أحمد إبراهىم ضيق النفس ومضيق هرمز رصاصتان .. إن كان الأطباء يوما أطلقوا إحداهما (رحمة) علي منطقة الصدر والرئة، بما لهذه المنطقة من علاقة مباشرة بجهاز التنفس الحساس مجري شرايين الحياة، وبما تتطلب تلك المنطقة للجسم من الرعاية والعناية، حمايةً من الأمراض والأعراض؟ فإن الرصاصة الثانية قد يُطلقها الإيرانيون علي مضيق هرمز مجري شرايين الاقتصاد بالمنطقة، لارحمةً ولا نقمةً، وإنما عرضا واستعراضا بمنهجية عليّ وعلي أعدائي، لأنّ إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية بالمنطقة، وعرقلة صادرات النفط، السلعة الاستراتيجية الأساسية التي تعتمد عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة اقتصادها المهموش بالبطالة لمستوي 12٪ وغلاء السلع الأساسية التي رفع عنها الدعم الحكومي وعن الخدمات الأساسية بالبرنامج الاقتصادي الجديد الذي طبقته حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد لاحقا، ناهيك عن تدهور سعر صرف العملة المحلية الريال، وزيادة التضخم اللامحدود بمعدله المعلن رسميا21٪ والمتناقض ببيانات المنتقدين الذين يقولون إن معدل التضخم في إيران يصل الي 50٪ .. هذا الهمّ الاقتصادي الداخلي يؤكد ان إيران هي أول من يصيبها رصاصة المضيق (إن جازت التسمية)، ولن تكون هي المتعافية الأولي من جروحها ومضاعفاتها الجانبية في المنطقة علي مر العقود. ورغم القلق من ضبابية هكذا مشهد اقتصادي داخليا، كان هذا الأسبوع محطة انطلاق لانتخاب البرلمان الإيراني (المجلس) الذي يتكون من 290 عضوا، وكانت الانتخابات هذه المرة صاحبة حظوة رغم الاختفاء عن الساحة، الحركة الخضراء المعارضة التي لا يزال قادتها تحت الإقامة الجبرية منذ فبراير2011. أُغلقت مراكز الإقتراع بعد خمس ساعات إضافية مُمدّدة للمرة الرابعة علي التوالي، والأولي من هذا النوع وبهذا القدر من التمديدات منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل الفائز بها أحمدي نجاد عام 2009 وأيضا من الانتخابات التي قيل فيها قليلٌ من كثير ما قيل في الانتخابات السابقة، منها استغلال كلمات لرفسنجاني وهو يدلي بصوته: (أرجو لانتخابات هذه المرة أن تكون كما يريدها الشعب الإيراني؟)، وتحويلها إلي ورقة رابحة للطرفين (المحافظين والإصلاحيين). فمن المتوقع إعلان نتائج هذه الانتخابات خلال الساعات المقبلة، وإن قيل إنها محسومة النتائج سلفا لأكثر من 48 مليون ناخب إيراني ممن يحق لهم المشاركة عبر 47 من مراكز التوزيع المتوزعة بين 3 آلاف و296 مرشحًا .. كما رُوهن أيضا علي نتائجها بأنها ستُحدّد ميزان القوي للطرف الفائز فيما تبقي له من الوقت للانتخابات الرئاسية المقررة في 2013 ولم تتغير لهجة أحمدي نجاد عن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. لكن وقُبيل إغلاق الصناديق كان هناك من واشنطن صوت أوباما، يحذر ايران من اللجوء للخيار العسكري اذا فشلت الدبلوماسية، إذ وجه هذه المرة الرئيس الأمريكي بأشد تهديداته حتي الآن، بتحرك عسكري أمريكي ضد إيران اذا فشلت جهود كبح طموحها النووي، لكنه حذر أيضا من ضربة استباقية إسرائيلية لإيران.! وكان تحذير أوباما في مقابلة مع مجلة اتلانتيك الشهرية، قبيل استقباله لبنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، إذ قال فيما قال: "أنا كرئيس للولايات المتحدة .. لا أُخادع." وأضاف "أعتقد أن الحكومتين الإيرانية والإسرائيلية تدركان أنه عندما تقول الولاياتالمتحدة "من غير المقبول أن تمتلك إيران سلاحا نوويا فنحن نعني ما نقوله." وكرر أوباما موقف أمريكا بأن "كل الخيارات مطروحة علي الطاولة" لكنه تحدث بدرجة أكبر عن تحرك عسكري أمريكي محتمل إذا فشلت العقوبات والدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الإيرانية، وقال عندما سُئل بشأن النوايا الأمريكية "أنها تشمل جزءا عسكريا. وأعتقد أن الناس يدركون هذا." ومباشرة بعد هذه الورقة الأمريكية تلي الورقة الإسرائيلية الأمريكية، إذ من المتوقع أن يصل نتنياهو خلال الساعات المقبلة الي واشنطن للاجتماع بأوباما، ومن المتوقع ان تهيمن الطموحات النووية الإيرانية في النقاشات المجدولة بين الطرفين، ضمن مؤشرات أمريكية بإحياء المسار التفاوضي، وإصرار إسرائيلي علي دق الطبول. أوباما قد يفضل النهج الدبلوماسي مع زيادة العقوبات، ونتنياهو قد يطالب "بإطلاق اليدين في مواجهة من يريد محو إسرائيل من الخارطة" .. هنا نريد لمحة تأمل من أشقائنا الإيرانيين إن أحبوا التأمل مع أشقائهم العرب؟ فلنتأمل معا في تخصيب العقل قبل تخصيب اليورانيوم، نعرف ان الكرسي النووي جليسه صاحب نفوذ وسلطان، قد تسجد له الدنيا، تتملق له الأقاليم يجامله العظماء والكبراء، ويختارونه ضيف شرف أينما حل حفلٌ وهو غائب، لكن إيران الجارة الشقيقة المسلمة، التي أرادت قوتها بالحلم الإسلامي وبحسن الجوار مع دول المنطقة، وكنا نراهن في مهد الجمهورية الاسلامية ان إيران آية الله الخميني ستعيد لنا جزرنا الإماراتية المحتلة، لانه لم تعد إيران شاه المحتل..! وأعجبتني آنذاك مقولة الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل إبّان زيارته الأولي لطهران بعد نجاح الثورة الإسلامية في الثمانينيات، أن إيران بوجودها بين العرب بل ورغم وجودها في قلب منطقة العروبة، إلا أنها قبلت الإسلام ولم تقبل العروبة.! فهل تفكر إيران الجارة الشقيقة المسلمة مع أشقائها المسلمين العرب، لنجيب معا علي العقل السائل باللغة العربية، إجابة شاملة مفهومة ولو مزدوجة باللغتين العربية والفارسية، أن المنطقة هل تتحمل المزيد من الحروب؟ ثمّ، وإن اشتعلت الحرب من جديد في الإقليم برصاصة مجنون لاسمح الله، وهذا مايريده المجنون العدو المشترك، فمن أين نأتي بذلك العاقل القادر علي إطفائه، خاصة لوكان ذلك العاقل هو نفسه العاجز عن الإطفاء في العراق وأفغانستان.؟