خبطتان في الرأس توجع.. هذا هو حال الزراعة المصرية هذا العام، حيث تتوالي عليها الأزمات من تأثيرات التغيرات المناخية التي أضرت كثيراً بالمحاصيل الزراعية، ثم تأتي أزمة السولار لتزيد الطين بلة وتؤثر بالسلب علي الموسم الزراعي وعلي الفلاحين الذين لايجدون الوقود الذي يمونون به ماكيناتهم وجراراتهم الزراعية. محمد بركات مهندس زراعي شاب تحدث عن كارثة رآها بعينه في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي "المزارعون هناك خسروا عشرات الآلاف من الجنيهات، أفدنة عديدة من محصول المانجو احترقت تماماً نتيجة موجات الصقيع غير العادية التي اجتاحت مصر هذا الشتاء. لم نكن في السابق نعيش تلك الأحوال المناخية الصعبة، كانت أجواء مصر دائماً تتسم بالاعتدال صيفاً وشتاء، الآن نتيجة اختلال نسب ثاني أوكسيد الكربون في الجو، أصبحت التغيرات المناخية غير متوقعة، وهو مايؤثر بشكل مباشر علي الزراعة. حيث تعتاد المزروعات علي درجات حرارة معينة إذا اختلت لاتستطيع التكيف معها وتمرض وتموت. حدث هذا منذ حوالي عامين مع محصول الطماطم الذي فسد نتيجة موجات الحر الشديدة، وارتفعت أسعار الطماطم لتصل لأرقام فلكية، ويصل الكيلو إلي 15 و20 جنيها. وهذا العام من المتوقع أن يحدث نفس الشيء مع محصول المانجو الذي احترقت كميات كبيرة من محصوله". ويري الدكتور السيد مصطفي قاعود قسم البساتين كلية الزراعة جامعة قناة السويس أن التغيرات المناخية التي تعرضت لها مصر في الآونة الأخيرة تتمثل في حدوث موجات صقيع شديدة في نهاية فصل الشتاء وبداية الربيع، والارتفاع الشديد في درجة الحرارة صيفاً، وقلة الفارق بين درجة حرارة الليل والنهار، وسقوط الأمطار الغزيرة أثناء موسم التزهير والعقد بخاصة في محاصيل الفاكهة، وزيادة الرطوبة الجوية صيفاً وشدة هبوب الرياح الساخنة المحملة بالرمال والأتربة في الربيع "رياح الخماسين". وتتلخص تأثيرات تلك التغيرات المناخية في أن حدوث موجات الصقيع الشديد بخاصة في أثناء فترة التزهير والعقد لأشجار الفاكهة، تعمل علي قتل حيوية حبوب اللقاح وبالتالي فشل العقد مما يؤدي إلي انخفاض المحصول بصورة كبيرة، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلي احتراق النباتات إذا زادت مدة حدوث الصقيع وبخاصة عند سكون الهواء وعدم وجود رياح، كما أن الارتفاع الشديد في درجة الحرارة صيفاً يؤدي إلي احتراق النموات الخضرية والأوراق وهي مصنع الغذاء بالنسبة للنبات ما يؤدي إلي تساقط كمية كبيرة من الثمار نتيجة التنافس علي الغذاء وبالتالي فقد المحصول. وكذلك فإن قلة الفارق بين درجة حرارة الليل والنهار تعمل علي عدم التلوين الجيد للثمار حيث إن الثمار الملونة وبخاصة الموالح والمانجو والخوخ تحتاج إلي فارق كبير بين درجة حرارة الليل والنهاربحيث لا تقل عن 8 إلي 10 درجات مئوية حتي يتم تلوين الثمار بشكل جيد. ولم تتوقف مشاكل المزارعين عند التغيرات المناخية فقط لتضاف إليها مشكلة أخري هي أزمة السولار. فمن المعروف أن السولار يدخل في كل مراحل الزراعة الحديثة، بداية من طلمبات الري الي الجرارات