لأول مرة في حياتنا السياسية.. نذهب إلي صناديق الاستفتاء اليوم ونحن لا نعلم شيئاً عن النتيجة.. ولا يدعي أحد لنفسه القدرة علي التنبؤ بما ستكون عليه كلمة الشعب في التعديلات الدستورية بين نعم ولا.. كلنا سوف نترقب النتيجة معاً.. وسوف نعرفها معاً عندما تعلن للجميع علي لسان رئيس اللجنة القضائية المشرفة علي الانتخابات. مثلما يحدث في الدول الديمقراطية المتحضرة.. ولن يستطيع أحد مهما علا شأنه أن يعرف النتيجة من الكنترول أو من الكواليس.. ناهيك عن أن يتدخل في هذه النتيجة. ولأول مرة في حياتنا السياسية.. نذهب إلي صناديق الاستفتاء اليوم دون أن يكون لدينا هاجس ولو بنسبة 1% عن إمكانية تزوير إرادة الناخبين.. كلمة التزوير. شُطبت تماماً من القاموس السياسي المصري بفضل الثورة الشعبية.. ولم يعد هناك حرج من إخضاع عملية الاقتراع للمراقبة من الداخل والخارج معاً.. انتهت فزاعة الخوف من التدخل الخارجي في شئوننا الداخلية التي كان يستخدمها النظام الساقط للتهرب من أي مراقبة جادة علي الانتخابات. ولأول مرة في حياتنا السياسية.. نذهب إلي صناديق الاستفتاء اليوم ونحن نشعر أننا لسنا في حالة حرب وصراع مع أصحاب المصلحة الذين فرضوا علينا الاستفتاء.. لم يعد هناك اليوم أصحاب مصلحة.. الذين اجتهدوا في إعداد التعديلات الدستورية والذين تحمسوا لها لن يضيرهم شيء إذا رفضها الشعب.. والذين عارضوا ورفضوا لن يحصلوا علي امتياز إذا قبلها الشعب.. ولن تنقلب الدنيا رأساً علي عقب إذا جاءت نتيجة الاستفتاء "نعم" أو جاءت "لا".. لأن المسألة كلها تدور في دائرة الاجتهاد السياسي لا الصراع السلطوي. ولأول مرة في حياتنا السياسية.. نذهب إلي صناديق الاستفتاء اليوم دون خوف من تقارير المباحث وأمن الدولة إذا تجرأنا وقلنا نعم.. أو قلنا لا.. فلقد سقطت دولة أمن الدولة.. وصار الأمن أمن الوطن والمواطن.. وعادت الشرطة إلي دورها الطبيعي في خدمة الشعب.. وهو الدور الذي تريح فيه وتستريح. ولأول مرة في حياتنا السياسية.. نذهب إلي صناديق الاستفتاء اليوم ونحن نشعر من أعماقنا أننا أصحاب هذا البلد.. وأننا مطالبون بأداء واجب وطني يدفعنا إليه ضميرنا الديني والأخلاقي.. لكي نقول رأينا.. وندلي بدلونا بكل حرية. هذه هي أول خطوة في الممارسة الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير المجيدة.. التي أيقظت هذه الأمة من غفوة امتدت لأكثر من سبعة وخمسين عاماً.. وعلينا أن نثبت لأنفسنا.. وللعالم أجمع.. أننا جديرون بالحرية التي حصلنا عليها.. وأننا قادرون علي أن نحول الشعارات إلي فعل وممارسة منظمة.. وذلك بأن نجعل من يوم الاستفتاء عُرساً للحرية والديمقراطية.. وأن ترتفع نسبة المشاركة في التصويت إلي 80 أو 90% بعد أن كانت لا تتجاوز 15% في زمن الاستبداد. ليس مهماً أن نقول "نعم" أو نقول "لا".. لكن المهم أن نشارك.. ونثبت وجودنا.. ولا نترك السياسة لمجموعة من المحترفين فيسرقونها منا.. ونتحول نحن إلي الهامش.. ونفقد القدرة علي التأثير في القرار.. ثم نجلس لننعي همنا.. ونبكي علي حالنا. دعونا نقتنص الفرصة.. ونجعل قرارنا بأيدينا.. ونجعل طوابير الناخبين أمام صناديق الاستفتاء أمتاراً أمتاراً.. فهذه الطوابير الطويلة هي التي ستقضي علي طوابير الخبز أمام الأفران. وطوابير الزحام أمام مكاتب البريد لصرف معاشات الضمان. وطوابير الزحام في محطات المترو والأتوبيس. وطوابير السيارات المرصوصة في الشوارع بسبب أزمات المرور المتكررة خلال اليوم الواحد.. وذلك لأن طوابير الاستفتاء هي التي ستغير شكل الحياة في مصر.. وستأتي بعقول جديدة قادرة