يهتم علم الوراثة البشرية بدراسة آليات انتقال الصفات الوراثية عند الإنسان، خاصة تلك المرتبطة بأمراض وراثية، فالأخيرة تشكل نسبة لا يستهان بها نظراً لارتباطها ببعض العادات الاجتماعية، وتعد شعبة الوراثة البشرية والجينوم أحد الصروح العلمية الرائدة علي مستوي العالم العربي التي أخذت علي عاتقها التصدي لهذه النوعية من الأمراض.. »آخر ساعة» التقت الدكتورة مني عبدالرازق رئيس شعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم بالمركز القومي للبحوث وأجرت معها الحوار التالي: متي بدأ دخول علم الوراثة البشرية إلي مصر؟ - علم الوراثة بدأ في مصر منذ أكثر من أربعين عاماً في المركز القومي للبحوث علي يد الدكتورة سامية التمتامي رائدة علم الوراثة البشرية، فبعد عودتها من بعثة لجامعة جون هوبكنز الأمريكية في أمريكا وحصولها علي درجة الدكتوراه في علم الوراثة قامت بتأسيس معمل الوراثة البشرية في ذلك الوقت، وبوجود رؤية واضحة تطور المعمل إلي قسم ثم إلي شعبة تعادل الكليات الجامعية وهي تنقسم إلي ثمانية أقسام تضم تخصصات منها تخصص متميز للغاية غير موجود سوي في أماكن قليلة علي مستوي العالم وهو تخصص وراثة الفم والأسنان وهناك أيضاً العيادات التي تعد قسما منفردا، إلي جانب المعمل البيوكيميائي ومعمل الخلايا (الكروموسومات)، ومعمل الحمض النووي ومعمل الإنزيمات ومعمل أمراض المناعة الوراثية، ولكي تكتمل المنظومة قمنا بإنشاء مجلة علمية، بالإضافة إلي الجمعية القومية للوراثة البشرية. حدثينا عن مركز التميز في الوراثة البشرية؟ - علم الوراثة هو علم يتطور عالمياً بصورة مستمرة، فكان من الضروري أن يتم مواكبة هذا التطور في مصر، لذلك تقدمت الدكتورة سامية التمتامي بمشروع علمي كبير وهو إنشاء مركز التميز في الوراثة البشرية، وبعد منافسة قوية للغاية مع مشروعات بحثية أخري نجحت في الحصول علي مبلغ مالي يقدر بعشرة ملايين جنيه من صندوق العلوم والتكنولوجيا التابع لوزارة البحث العلمي لتمويل هذا المشروع، فتم شراء أجهزة حديثة ومعدات متطورة لهذا المركز لتضاهي نتائجه النتائج العالمية، فما يميزه هو تكامل المعامل الموجودة به مع بعضها البعض بالإضافة إلي عامل الخبرة والكفاءة ممثلا في الباحثين العاملين به، ومع تطور المركز أضيفت تخصصات جديدة كجلسات التخاطب وتنمية المهارات لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من أمراض وراثية وكذلك القيام بالتأهيل العضلي والحركي. ما هي الخريطة الجينية الوراثية؟ - الخريطة الجينية هي خريطة تحمل الصفات الوراثية للإنسان، وفي عام 2000 كان هناك مشروع عالمي ضخم مقسم علي أكثر من مركز بحثي تشترك به خمس دول كبري حتي يتم فك شفرة الخريطة الوراثية ومعرفة وظيفة كل الجينات بدقة. وماحجم المكتشف منها حتي الآن؟ - النسبة التي تم التوصل إليها حتي الآن لا تزيد علي 18% فقط من الشريط الوراثي البشري ووظيفة الجينات الموجودة به، ومازال البحث قائماً في هذا المجال حتي الآن. معدل زواج الأقارب في مصر يزيد علي 25% هل هذا يرفع من نسبة حدوث الأمراض الوراثية؟ بالتأكيد، بل إن هذا المعدل قد يرتفع إلي نسبة تتراوح 33% إلي 38% في بعض المناطق، وعند معاينة المرضي القادمين إلينا نجد أن نسبة زواج الأقارب بينهم تصل إلي 50%، وزيادة نسبة الأمراض الوراثية في حالة زواج الأقارب عن غيرها مردها أن كل إنسان لديه عيوب في الجينات، وكلما ازدادت صلة القرابة بين الزوجين كلما ارتفعت احتمالية تقابل ذلك الخلل في الطرفين ومن ثم ينتقل إلي الجنين لتبدأ أعراض المرض في الظهور عليه، لذلك نحن دائماً ما نشدد في وسائل الإعلام علي ضرورة اللجوء إلي الاستشارة الطبية للمقبلين علي الزواج خاصة إذا ما كان هناك مرض وراثي بالعائلة، فإجراءات المتابعة قبل الزواج وأثناء الحمل وفترة ما بعد الحمل تمكننا من تقييم احتمالات الإصابة بالمرض بصورة مبكرة. هل معرفة الحمض النووي للإنسان تعطي القدرة علي توقع إصابته بمرض معين؟ منذ عدة أعوام ظهرت شركات عالمية تفيد أنه عن طريق إرسال عينة من دماء شخص ما يمكنها أن تضع له قائمة للأمراض التي يمكن أن يصاب بها، مثل السكر أو القلب أو السرطان ومن هنا يمكن لهذا الشخص أن يأخذ إجراءات احترازية عبر مراقبة نظامه الغذائي ومتابعة حالته الصحية بصورة مستمرة، لكن عند الحديث عن تعديل الجينات البشرية لمعالجة مكمن الخلل بها فهذا الأمر وإن كان ممكنا من الناحية النظرية فإن تطبيقه يخضع لإخلاقيات محددة، وهي ضرورة العمل بطريقة غير مسيئة للإنسانية، مثل إجراء أبحاث عن كيفية السيطرة علي الأورام الخبيثة عبر تعديل الجينات لإيقاف تطورها. علامَ تقوم فكرة بنك الجينات؟ - فكرة بنك الجينات قائمة علي حفظ العنصر إلي حين ابتكار تقنيات حديثة تساعدنا علي إجراء أبحاث عليها لمساعدة الشخص الذي تم الاحتفاظ ببياناته أو أقاربه أو حتي حالات مرضية مشابهة، بمعني أنه إذا أتي إلينا طفل مريض ولم نستطع معرفة طبيعة مرضه نظراً لأن العلم لم يتوصل لها بعد، يتم الاحتفاظ بمعلومات عنه في ملف خاص مسجل به كافة التفاصيل عن حالته، فاذا ظهر جديد في علاج هذا المرض بعد مدة معينة يمكن مساعدته، إما في حال وفاته فيمكن للملفات الخاصة بحالته أن تفيد في معرفة ما إذا كان فرد آخر من عائلته أو أقاربه سينجب مستقبلاً أطفالاً معرضين لذات المرض أم لا.