والحقيقة الناصعة أن مؤسسة الأزهر الشريف تتمتع بثقة جموع المسلمين في مصر وفي مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدول الآسيوية والأفريقية والأمريكتان وأوربا حيث أتي الآلاف من أبناء هذه الدول إلي القاهرة ليعيشوا في رحاب الأزهر وينهلوا من علومه وكنوزه في مختلف المجالات الفلسفية والإنسانية. ولعل أعظم وأروع ما في وثيقة الحريات التي أصدرها الأزهر وبنودها الاثني عشر هو مشاركة قطبي الديانتين الأساسيتين في مصر الإسلام والمسيحية باعتبارهما نسيج الأمة الواحد علي مدي أربعة عشر قرنا من الزمان إلي جانب رئيس الحكومة وزعماء التيارات السياسية والفكرية ورؤساء الأحزاب وممثلي الثوار حيث قام الجميع بالتوافق والتوقيع علي الاتفاقية. ولا شك أن وثيقة الأزهر للحريات تعد نموذجا جيدا وإيجابيا للغاية يمكن بل »يجب« الأخذ به عند تشكيل اللجنة التي ستقوم باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد الدستور والذي يجب أن يتم قبل انتخابات الرئاسة علي أن يمثل فيها جميع أطياف الشعب وألا تأتي طبقا لتوجهات التيار أو التيارات التي سيكون لديها أغلبية في مجلس الشعب.. دستور يليق بكفاح ونضال هذا الشعب علي مدي تاريخه الحديث.. فمصر التي عرفت ومارست الحياة الديمقراطية قبل أكثر من قرن من الزمان وأعدت دستور 3291 الشهير الذي يعد وثيقة برلمانية نموذجية علي مستوي عالمي.. بالإضافة إلي دستوري 4591، 1791. مصر التي تمتلك الرصيد القيم من الخبراء القانونيين وفقهاء الدستور ذائعي الصيت علي كافة المستويات الإقليمية والدولية لابد أن يقوم بنيانها الديمقراطي الحديث علي أساس دستور توافقي متوازن يمثل كافة أطياف الشعب وتوجهاته السياسية والفكرية والثقافية يسمح بتداول السلطة بطرق ديمقراطية سليمة ويحقق الأمن والاستقرار للوطن حتي ينطلق نحو البناء والتنمية الشاملة لتحقيق الرخاء ومستوي معيشة أفضل لكافة المواطنين.. وثيقة الأزهر للحريات تأتي في التوقيت المناسب تماما ونحن علي أعتاب مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة.. دولة القانون والدستور التي يتحقق فيها العدل وحق تقرير المصير والعدالة الاجتماعية وذلك بعد أن أنجزنا أول انتخابات »حرة ونزيهة وشفافة« منذ 06عاما بصرف النظر عما شابها من بعض التجاوزات والأخطاء إلا أنها وباعتراف المراقبين المحليين والدوليين تعد انتخابات ديمقراطية حرة شارك فيها غالبية أبناء الشعب المصري حيث بلغت نسبة المشاركة 06٪ من مجموع أصوات من لهم حق التصويت.. ويظل الأمل معقودا علي أن تكون هذه بداية لحياة سياسية أكثر حرية وديمقراطية من خلال انتخابات أفضل في الدورات القادمة ذلك أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص ونظريات تدرس وإنما هي ممارسة وتطبيق عملي يتعلم فيها الشعب من أخطائه ونجاحاته عقب كل تجربة يمر بها.. حتي أعرق الديمقراطيات في انجلترا والنمسا وألمانيا وفرنسا مرت بمراحل مختلفة تعلمت فيها شعوب هذه الدول من كل مرحلة مرت بها وطورت من أدائها الديمقراطي حتي وصلت إلي ما هي عليه الآن بل ومازالت تطور وتحسن من نظمها السياسية والديمقراطية نحو الأفضل. نعم لقد أشعل شباب مصر الواعي النبيل شرارة ثورة يناير التي هب فيها الشعب بكل طوائفه للمشاركة فيها وحماها جيشنا العظيم وحافظ عليها وضمن نجاحها واستمرارها حتي تحقق كل أهدافها التي نادت بها وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان.. وبالرغم من أن الأمور لم تمض كما كان الجميع يأمل ويرغب نظرا لتعدد الأفكار وتشعب الرؤي حيث بلغ عدد ائتلافات الثورة أكثر من 041 ائتلافا وعدد الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة وصل إلي 85 حزبا.. بالإضافة إلي العشرات ممن أطلقوا علي أنفسهم ناشطين سياسيين أو النخبة وحاولوا قيادة الثورة كل حسب نظريته وتوجهاته السياسية والفكرية.. الأمر الذي أدي إلي طرد بعضهم من الميدان.. بالإضافة إلي الدور الخطير الذي لعبه الإعلام وخاصة الفضائيات المصرية والعربية والأجنبية وبرامج التوك شو التي استخدمت أساليب التحريض والإثارة في تشكيل وتوجيه مسار الثورة وكانت سيئاتها أكثر من حسناتها وكذلك منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية ذات الأجندات الخارجية.. كل ذلك أدي إلي مزيد من احتقان الرأي العام وسخطه علي كل هذه التجاوزات.. إضافة إلي محاولة البعض الوقيعة بين الثوار والمجلس العسكري باعتباره المسئول عن إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية وإصرار البعض علي ضرورة تقليل الفترة الزمنية لنقل السلطة إلي إدارة مدنية بل ومطالبة البعض بضرورة نقل السلطة فورا.. كيف.. ولمن؟ لا أحد يدري!! وكأننا ندير مخبزا أو مدرسة غير مقدرين أو واعين أننا بصدد إعداد وتشكيل مستقبل أمة عظيمة ذات حضارة عريقة لابد أن تأخذ مكانها اللائق بها في نطاقها الإقليمي والدولي. إن الانتهاء بنجاح من الانتخابات البرلمانية والاستعداد لعقد أول جلسة للبرلمان الجديد يوم 32يناير المقبل هو بكل تأكيد إنجاز عظيم للثورة المصرية وتحقيق لواحد من أهم أهدافها وهو بناء الديمقراطية الحديثة وإرساء قواعد دولة القانون بصرف النظر عمن فاز ومن خسر فتلك هي لعبة الديمقراطية. وليعلم الجميع أننا مازلنا أمام مهام جسام لبناء دولتنا الحديثة طبقا لخارطة الطريق والبرنامج الزمني الذي تضمنه البيان الدستوري تستوجب منا جميعا اليقظة والحرص الشديد والإخلاص في حب الوطن وإنكار الذات وتفضيل المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة حتي نعبر بالبلد إلي مرحلة الأمان والاستقرار. وليعلم الجميع أيضا أن الثورة ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي وسيلة عظيمة لتحقيق التغيير المنشود لصالح هذا المجتمع وجميع أبنائه.. وعلي أولئك الذين يطالبون بتسليم السلطة فورا ولا يريدون الانتظار حتي نهاية يونيو القادم حتي نكون قد انتهينا بصورة حضارية من انتخابات مجلس الشوري وإعداد الدستور ثم انتخابات الرئاسة لا يمكن أن يكونوا أبدا مسئولين عن مستقبل هذه الأمة بل هم »الدب الذي قتل صاحبه« ذلك أن 5 أشهر لا تمثل شيئا في عمر الأمم.