل الخبرات باستضافة بعض الفرق الكبري بمختلف الأقطار العربية التي تعني بمسرح الفكر والكلمة، والتي تحرص علي تقديم خطاب درامي يتواءم مع واقعنا العربي المعاصر، ويتناسب مع تلك التحديات التي تواجه أمتنا العربية كلها، خاصة أن "مصر" تفتقد لمثل هذا المهرجان وتحديدا بعد وأد المحاولة الوحيدة في هذا الصدد وهي "ملتقي المسرح العربي" الذي نظمت دورته الأولي والوحيدة عام 1994. نجاح الدورات المتتالية كان له أكبر الأثر في استمرارية هذا المهرجان، الذي أصبح يمثل لجميع المبدعين العرب فرصة حقيقية لتبادل الخبرات وتحقيق التواصل والتأكيد علي الهوية العربية، وقد نجح المهرجان بالفعل خلال دوراته المتتالية في استقطاب كبري الفرق المسرحية بالوطن العربي المشاركة بفعالياته ويذكر منها علي سبيل المثال: الفرقة القومية، الفرقة الوطنية للتمثيل، مختبر بغداد المسرحي، فضاء التمرين المستمر (العراق)، المسرح الحر، فرقة طقوس (الأردن)، نقابة الفنانين بحمص، تجمع ميماس الفني (سوريا)، فرقة الناصرة (فلسطين)، فرقة دبا الحصن (الإمارات)، المركز الشبابي للفنون المسرحية (قطر)، الجمعية العربية للثقافة والفنون (السعودية)، مختبر الإبداع الليبي، القومية ببنغازي، المسرح الجوال، رابطة الفنانين بطرابلس (ليبيا)، فرقة سويسي فنون، فرقة سنديانة، تيوليب للإنتاج الفني (تونس)، جمعية الباليري، فرقة مسرح سطيف (الجزائر)، فرقة المشهد المسرحي (المغرب). وحول الاستقالة التي تقدم بها كل من مؤسس ومدير المهرجان د.عمرو دوارة وأمين عام المهرجان، يقول عصام عبد الله إن المناخ الحالي يتطلب جهدا خرافيا لتقديم أي عمل جماعي، وأن رئاسة مجلس إدارة الجمعية أو المشاركة في تحمل مسئولية تنظيم مهرجان مهمة شاقة فعلا وتستنفد الكثير من الوقت والجهد، وأنه قد آن الأوان ليوجه خبراته ودراسته الأكاديمية تجاه عشقه الأساسي لفن التمثيل، في حين أفاد د.عمرو دوارة أنه قد منح هواة المسرح ثلاثين عاما من عمره ويفضل أن ينسحب في هدوء في أعقاب دورة ناجحة بجميع المقاييس محتفظا بحب واحترام الجميع له، خاصة أن الجمعية بها الآن عدد كبير من القيادات الشابة القادرة علي التخطيط والقيادة، وإن شاء الله سيستمرون وينجحون في تنظيم دورات جديدة للمهرجان علي أعلي مستوي من الجودة والتنظيم.