في العديد من عواصم العالم من سيدني شرقا وحتي أقصي الغرب الأمريكي اصطف الآلاف منذ ساعات الفجر أمام المحال التجارية من أجل الحصول علي الإصدار الجديد من الجيل الثالث من جهاز الآي باد لما يحمله من إمكانات إليكترونية متطورة، بينما نقف نحن طوابير طويلة أمام المخابز ومستودعات الغاز ومحطات الوقود للحصول علي مانحتاجه من وسائل الحياة الضرورية، طوابيرهم ترف لانملكه وطوابيرنا ضرورة نحصل منها علي مانعيش به من طعام ووقود، ليس هذا فارق توقيت لكنه فارق بين عصر وآخر فنحن لم ندخل عصرهم بعد حيث نغرق في المزيد من المشاكل والأزمات التي تجرنا إلي الوراء بينما يتقدمون هم إلي الأمام بعد أن فرغوا من مشاكل الحياة اليومية البسيطة منذ زمن بعيد ! لا أميل إلي منطق جلد الذات لكن هذا هو واقعنا الذي نعايشه ونعاني منه فنحن لانزال في منطقة بعيدة عن الحرية يشدنا الماضي بتركته الثقيلة من استبداد وقهر وفساد ومازلنا لانصدق أننا تحررنا من كل هذه الأمراض المتوطنة التي ألفنا العيش والتعامل معها أنها واقع لانستطيع الفكاك منه، الباحثون عن الآي باد ليسوا أفضل منا لكنهم تحرروا منذ زمن بعيد من كل القيود التي تكبل حياة الإنسان، لكن من فجروا ثورة 25 ينايرمن الشباب كانوا الأقرب إلي عقلية من يقفون في طوابير الآي باد من حيث سرعة التواصل والتفكير بمنطق العصر ومستحدثاته وسرعة إيقاعه لم تكبلهم تركة الماضي أو استسلموا لها باعتبارها مكتوبة علي الجبين وقدرا مقدورا فكانوا قاطرة الثورة التي سحبت وراءها باقي عربات الشعب لكننا وقعنا في فخ العبث بمكابح أو فرامل هذه العربات من منطلق الحرية فأصابت القطار كله بالشلل يسير قليلا ويتوقف كثيرا !! هذا هو حالنا والفارق بيننا وبين الآخرين ممن انطلقوا بعيدا ونحن لانزال محلك سر نتخبط في أقوالنا وأفعالنا نعيش العصر بلغة ومنطق الماضي، يفهم بعضنا الحرية أنها إطلاق عجلة الفوضي العارمة، نحول خلافاتنا إلي حرب ضروس لاتبقي ولاتذر، يتربص كل منا بالآخر وكأنه عدو لكنه ليس حميما، لانفهم جيدا أن الوطن لايبني بجهد وعقل واحد وإنما بالعقل الجمعي والجهد المشترك لكل أبنائه، ننتقل من معركة لأخري لاينتصر فيها أحد والخسارة للجميع، لكن الأمل مايزال يلوح في الأفق رغم الضباب. مصر ستخرج من مأزقها الحالي إذا صلحت النوايا وتوقفنا عن التخوين ومددنا أيدينا لبعضنا البعض دون الغرق في التصنيف المر بين ليبرالي ويساري وإسلامي، فالمشكلة ليست أن نكون مختلفين لكن أن نحول خلافاتنا إلي عداء سافر وقطيعة دائمة كان يفترض أن تكون مع الماضي وأن نكون في صف واحد ضد أعداء الوطن في الداخل والخارج ومايدبر للوطن من مؤامرات بليل ونهار بهدف الانقضاض علي ثورته وإجهاضها. من الضرورة بمكان أن نصحح مساراتنا فالشباب الذين كانوا طليعة هذه الثورة أخطأوا حين اصطدموا بالجميع وحولوهم إلي أعداء يهتفون بسقوطهم بدءا بالمجلس العسكري وصولا للقوي السياسية التي يختلفون معها فخسروا الكثير من رصيدهم في الشارع والتيارات السياسية وبدلا من أن يلتقوا علي كلمة سواء بين بعضهم البعض حولوا المشهد لساحة صراع وتطاحن علي الهوية والاتجاه والموقف فخسر الجميع، أما إدارة البلاد فلم تتخلص من رواسب الماضي وطرق إدارة النظام القديم للأزمات فالحلول تأتي متأخرة وقد لاتأتي في بعض الأحيان إلا بعد خراب مالطة! الفضائيات وساحات الإنترنت تحولت لابتلاء عظيم حيث تحولت لساحة مفتوحة للفتن المتنقلة من مكان لآخر ومن موقف لغيره ومن كارثة لما هو أفدح منها واختلط فيها من هو ثوري بالفوضوي الذي لايهمه الوطن ولا من يعيشون علي أرضه، الكل يصرخ ولم يعد أحد منا يسمع الآخر وكأننا في مسابقة يفوز فيها من هو أعلي صوتا وضجيجا وصخبا ! نخرج من أزمة لأخري دون أن نستوعب الدرس وهو أننا لابد أن نمضي في طريقنا وأن ندرك أن تلك الأزمات إن لم تقتلنا فهي تقوينا، كفانا لطما وتطبيرا ونواحا كما هو الحال في مواكب الشيعة فمصر بلد يملك كل مقومات النهوض من كبواته كبرت أو صغرت، فقط علينا ألا ننظر لمواقع أقدامنا لكن للطريق الذي نسير فيه وإلي أين سيوصلنا حتي تصحو مصر من سباتها العميق وتتعافي من كل الأمراض التي أصيبت بها علي مدي عقود من الزمن فقط علينا أن نعبر بها إلي الجانب الآخر من النهر حيث الحرية والأمان والرخاء الذي ينتظرنا جميعا. مصر صاحبة أولي حضارات البشر عاش ومر بها الكثير من الأنبياء والرسل وسادت الأرض في عصور مضت وما تمر به هذه الأيام مجرد مخاض قد يكون عسيرا لكن مولود الأمل سيخرج سليما معافي ونقطة البدء أن تصفو القلوب وتصلح النوايا والتوقف عن تعاطي عقاقير الكراهية التي ستخرج لنا مولودا مشوها وحتي نكمل المسيرة نحو بناء الدولة الديمقراطية التي تعطي الحقوق لكل من يعيش علي هذه الأرض الطيبة وتضعهم أمام مسئولياتهم. هذه رسالة للجميع فإما أن نكون شرفاء أو ندخل أنفسنا في تصنيف آخر لايقبله ولايرضاه أحد. ونافذة الحرية التي فتحت لن تغلق وبيدنا وحدنا أن نغلقها ونسدل الستائر التي تحجب ضوء الشمس لنغرق في الظلام من جديد ويتسلل اليأس إلي كل الأرجاء ليقتل الأمل داخلنا في العيش بكرامة وحرية وعدالة. كلمة أخيرة الإنسان الناجح هو الذي يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم ! (الإسكندر الأكبر)