هذا الشعب العريق.. قادر علي بالإضافة إلي قيام أنصار آخرين له بتحطيم منصة مبادرة (من أجل دستور لكل المصريين) ناهيك عن حجم الأموال الهائلة غير معلومة المصدر التي يصرف منها ببذخ وسفه علي حملته الانتخابية.. ويبقي السؤال المريب: هل كان يريد المرشح المحترم أن يصل إلي هذا المنصب الرفيع منصب رئيس الجمهورية علي أسنة الرماح؟ وسواء كانت السيدة المرحومة والدته تحمل جواز سفر أمريكيا أم لا وهو ما أكده بيان وزارة الداخلية طبقا لسجلات إدارة الجنسية والجوازات وبناء عليه أصدرت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قرارا باستبعاده من السباق وهي اللجنة التي تضم خمسة من خيرة قضاة مصر وأساتذة القانون الدستوري وتصدر قراراتها بكل الموضوعية والشفافية بخصوص الموقف القانوني بالنسبة لكل المرشحين.. والحقيقة أن القضية ليست قضية حمل والدة المرشح المذكورة للجنسية الأمريكية أم لا.. ولكن القضية الأهم هي مدي (صدق وأمانة) مرشح كان يمكن أن يحكم مصر لعدة سنوات وما جري من الشيخ أبو إسماعيل هو نفس ما جري من النائب البلكيمي عندما كذب وادعي أنه تعرض لعملية سطو مسلح علما بأن (الكذب) في شرعهم حرام وكذلك في سجل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والأخلاقية كما تجرمه القوانين الوضعية في مختلف دول العالم. أن يجري سيادة النائب عملية تجميل فهذا حقه ولا غبار عليه ولكن أن يكذب ويدعي تعرضه للسرقة ويحدث قلقا شديدا لأجهزة الأمن كان يمكن أن يؤدي إلي إيذاء آخرين سواء من المواطنين أو أفراد أجهزة الأمن فهذا حرام.. حرام.. ونفس الحال بالنسبة للشيخ أبو إسماعيل وهو رجل قانون ومحام ضليع ما كان ينبغي عليه أن يكذب في أوراق رسمية ويدعي أنه (لا علم له) عما إذا كانت السيدة والدته قد حصلت علي الجنسية الأمريكية أم لا وهنا يجوز عليه المثل القائل (إن كنت تعلم فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم) ثم هل يمكن أن تكون تلك هي مواصفات رئيس الجمهورية الذي نخوض الآن إجراءات انتخابه لينقذنا من هذا التيه الذي سقطنا فيه علي مدي عام كامل ويوصلنا إلي بر الأمان حتي نحقق النهضة الشاملة لهذا الوطن. وليعلم الجميع وفي مقدمتهم الشيخ أبو إسماعيل وأنصاره ومريدوه وجماعة الإخوان المسلمين والمهندس إبراهيم الشحات الذي رفض إجراء الحوار مع مقدمة البرنامج التليفزيوني إلا إذا تحجبت والنائب العلامة الذي يطالب بإلغاء تعليم البنات في مدارسنا لأن هذا رجس من عمل الشيطان والنائب المحترم الذي أذن للصلاة أثناء جلسة مجلس الشعب وهو ما أثار حفيظة رئيس المجلس وطلب منه التوقف مخاطبا إياه (لا تزايد علينا فأنت لست أكثر إيمانا وتدينا منا).. ليعلم كل هؤلاء أن شعب مصر الذي فجر شبابه ثورة يناير المجيدة من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في إطار دولة مدنية حديثة يسودها القانون والدستور ويحكم فيها بالعدل والقسطاس دون هيمنة أو استئثار لفريق أو تيار أو جماعة ضد جموع المواطنين. إن الشعب الذي استيقظ يوم 52يناير ووعي يطالب الآن بكامل حقوقه السياسية والاجتماعية بل والإنسانية.. ويقينا فإنه لن