الزراعية والمحاريث.. وحتي حظائر الأبقار. ولهذا السبب نجد الفلاح يخزن كل ما يستطيعه من سولار ليضمن تشغيل معداته.. وحتي معدات رش المبيدات. ولأن الفلاح عاني بشدة من نقص السولار في العام الماضي، لهذا يلجأ هذا العام إلي تخزين أي كمية، والأزمة الأخيرة جعلت كثيرين يسلكون هذا المنهج في التخزين المفرط للسولار. ويقول محمد عبد القادر نقيب الفلاحين أن نقص السولار وارتفاع أسعاره في السوق السوداء إلي 70 جنيها للصفيحة، تسبب في أزمة كبيرة جداً مع تعطل الجرارات الزراعية وتأخر ري وحصاد بعض المحاصيل وأهمها القمح الذي لم تكتمل المرحلة الثانية من ريه بسبب الأزمة. وحذرت شعبة المواد البترولية من أزمة في حصاد المحاصيل إذا استمرت نسب الضخ الحالية للسولار وهي 33 ألف لتر بدلاً من 40 ألف لتر. وشدد حسام عرفات علي ضرورة زيادة نسبة الضخ مع بداية إبريل لتفادي حدوث أزمة الشهر المقبل مع بدء موسم حصاد القمح، مشيراً إلي أن الكميات المفترض ضخها خلال موسم الحصاد تقدر بنحو 40 مليون لتر يومياً لتغطية الاستهلاك المتزايد. وقال أسامة سلطان رئيس غرفة الشرقية التجارية أن تعطل حركة نقل المحاصيل بسبب عدم توافر السولار عدم توافر وسائل النقل سوف يرفع أسعار الخضراوات والفاكهة بنسبة كبيرة. وهو ما أكده أحد تجار سوق العبور حسين الزيني الذي قال إن كثيرا من الخضراوات تعرض للتلف خاصة القادمة من مسافات بعيدة من محافظات الصعيد نتيجة لتخزينها وتأخر وصولها. واشتكي المزارعون في مدينة النوبارية من نقص السولار الذي يستخدمونه في الماكينات الزراعية مؤكدين أن دفعهم أموالا إضافية لشراء السولار من السوق السوداء لن يستطيعوا تحمله وسيتحمله المستهلكون العاديون. ويواجه مزارعو السكر في سوهاج أيضاً أزمة مزدوجة بسبب ارتفاع أسعار السولار وأيضاً أزمة الأسمدة وأكد المهندس حسن كامل رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية أن أزمة السولار أثرت سلبا علي كميات القصب التي تنقل عبر الجرارات الزراعية إلي مصانع الشركة. وقال أن الشركة أرسلت خطابا يوم 14 مارس الماضي، إلي المهندس هاني ضاحي رئيس الهيئة العامة للبترول، تطلب منه زيادة كميات السولار التي تضخ في محافظات الصعيد، وفي المناطق المحيطة بمصانع السكر في جرجا وقوص وكوم أمبو وأرمنت ونجع حمادي ودشنا. كل هذه الأزمات التي تواجهها الزراعة في مناطق متعددة ستؤدي بلاشك لزيادة في أسعار المنتجات الزراعية، والذي سيكون ضحيته المواطن العادي البسيط، وكأن هذا المواطن ينقصه تراكم مشاكل وأعباء أخري فوق أعبائه. الأزمات التي تتلاحق في المجال الزراعي، تثبت أن هذا المجال يحتاج إلي مزيد من التنظيم ومجموعة من الآليات لمواجهة الأزمات، وأيضاً لإيجاد حلول سريعة للمشاكل المحيطة حولنا وأهمها التغيرات المناخية التي صارت خطراً كبيراً يهدد الزراعة في مصر، بعدما ذكرت أرقام صدرت مؤخراً أن المناخ المتقلب سيتسبب في فقدان إنتاجية مصر الزراعية في سلع أساسية كالقمح والذرة والأرز من 10 إلي 20٪ فبالتالي يجب أن نأخذ حذرنا وندرس كيف يمكننا تفادي هذه المتغيرات التي تحيطنا.