من جديد يشتعل الصراع بين الغرب والروس.. اتهامات متبادلة وتوقيف عملاء دون تقديم أي تفاصيل عن طبيعة أنشطة التجسس المزعومة.. حالة من الشد والجذب سادت الأجواء السياسية بين واشنطنوموسكو، وازداد التوتر بينهما مع تبني الكرملين لهجة قوية ضد الولاياتالمتحدة علي خلفية اتهام أمريكي بالتجسس والحصول علي معلومات استخبارية.. محاولة جديدة لكسب أوراق ضغط يمكن أن تفضي إلي مبادلة العملاء، خاصة بعد اتهام روسيا بزيادة عملائها خلال العام الماضي.. دائرة صراع لم تتوقف، فعمليات التجسس بين الروس والأمريكيين لم تهدأ يوماً، وهناك تاريخ طويل بينهما. قبل أيام، اتهمت السلطات الروسية رسمياً الأمريكي "بول ويلان" بالتجسس، وهي خطوة قد تؤدي إلي تفاقم العلاقات المتوترة بين البلدين. وكان ويلان، البالغ من العمر 48 عاماً جنديا متقاعدا من مشاة البحرية الأمريكية، قد جاء إلي موسكو لحضور حفل زفاف عندما تم اعتقاله في 28 ديسمبر الماضي. وقال جهاز الأمن الاتحادي الروسي في البداية إن ويلان أُلقي القبض عليه أثناء "مهمة تجسس". وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن السلطات قد وجهت اتهامات رسمية ضده وهو الآن قيد الاحتجاز في معتقل "ليفورتوفو" بموسكو، الذي استخدمه "جوزيف ستالين" لتعذيب السجناء خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وبالنظر إلي تاريخ هذا المعتقل، فقد يعتقد كثيرون أن ليفورتوفو هو مجرد بقايا تاريخية لمعتقل مثل سجن "الكاتزار" في الولاياتالمتحدة، لكنه لايزال قيد الاستخدام. وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لصحيفة »ox الأمريكية أن سفير واشنطن لدي موسكو "جون هانتسمان" زار ويلان، وأنه علي اتصال بأسرة ويلان. فيما أعرب وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، عن أمله في معرفة المزيد حول مصير مواطنه المحتجز ويلان. وقال بومبيو للصحفيين أثناء زيارته إلي البرازيل "نأمل أن نعرف المزيد حول توقيف المواطن الأمريكي في روسيا وما التهم الموجهة له وإذا لم يكن الاحتجاز دون إثبات فإننا سنطالب بعودته الفورية." من جانبهم، رفضت عائلة ويلان مزاعم اتهامه بالتجسس. وفي بيان لها، قالت إن "براءة ويلان لا شك فيها". وعن تواجد ويلان في موسكو قالت عائلته إنه كان يزور موسكو لحضور حفل زفاف زميل سابق من مشاة البحرية. وقال ديفيد شقيق الأمريكي المحتجز إنه كان نزيلا في فندق متروبول في موسكو الذي يقام فيه حفل الزفاف عندما اختفي. ويأتي اعتقال ويلان بعد نحو أسبوعين من اعتراف العميلة الروسية "ماريا بوتينا" بالمشاركة في حملة دعمها مسؤولون روس لتأثيرها علي السياسة الأمريكية، واختراق الدوائر السياسية للجمهوريين وجماعات المصالح ذات الميول المحافظة، وأبرزها جمعية البندقية الوطنية «NکA». وكانت بوتينا البالغة من العمر 30 عاماً تم اعتقالها في يوليو عام 2018 من قبل الاستخبارات المركزية الأمريكية »»IA» ووجهت النيابة المحلية إليها تهم التآمر ضد الولاياتالمتحدة، والنشاط بصفة عميل أجنبي دون تسجيل نفسها لدي الهيئات المعنية، وإقامة علاقات مع أمريكيين مؤثرين في سياسات البلاد. وبعد مكوثها لفترة في السجن الأمريكي، وافقت بوتينا علي الدخول في صفقة مع التحقيق الأمريكي وقبلت التعاون مع التحقيق في قضية "التآمر" ضد الولاياتالمتحدة، واعترفت بإحدي التهم المنسوبة إليها. وبعد اعتقال بوتينا في يوليو الماضي، بدأت وزارة الخارجية الروسية حملة لدعم المواطنة الروسية عن طريق هاشتاج ##FreeMariaButina. فيما أكد بوتين في وقت سابق أنه لم يعرف بوتينا حتي توقيفها في الولاياتالمتحدة، ونفي أن تكون لها أي علاقة بالجواسيس الروس. وقال الرئيس الروسي "أرغموا بوتينا علي الاعتراف بشيء ما، لا أفهم ما يمكن أن تعترف به، لأنها لم تنفذ أي مهام كلفتها بها الدولة أو هيئات السلطة في روسيا. أصرح بذلك بمسؤولية كاملة، وبغض النظر عما قالته تحت تأثير التهديد بعقوبة السجن المطولة." ويرجح بعض الخبراء أن اعتقال ويلان ربما يكون محاولة من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" للرد أو إجراء تبادل. وهذا ما أشار إليه محامي ويلان، "فلاديمير زيريبينكوف"، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إلا أنه حذر إذا كانت هذه هي