عن البشير الذي تم خلعه أخيرا.. وإيداعه في سجن العاصمة الخرطوم المسمي ب كوبر، دار الكثير من الأقاويل دعمتها مصادر صحفية عربية وسودانية، كان أبرزها شبكة سكاي نيوز العربية التي قالت إن البشير رفض أن يتنحي بينما حاول كبار القادة في الجيش والمخابرات إقناعه بذلك. وكشف عثمان ميرغني الصحفي السوداني، أن قادة المجلس العسكري قالوا إن البشير قال لهم قبل قرار عزله بيوم واحد: طبعا كلكم تعلمون أننا نتبع المذهب المالكي وهذا المذهب يتيح لي أن أقتل 30% من شعبي بل وهناك من يقولون إنه يحق لي أن أقتل حتي 50%! وقال لأعضاء المجلس: أمامكم 48 ساعة وما عايز أي »زول» قدام القيادة حتي ولو كان ثلث الشعب! وفي هذه اللحظة قرر قادة المجلس العسكري أنه علي البشير أن يرحل فورا. وتتابعت القرارات لتطال المقربين من البشير بداية من قرارات المجلس الانتقالي بإعفاء عدد من المسئولين الحكوميين بوزارتي الإعلام والاتصالات والموارد المائية والكهرباء والصحة وكان من أبرزهم كوادر بحزب المؤتمر الحاكم خاصة رئيس الإذاعة والتليفزيون وأمناء عامين للوزارات وكانوا فعليا يسيطرون عليها إضافة لعدد من السفراء ووكيل وزارة الخارجية الذي كان الرجل الثاني بعد الوزير الدرديري محمد أحمد مع سعي المجلس وخلال قراراته المتلاحقة بالدعوة لسرعة القبض علي بعض رموز النظام السابق ومنهم من فر لولايات سودانية بعيدة عن العاصمة الخرطوم أو لبلدان إفريقية مجاورة بعد سقوط البشير. وهنا أعلن تجمع المهنيين السودانيين وهو أهم فصيل في الحراك الشعبي السوداني الحالي الدائر منذ19 ديسمبر الماضي عن ضرورة ملاحقة رموز النظام السابق من نواب حكام الولايات وبعض أجهزة الأمن داخل الشرطة والجيش.. وأعلن أن الثورة ستبقي مستمرة حتي تحقيق كافة مطالبها، ورغم أن المجلس الانتقالي بدأ فعليا في خطوات عملية لتصفية النظام السابق ومحاربة الفساد والمفسدين وإرجاع أموال الدولة للخزينة العامة بمصادرة أملاك تلك الفئة إلا أن الإجراءات لابد أن تشمل أسرة البشير وأعوانه المقربين ثم حزب المؤتمر الذي حكم البلاد لأكثر من 20 عاما، وهنا اعتقل المجلس الانتقالي كما يقول موقع الحرة الأمريكي اثنين من أشقاء الرئيس البشير وهما عبدالله والعباس بتهمة الفساد.. وعبدالله هو لواء طبيب بالمعاش واتجه للاستثمار والأعمال، أما العباس فهو أصغر أشقاء البشير وعضو مجلس إدارة للعديد من الشركات، إضافة لشبهات أخري مازالت تحوم حول شقيقين آخرين للبشير هما: محمد وعلي وهؤلاء إضافة لأعضاء آخرين بالأسرة منهم زوجة البشير نفسها ضالعون في أنشطة تجارية واقتصادية واحتكارية داخل وخارج السودان خلال الفترة الماضية. والبشير تم نقله لسجن كوبر العتيق في العاصمة الخرطوم، وتحت حراسة مشددة هو وبعض رموز نظامه وفي زنزانة انفرادية وهو من أسوأ السجون السودانية سمعة.. أما باقي أفراد أسرته وطبقا لصحيفة المشهد السوادنية، فقد قاموا بإخلاء بيت الضيافة الخاص بالرئيس بعد يومين من سقوطه، وتوجهوا لمنازل خاصة بهم. وفي كوبر.. يقبع مع البشير قيادات عليا بحزب المؤتمر الوطني أبرزهم والي ولاية الخرطوم عبدالرحمن الخضر ووزير دفاعه الفريق أول عبدالرحيم محمد ورئيس المجلس الأعلي للشباب والرياضة بولاية الخرطوم ورئيس البرلمان عمر إبراهيم ووزير الصحة بالخرطوم، إضافة لنحو 16 رمزا من رموز الحزب الحاكم وبعض رجال الأعمال الموالين للبشير ونظامه حسب صحيفة الانتباهة السودانية. وحول البشير وتسليمه للجنائية الدولية.. مازالت تثور داخل السودان وخارجه الأقاويل حول تسليمه للمحكمة الدولية أو محاكمته داخليا وهو الأمر الذي أكده رئيس المجلس الانتقالي عبدالفتاح البرهان بقوله إن البشير ستتم محاكمته داخل السودان ويواجه البشير اتهامات خاصة بمذكرتي توقيف دوليتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية عامي 2009، 2010 خاصة بالإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت فيما بين عامي 2003 و 2008 ونفي البشير والسودان في عهده ارتكاب جرائم حرب وقالوا إن الخسائر البشرية في دارفور مبالغ فيها جدا، إلا أن أوغندا قالت إنه في حالة طلب البشير حق اللجوء السياسي إليها فإنها لن تمانع في منحه ذلك الحق. ووفقا لمصدر قضائي في السودان فإن النيابة العامة فتحت بلاغين ضد