علي ابتكار حلول عصرية لمشاكلنا المزمنة.. وستأتي بضمائر يقظة ترعي حرمة المال العام. ولا تخون المسئولية.. ولا تسرق الأمانة التي وُكلت بها. الاستفتاء اليوم هو أول خطوة جادة نحو الحرية الحقيقية في مصر.. هي التي ستفتح الطريق أمام التغيير الديمقراطي المنتظر.. وهي التي ستحقق الإصلاح السياسي الشامل حينما يتم إجراء انتخابات مجلس الشعب بحرية ونزاهة.. وانتخاب لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد يستوعب أحلامنا الكبري. لإقامة أول جمهورية برلمانية ديمقراطية قوية في مصر. والإصلاح السياسي القادم هو الأساس الصحيح الذي سيقوم عليه بناء الدولة العصرية.. دولة الحريات والتنمية الاقتصادية والاستثمار الكثيف وصيانة الرأسمالية الوطنية النظيفة وتشجيعها.. ورعاية ذوي الدخل المحدود.. ورفع كفاءة العمالة المصرية التي تنال حقوقها كاملة.. وحماية أمننا القومي في خطوطه الصحيحة. وعمقه الاستراتيجي دون تزييف للوعي العام والتفاف علي الحقائق. وإذا نجحت خطوة الاستفتاء اليوم وسجلت نسبة عالية في المشاركة الشعبية فسوف تكون حافزاً كبيراً يشجعنا جميعاً علي أن نخطو خطوات أخري قادمة.. وسوف نؤكد أن مصر تغيرت وأن المصريين تغيروا. تركوا السلبية واللامبالاة.. وصاروا إيجابيين يعرفون مصلحتهم.. وقادرين علي تحمل مسئولية حكم أنفسهم بأنفسهم. كما تقول القاعدة الديمقراطية. والصدمة الكبري التي يمكن أن تحدث لا قدر الله لن تأتي من "نعم".. ولا من "لا".. وإنما ستأتي من السلبية والتخاذل.. من الامتناع عن التصويت ومقاطعة الاستفتاء.. والانسحاب من الشأن العام بدعوي أن القضية لا تهم.. أو أن هناك طرفاً سوف يستفيد من نجاح الاستفتاء.. ساعتها سنقول إنه "لا فائدة".. وأن "ريمة رجعت لعادتها القديمة".. وأن جذوة الثورة قد خمدت. ويمكن أن تقودنا هذه الصدمة لا قدر الله مرة أخري إلي مزيد من السلبية.. بل إلي حالة عامة من اليأس والفتور. يجب أن تتحول الثورة المباركة من اليوم إلي بناء المؤسسات.. وأن يظل السلاح صاحي. إشارات: * أسوأ ما في التعديلات الدستورية أن الحزب الوطني يؤيدها.. ليته انكتم. * أعرف شخصاً عمره ما قال "لا".. لكنه سيقولها اليوم بأعلي صوت لمجرد إثبات أنه موجود. * يجب أن نشجعه وندربه علي أن يكون له رأي مستقل. ولو مرة واحدة في حياته. * أعرف أن الساحة مليئة بالصخب والضوضاء والشوشرة.. لا مشكلة.. هذه ضريبة الديمقراطية.. لكن عندي إيمان بأن كلمة الحق سوف تنتصر. * إلغاء جهاز أمن الدولة جيد جداً.. وتشكيل جهاز جديد للأمن الوطني ممتاز.. ولكن لابد من قانون واضح يحول دون تدخل الجهاز الجديد في حرية المواطنين أو في أداء المؤسسات التعليمية والسياسية والصحفية.. نريد الاطمئنان علي مستقبل بلدنا وأولادنا. * إذا أرادت الدولة أن تفهم لماذا يتكالب الصحفيون علي المناصب العليا. فعليها أن تنظر إلي القانون المشوه الذي يحكم الأداء الصحفي.. ويركز السلطة والثروة في فئة محدودة.. وإذا تم تعديل القانون بما يحقق عدالة توزيع السلطة والثروة وتحديد المسئوليات وتقريب الفوارق بين الطبقات. فسوف تختفي هذه الحالة الصعبة التي تسيطر علي الوسط الصحفي حالياً وتحوله إلي ساحة حرب. * جورج إسحاق وجمال أسعد ورفيق حبيب.. أسماء أعتز بها علي المستوي الشخصي.. وأشعر بأن مصر ستظل بخير طالما فيها هذه النماذج الوطنية المحترمة. * مضي 28 عاماً. وكأنني فقدتك بالأمس فقط يا ست الحبايب.. يا أغلي الناس.. هل تصدقين.. حينما يأتي عيد الأم كل عام يوقظ جرحي ويسيل الدمع من عيني.. فما زلت ذلك الطفل الذي ينتظر لمسة حنان من يدك يا أمي.