يقبل أبدا بعودة ديمقراطية ال99٪ التي ظلت تحكمنا علي مدي 06عاما.. كما أنه يرفض تماما محاولات البعض الاستحواذ والهيمنة علي كل مؤسسات الدولة والتحكم في مقدرات هذا الشعب من أجل مصالح فئة معينة أيا كانت توجهاتها أو مبادئها وهو ما يعني استبدال نظام بآخر أسوأ منه كما يؤكد الكثيرون الآن. وإذا كان البعض يري أن هذه هي نتيجة الانتخابات فكلنا نعلم جيدا الظروف والملابسات غير الموضوعية التي جري فيها استفتاء 91مارس والانتخابات البرلمان وكيف غرر بالمواطنين والتمويه علي البسطاء وخيروا بين (الجنة والنار) وكيف كانت معركة (الدستور أم الانتخابات أولا) وما شاهدناه من إصرارهم علي ضرورة إجراء الانتخابات أولا قبل أن تتمكن كافة الأحزاب والتيارات السياسية القديمة والجديدة من تنظيم نفسها والوقوف علي أرض صلبة.. وكان لهم ما أراودا حيث أجريت انتخابات غير تنافسية وكانت الغلبة لهم لأنهم كانوا الأكثر تنظيما والأقوي ماديا ومعنويا. ويؤكد أساتذة القانون وخبراء الدستور أن تزييف إرادة الناخبين والتغرير بهم يعد أكثر جرما وأشد إثما من تزوير الانتخابات نفسها. وفيما يتعلق بأزمة تشكيل لجنة إعداد الدستور الدائرة حاليا نجد أن البعض منهم يطالب بأن نترك الأمور تمضي وتسير كما يخططون لها ثم نحكم بعد ذلك علي النتائج بعد أن يتم الانتهاء من وضع الدستور من اللجنة التي شكلت بمعرفتهم وطبقا لتوجهاتهم وأهدافهم.. ولأنهم يقولون مالا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون.. ولأن ما بني علي باطل فهو باطل.. ولأن المؤمن لايجب أن يلدغ من جحر مرتين أو ثلاثا واستنادا إلي كل ماجري في استفتاء مارس ثم الانتخابات البرلمانية.. ولأن الدستور هو أساس بناء الدولة المدنية الحديثة دولة العدل والقانون ويرعي ويحافظ علي حقوق ومصالح كافة فئات الشعب وينظم العلاقات مابين مؤسسات الدولة المختلفة التشريعية والقضائية والتنفيذية.. لكل هذا وذاك فإن لجنة إعداد الدستور التي يدور حولها الصراع الآن لابد أن تكون توافقية تضم كافة أطياف وفئات المجتمع المصري وليست استحواذية لفئة دون أخري حتي يأتي الدستور الذي من المفترض أن يحكمنا لمئات السنين دستورا توافقيا ومتوازنا يرعي مصالح كافة أبناء الوطن. وإنني علي يقين وفي ضوء ماشاهدناه من مطبات علي الساحة السياسية خلال الأيام القليلة الماضية أنه إذا ما أجريت الانتخابات البرلمانية مرة أخري فلن تحصل التيارات الإسلامية علي نصف ماحصلت عليه من أصوات في الانتخابات الماضية نظرا لما فقدوه من ثقة المواطن المصري بسبب قراراتهم ومواقفهم المتقلبة وعدم التزامهم بقراراتهم وتصريحاتهم المتضاربة وعدم اقتناعهم بمبدأ التبادل السلمي للسلطة. وفي هذا السياق أود أن أذكر وأحذر كل هؤلاء المرشحين وكثير منهم من رجال القانون بما حدث للرئيس الألماني الأخير ماتياس فولف الذي أقصي من منصبه بحكم القانون الشهر الماضي قبل انتهاء ولايته بسنتين وذلك بسبب اتهامه بتلقي رشوة من رجل أعمال وذلك بالرغم من أنه كان مدعوما من الحزب الحاكم (المسيحي الديمقراطي CDU) برئاسة المستشارة إنجيلا ميركل.. إن الذكري تنفع المؤمنين!!