الحرس الثورى الايرانى أحد ركائز التيار المحافظ فى إيران »إيران الكبري« دعوة خطيرة نادي بها محمد باقر خرازي أمين عام حزب الله الإيراني لإقامة الإمبراطورية الفارسية لتمتد من أفغانستانلفلسطين وتحكم الشرق الأوسط وآسيا الوسطي. وتأتي دعوته في إطار برنامج حزبه الذي يسعي لإقامة ولايات متحدة إسلامية تعهد بها إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولأنه رجل دين متشدد لم يغفل أن يؤطر دعوته بهالة دينية فزعم أن الولاياتالمتحدة الإسلامية ستكون مدخلا لتشكيل القرية العالمية للمضطهدين تمهيدا لعودة الإمام المهدي وفقا للعقيدة الشيعية والذي سيأتي ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. ولم يفت خرازي مغازلة الرأي العام الإسلامي بتأكيده أن قيام إيران الكبري سيكون بداية لتدمير إسرائيل. دعوة حملت من الخطورة أكثر مما حملت من التبشير. ورغم أنها لم تحظ بردود أفعال إيرانية ولم تخرج عن كونها مجرد سطور تناقلتها الصحف والشبكة العنكبوتية إلا أن خطورتها استدعت التوقف عندها والتعرف علي ما وراءها من أهداف؟ وهل تعكس فقط فكر صاحبها أم أنها تعبر عن أجندة خفية لحلم توسعي تأمل طهران تحقيقه في الوقت الذي تراه مناسبا. وبين إيران الكبري الممتدة من أفغانستانلفلسطين وإسرائيل الكبري الممتدة من النيل للفرات يتضاءل الحلم العربي بالوطن الأكبر الممتد من المحيط للخليج، فلم يعد المحيط هادرا ولم يعد الخليج ثائرا ليخمد الأصوات المنافسة الأخري التي وجدت في الصمت العربي فرصة للحلم غير المشروع. وإيران الكبري كما عرفها البعض تعني القارة الإيرانية ويطلق عليها بالفارسية إيران بزرك أو إيران زمين، وهو مصطلح ثقافي يشير إلي المناطق التي تأثرت إلي حد كبير بالثقافة الإيرانية، وينطبق علي ما يسميه الجغرافيون »الهضبة الإيرانية« والتي تشمل كل الأراضي المحيطة بدولة إيران الحالية والممتدة من القوقاز إلي نهر السند. وكانت هذه الأراضي تحت سيطرة الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة وتأثرت بنفوذها المعنوي وإشعاعها الحضاري. ويري هؤلاء أن إيران الكبري مصطلح يدل علي مفهوم ثقافي محض ولا يحمل أي تلميح سياسي. ربما لهذا السبب لم تلفت دعوة خرازي نظر الكثيرين إليها خاصة أنه لايمكن تصنيفه باعتباره واحدا من ذوي المراتب المهمة في سلك رجال الدين الإيرانيين لكنه ينتمي لحزب الله الإيراني وهو حزب بدا مجهولا لايعرف عنه الكثيرون شيئا. ربما لهذا السبب أيضا لم تحظ دعوته بأي رد فعل.. رغم خطورتها باستثناء تحذيرات من مصادر سنية إيرانية نبهت إلي وجوب أخذ دعوة باقر مأخذ الجد، مشيرة إلي أن حزب الله الإيراني متورط في اغتيال عدد كبير من أئمة أهل السنة في إيران. هذا عن الداخل أما في الخارج فاقتصر الأمر علي تحذيرات أطلقها بعض المحللين السعوديين الذين رأوا أن دعوة باقر تنطوي علي تهديدات للمملكة وظهر ذلك واضحا من خلال إعلانه أن قيام إيران الكبري سيؤدي إلي تدمير إسرائيل والدول المنافسة المجاورة لإيران والتي اعتبرها أوراما سرطانية، ومعروف أن السعودية في نظر المتشددين الإيرانيين هي العدو الأول. ولم يفتهم بالطبع التنبيه إلي أن دعوته تأتي في إطار العقيدة الشيعية التي تؤمن بأن ظهور المهدي لن يحدث إلا مع ازدهار الحضارة الإيرانية وعلي أشلاء العرب والمسلمين، وأن الإيرانيين سيكونون جنوده ضد العرب. من هنا جاءت تحذيراتهم ومخاوفهم من تنامي قوة طهران العسكرية مشيرين إلي أطماعها في السيطرة علي المنطقة والذي بدا واضحا من خلال تدخلها في عدد من الدول المجاورة منها العراق، لبنان، اليمن، فلسطين. مخاوف عربية وإذا كانت إيران الكبري لم تحظ بردود فعل كبيرة ولم يتوقف الكثيرون عندها إلا أن المخاوف العربية خاصة في دول الخليج لاتزال مستمرة، وتنظر للتحركات الإيرانية بشيء من التوجس وتري أن هدفها السيطرة علي منطقة الخليج العربي من خلال خلايا استخباراتية تقوم بمهمة جمع المعلومات لاستخدامها في حالات الطوارئ أو للقيام بعمليات تخريبية وإثارة مشاكل طائفية. ويعتقد هؤلاء بوجود مئات العملاء الإيرانيين في منطقة الخليج