الحالة، فقد تكون عملية طويلة. وقد يواجه ويلان ما يصل إلي 20 سنة في السجن إذا أدين بتهمة التجسس. بينما تواجه بوتينا فترة تصل إلي ستة أشهر في السجن، ومن المرجح أن يتم ترحيلها بعد ذلك إلي بلادها. وتري الخبيرة الروسية وأستاذة العلوم السياسية في كلية بارنارد بجامعة كولومبيا "كيمبرلي مارتين"، أن روسيا لديها تاريخ طويل من عمليات الأخذ بالثأر والصاع بالصاع، خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بعمليات التجسس. ولم تكن هذه العملية الوحيدة للإيقاع بالجواسيس وتبادلهم، فالرئيس الروسي يعرف جيداً مناورة الإيقاع بالجاسوس في موسكو لأنه عمل في شبابه ضابط استخبارات خلال "حرب الجواسيس" في ثمانينيات القرن الماضي، عندما واجهت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية »IA جهاز الاستخبارات السوفيتي KGB في لعبة "الجاسوس مقابل الجاسوس"، التي ضمت الكثير من العملاء المزدوجين وافتضح أمر ما يقرب من 10 جواسيس أمريكيين داخل جهاز الاستخبارات والأمن السوفيتي، مثل "ألدريتش آميز"، ضابط مخابرات سابق في »»IA» اعتقل عام 1994 بعد إدانته بالتجسس لصالح روسيا، وأفضت عمليات التجسس التي قام بها آميز لصالح الاتحاد السوفيتي السابق خلال الثمانينيات إلي إعدام 10 من الجواسيس الأمريكيين. ومن أخطر العملاء كان "روبرت هانسن"، الذي وُصف بأنه أسوأ كارثة استخباراتية في تاريخ أمريكا. فهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، تجسس لأكثر من عقدين لصالح أجهزة الاستخبارات الروسية ضد الولاياتالمتحدة، وتم اعتقاله في ولاية فيرجينيا عام2001. ويأتي بعدهما "هارولد جيم نيكلسون"، الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية الذي تم إلقاء القبض عليه بتهمة التآمر لصالح حكومة أجنبية وغسل أموال، هذا بجانب الحنث بقسم حماية الأمن القومي الأمريكي. وفي عام 1977 أصدر قاضٍ اتحادي في فرجينيا حكما بالسجن 23 عاماً علي نيكلسون لإدانته بتهمة التجسس. أما "إيل إدوين بيتس" فقامت زوجته بالإبلاغ عنه بعد أن ازدادت شكوكها عن عمل زوجها لصالح الاستخبارات الروسية. بالفعل كان مكتب التحقيقات الفيدرالي علي علم بنشاط "إدوين بيتس"، الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية، السري وتجسسه لصالح موسكو وبيعه معلومات هامة بين عام 1987 وحتي عام 1992جمع خلالها أموالاً طائلة، إلا أنه تم القبض عليه عام 1997 وحُكم عليه بالسجن لمدة 27 عاماً. ومن أشهر العملاء الروس الذين أوقعتهم الاستخبارات الأمريكية كانت الجاسوسة الروسية، "آنا تشابمان" 32 عاماً، التي اعتقلت مع تسعة آخرين في أمريكا بتهمة التجسس علي المهاجرين غير الشرعيين في يونيو عام 2010 وأعيدت إلي روسيا في إطار صفقة تبادل سرية هي الأكبر من نوعها منذ نهاية الحرب الباردة في يوليو من نفس العام. ومن أشهر جواسيس الخمسينيات "أثيل روزنبرج" وزوجته "جوليوس روزنبرج"، أمريكيين شيوعيين، ألقي القبض عليهما عام 1953 بعد إدانتهما بالتآمر والتجسس ونقل المعلومات الهامة حول القنبلة الذرية لصالح الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، حُكم عليهما بالإعدام في العام نفسه وكانت أول عملية إعدام مدنية بتهمة التجسس في تاريخ الولاياتالمتحدة. ويأتي اعتقال ويلان في الوقت الذي تعاني فيه العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة من الضغوط والتوترات؛ بسبب استمرار تحقيق الولاياتالمتحدة بشأن تدخل روسي محتمل في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، واستمرار تدخل الكرملين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018. بالإضافة إلي الأزمة الأوكرانية الروسية. وفي خطابه في 20 ديسمبر الماضي، حذر بوتين أيضاً من خطر الحرب النووية بسبب قرار الولاياتالمتحدة بالانسحاب من معاهدة رئيسية للحد من التسلح، ورفضها إجراء محادثات بشأن معاهدة أخري تنقضي قريباً. أعطت الولاياتالمتحدةموسكو مهلة حتي فبراير للامتثال لمعاهدة القوات النووية متوسطة المدي (INF) ويعتقد بعض الخبراء أن الاختراق يمكن أن يحفز سباق التسلح. ولايزال العديد من التفاصيل حول اعتقال ويلان لغزاً، وستظل لغزاً حتي ينهي بوتين اللعبة، وما إذا كان هذا سيضع الولاياتالمتحدةوروسيا في مواجهة.