الرئيس المعزول عمر البشير بتهمة غسيل الأموال وحيازة أموال ضخمة دون مسوغ قانوني.. وذكر المصدر أن النيابة ستقوم باستجواب الرئيس السابق وباستجوابه عاجلا تمهيدا لتقديمه للمحاكمة. ومن ناحية أخري أشارت وسائل الإعلام السودانية إلي أن فريقا من القوات المسلحة والاستخبارات العسكرية داهمت مقر إقامة الرئيس المعزول عمر البشير حيث عثرت علي كميات كبيرة من النقد الأجنبي والعملة المحلية بلغت أكثر من 6 ملايين يورو و351 ألف دولار و5 مليارات جنيه سوداني.. ونقلت صحيفة الرأي العام تصريحات لوكيل النيابة المكلف بالإشراف علي قضايا الفساد معتصم عبدالله محمود قوله إن هذه المبالغ قد تم إيداعها في خزينة بنك السودان المركزي وأنه تم إصدار أمر بتقييد دعوي في نطاق المادة الخامسة والسادسة من قانون النقد الأجنبي والمادة 35 من قانون غسيل الأموال تنفيذا لتوجيهات المجلس العسكري الانتقالي في إطار مهام مكافحة الفساد. وعلي جانب آخر من البشير.. يبرز المصير المتوقع لحزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان بقيادة البشير لأكثر من 20 عاما، حيث يواجه الحزب مصيرا مظلما هذه الأيام، فقد تم اعتقال العديد من قادته وتواري بعضهم الآخر عن الأنظار داخل وخارج السودان والتزمت الأغلبية منهم الصمت ولو مؤقتا ويؤكد المجلس الانتقالي أن الاعتقالات مازالت جارية لاعتقال المزيد من رموز الحزب وخاصة هؤلاء الذين تحوم حولهم الشبهات وهنا دعا الحزب أولا أعضاءه لتوخي الحذر والتعامل بحنكة مع الأحداث إلا أن مصير الحزب حسب شبكة »NN الأمريكية ربما يدفعه إما للنزول للعمل تحت الأرض أو تبني العمل السري. ولينهي سيطرته علي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالسودان عبر عقدين من الزمن. وفي الخلفية يبرز أيضا دور الميليشيات العسكرية شبه النظامية والتي تعرف في السودان بميليشيات الظل، والتي قامت بالعديد من الممارسات خاصة خلال المظاهرات التي عمت شوارع الخرطوم وباقي المدن السودانية منذ ديسمبر الماضي، وهنا تعهد رئيس المجلس الانتقالي بمحاسبة كل من يثبت تورطه في سفك الدماء وقتل الأبرياء من السودانيين ودعا تلك الميليشيات للانخراط في الجيش أو الشرطة كقوة نظامية وفي استجابة لمطالب المحتجين الذين طالبوا بحل تلك الميليشيات من كتائب الظل والدفاع الشعبي والشرطة الشعبية، وخاصة أن البشير كان قد أولي تلك الميليشيات أهمية قصوي والتي تضمن قوات غير نظامية من المرتزقة لحماية نظامه. وكان العديد من المنظمات الدولية قد أصدرت عدة فيديوهات لتلك الميليشيات في فبراير الماضي، تظهرها وهي تقوم بالعديد من الانتهاكات في حق المتظاهرين باستخدام العنف المفرط وإطلاق الرصاص الحي والمطافئ والغاز المسيل للدموع في الهواء وعلي المحتجين مباشرة وفي الشارع السوداني كما تقول شبكة يورونيوز الإخبارية، برزت 3 قوي أمنية غير نظامية هي: قوات الأمن الشعبي وكانت خاضعة لسلطة المكتب التنفيذي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقوات الدفاع الشعبي وهي مؤسسة شعبية عسكرية تنتشر في كل ولايات السودان ال 18 تقوم بمساندة أجهزة الأمن الرسمية في عملياتها وكان بن عوف رئيس المجلس الانتقالي المستقيل أبرز قادتها وقد جهزت تلك القوات كتائب »الإسناد الشعبي» للتصدي لأي عمل معاد للنظام. وقوات كتائب الظل وهي خاصة بالأعمال القذرة وحذر البشير مرارا من أن تلك القوات بالذات هي التي ستقوم بالدفاع عنه حتي الموت، إذا تعرض لأي محاولة للانقلاب ضده وبعد سقوط البشير كما تقول الصحف السودانية تم العثور علي عشرات المخازن والمنازل التي كانت تحتوي علي أسلحة تابعة لقوات الدفاع الشعبي وكتائب الظل وقد اعتمدت تلك القوات علي عمليات أموال غير شرعية وشركات وهيئات كانت تقوم بتحويلها لحماية النظام والبشير شخصيا الذي جاء بانقلاب عسكري منذ 30 عاما ومن هنا يخشي السودانيون خاصة المجتمعين أمام القيادة العامة بالجيش من أن تلك الميليشيات تمثل شبحا يهدد الأمن والاستقرار في البلاد وأنها أحد روافد الدولة العميقة بالسودان والتي يتم اقتلاعها بالكامل حتي الآن وأن المواجهة لن تكون بقرارات فورية تصدر من المجلس الانتقالي بل بعدد من القرارات التدريجية بهدف القضاء عليها وعلي الشخصيات والشركات التي تقوم بتمويلها.