العربي، وللحرس الثوري الإيراني دور كبير في ذلك حيث يقوم بتكليف بعض عناصره بمهمة الحصول علي معلومات سياسية واجتماعية خاصة بدول الخليج. التخوفات الخليجية عززتها دراسات أمريكية رصدت سعي إيران للهيمنة الإقليمية حيث تري الباحثة الأمريكية جوديث ياف بمعهد دراسات الأمن الوطني أنها ليست بالأمر الجديد بل هو موقف تاريخي قديم برز في زمن الشاه واستمر مع حكم رجال الدين. وفي رأي جوديث أن لإيران عدة أساليب تحاول من خلالها فرض هيمنتها علي المنطقة، أهمها تقديم الدعم لحلفائها وتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية مع الدول المجاورة والسعي لتوقيع اتفاقيات دفاعية معها. الحديث عن الأطماع الإيرانية إذن ليس بجديد أما الحديث عن إيران الكبري فهو بلا شك أمر ليس فقط جديدا وإنما خطير أيضا ويجب التعامل معه بقدر كبير من الحساسية علي حد تعبير الدكتور مدحت حماد أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة طنطا والذي يري أهمية التعامل مع مثل هذه الأخبار بحذر وحكمة لعدة أسباب، أولها أنها صدرت عما يطلق عليه حزب الله الإيراني وهو حزب لا وجود له الآن في إيران والمعروف أن فكرة تكوين مايسمي بحزب الله الإيراني ترجع لعهد الشاه حيث تم تشكيل مجموعة مقاومة تهدف لإسقاط الشاه محمد رضا بهلوي، وبقيام الثورة الإيرانية لم يعد هناك وجود لحزب الله كغيره من الأحزاب الأخري، والحزب الوحيد الذي تواجد علي الساحة السياسية الإيرانية حتي انتهاء الحرب العراقية/الإيرانية هو الحزب الجمهوري الإسلامي الذي أسسه آية الله بهشتي وفي عهد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني ظهر حزب كوادر التعمير والبناء وفي عهد خاتمي ظهر حزب »التعميريون الجدد« وكذلك حزب »اعتماد معي« الذي أسسه مهدي كروب. وبينما يشكك حماد في وجود حزب الله الإيراني فإنه علي الجانب الأخر يري أن الحديث عن إيران الكبري أمر خطير ويجب أن نتعامل معه بحذر، وهناك احمتالان في رأيه وراء ظهور مثل هذه التسريبات أولها أن يكون الخبر صحيحا وهنا تصبح كارثة حيث يكشف عن مشروع تمدد جيبولوتيكي قادم من طهران ويشمل كل المنطقة ويشكل تهديدا مباشرا علي كل دول المشرق العربي التي اعتبرها المشروع ولايات إيرانية. أما الاحتمال الآخر أن يكون الخبر كاذبا وهدفه إثارة مزيد من المخاوف تجاه إيران وحشد مزيد من التكتل المضاد لها. ويميل حماد للرأي الثاني ويري أن الحديث عن إيران الكبري مدسوس ومفبرك ويتناقض مع أدبيات السياسة الإيرانية التي تميل إلي تحسين علاقاتها مع الدول العربية وليس العكس. وفي نفس الوقت يتناقض أيضا ما تتميز به هذه السياسة من ذكاء وحكمة، ومن غير المعقول أن تختار إيران هذا التوقيت بالذات للإعلان عن مشروعها بفرض وجوده وهي تعلم جيدا أنها مستهدفة من كافة الدول الأوروبية ومتهمة بامتلاك أسلحة نووية ومتهمة بتهديد دول الجوار الجغرافي ومعظمها دول عربية. والإعلان عن إيران الكبري في هذا التوقيت يعد حماقة وهي سمة أبعد ماتكون عن النظام الإيراني. ولو افترضنا جدلا صحة ما تردد عن إيران الكبري فمن غير المعقول أن تكشف طهران عنه الآن وهي لم تتحول بعد إلي قوة إقليمية عظمي بما يجعلها قادرة علي التعامل مع كافة المخاطر الناتجة عن ذلك، فهي لم تصل بعد للحظة المثالية التي تؤهلها لاستيعاب ما يمتمخض عن إعلانها من نتائج ليست بالهينة خاصة في ظل وضع إقليمي متأزم لايسمح لها بارتكاب مثل هذا الخطأ. ويستبعد أيضا لجوء طهران لإطلاق دعوتها بإقامة إيران الكبري كبالون اختبار ويري أن مثل هذه السياسة أنسب لإسرائيل وليست إيران التي تدرك جيدا أن القوي الكبري الدولية، وعلي رأسها الولاياتالمتحدة لن تدعمها مثلما يحدث مع الدولة العربية بل علي العكس فهي تدرك جيدا أنها مستدفة من قبل هذه القوي والتي لاتدخر وسعا في شن الهجوم عليها منتهزة كل الفرص في ذلك. أخيرا وبغض النظر عن صحة ما تردد عن »إيران الكبري« فإن هذا لاينفي أن للدولة الفارسية حلما يراودها كما للدولة العبرية حلم يراودها والخطر الحقيقي في غياب ذلك الحلم العربي الذي يبدو أنه لم يعد يراودنا.