في تحد سافر لمشاعر مسلمي العالم اكتفي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتقديم اعتذار لنظيره الأفغاني حامد كرزاي عن قيام القوات الأمريكية بإحراق نسخ المصاحف في قاعدة باجرام الجوية شمال كابول.. يأتي ذلك في وقت يحاكم فيه قس بريطاني لمجرد إنكاره محرقة النازية "الهولوكوست" وقانون أصدره البرلمان الفرنسي يقضي بسجن وتغريم كل من ينكر المذبحة التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن قبل نحو مائة عام... لذا فمن المضطهد الآن؟ وأين احترام حرية العقيدة؟ وعلي من يطبق قانون الاضطهاد الديني الأمريكي؟ دائما تفتخر واشنطن بانصهار العديد من الثقافات والأعراق والأديان علي أراضيها، وأنها الدولة التي يعلو صوتها بالحرية والمساواة إلا أنها لا تفعل ما تنادي به وباتت هي من يحض علي الاضطهاد الديني وتأجيج مشاعر المسلمين. فخلال الأسبوع الماضي، تجرأ عدد من جنودها الموجودين بمركز اعتقال بأفغانستان علي حرق المصحف الشريف وبعض المواد الدينية بحجة التخلص من المخلفات والكتب المتطرفة التي قد تستخدم لنقل رسائل بين المعتقلين، حسب ما ذكره الجنرال جون آلان، قائد قوات حلف شمال الأطلسي. ولم تكن هذه الجريمة أولي الانتهاكات التي تظهر مشاعر الكراهية والتعصب التي يكنها الغرب للإسلام والمسلمين والتي بلغت حد التطرف، فقد ارتكبوا نظير هذا الفعل المشين في العراق، حيث أحرقوا المصاحف أكثر من مرة، وتعمدوا الإساءة إليها، كما جعلوها هدفا يتباري نحوه جنودهم بالرصاص. وقبل عامين دعا القس الأمريكي "تيري جونز" وسائل الإعلام العالمية لمشاهدته وهو يحرق نسخة من المصحف الشريف، كما هاجم قس آخر يدعي "فيليب بنهام" الإسلام ورفض الاعتراف به كديانة ورسالة سماوية حيث زعم أن الإسلام ماهو إلا حركة سياسية. واعتادت قوات حلف شمال الأطلسي علي التمثيل بجثث الأفغان، حيث قام بعض من قوات الجيش الأمريكي بقتل مدنيين عزل وتقطيع أوصالهم للاحتفاظ بها والتقاط صور إلي جانب القتلي بقصد اللهو، وذلك أثناء تزعمهم لفرقة عسكرية بإقليم قندهار في أفغانستان عام 2010 وقبل 3 أشهر كشف عن فيديو يظهر قيام عدد من عناصر المارينز الأمريكي بالتبول علي جثث لمقاتلين أفغان. هذا بخلاف القوانين التي أقرتها البرلمانات الأوروبية لحظر الحجاب والنقاب وتقييد بناء المساجد والصلاة في الشوارع. وبعد كل هذه الإساءات للإسلام والمسلمين، خرج أوباما لأول مرة باعتذار رسمي للرئيس الأفغاني وشعبه والذي يراه جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، بأنه مناسب تماماً مع الأخذ في الاعتبار الحساسيات المتعلقة بالأمر بشأن معاملة القرآن. وقال إن الأولوية بالنسبة لأوباما هي سلامة الأمريكيين في أفغانستان لأن مثل هذا التصرف قد يصعب مهمة قوات التحالف في كسب عقول الأفغان وإقناع طالبان بالجلوس علي مائدة التفاوض قبل انسحاب القوات المقاتلة بحلول نهاية 2014. فيما وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الاعتذار بأنه يخدم مستقبل أوباما السياسي، نظراً لأنه يأتي في لحظات حرجة سواء فيما يتعلق بمستقبل الحرب في أفغانستان أو علي حملته الانتخابية تمهيداً لخوضه سباق الترشح الرئاسي المقبل . فالاعتذار يظهر التحدي الذي يواجهه أوباما كمرشح للرئاسة الأمريكية، حيث استطاع الجمهوريون بدورهم استغلال ذلك الاعتذار لدعم مزاعمهم بأن الرئيس الأمريكي يهتم بتقديم اعتذارات عن الأخطاء التي ترتكبها بلاده عن الاهتمام بالدفاع عن نفوذها كقوة عالمية. وفيما كان أوباما يقدم اعتذارا علي إحراق المصاحف، أمرت محكمة ألمانية بإعادة محاكمة ريتشارد ويليامسون القس البريطاني المدان بإنكار الهولوكوست، الذي أنكر عام 2008 في مقابلة مع محطة تليفزيونية سويدية محرقة النازية ووجود غرف غاز. وفي عام 2010 أدانت محكمة ريجنسبورج القس بغرامة قدرها 8450 دولاراً. من قبلها تشريع قوانين تدين وتعاقب بالسجن والغرامة في الدول الغربية كل من أنكر ما فعله أدولف هتلر وغيره بحق اليهود أو بحق جرائم ارتكبت قبل قرن مثل قانون البرلمان الفرنسي الذي يقضي بسجن وتغريم كل من ينكر المذبحة التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن قبل نحو مائة عام. كل تلك الممارسات تأتي في إطار وقف المد الإسلامي في الوقت الذي مازالت تهتز فيه أركان الفاتيكان جراء الفضائح الجنسية والمالية حول العالم. فهناك تخوف حقيقي لدي الغرب من الزحف الإسلامي السلمي الهادئ. فلم تصمت الولاياتالمتحدة يوماً والغرب بوجه عام عن انتقاد بعض الدول التي يرونها مصدر قلق بسبب الاضطهاد الديني دون أن يسمحوا لأحد بانتقاد إسرائيل أو انتقادهم. ولذا عمل التيار اليهودي واليمين المسيحي المتطرف الأمريكي علي إصدار قانون الاضطهاد الديني عام 1995 ووقع عليه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998 وأنشئت لجنة داخل الكونجرس في نفس العام لضمان أن تصبح الحرية الدينية هدفاً محورياً للسياسة الخارجية الأمريكية بالرغم من تعارض القانون وتقارير اللجنة مع الأنظمة والقوانين الدولية والدستور الأمريكي ذاته إلا أنه يخدم المصالح الأمريكية ويستخدم لممارسة الضغوط علي الدول المتهمة من قبل واشنطن. ويمكن أن تواجه هذه الدول التي يصنفها تقرير الحريات الدينية السنوي الصادر عن الخارجية الأمريكية علي أنها دول مثيرة للقلق ويمكن فرض عقوبات عليها. وكانت واشنطن استنكرت محاكمة إيران للبهائيين تحت تهمة التخابر والتجسس لصالح تل أبيب وواشنطن. كما صدر تقرير عام 2000 يتهم الصين باضطهاد سكانها بسبب عقائدهم وممارساتهم الدينية. في حين حاكمت إسرائيل اثنين من مجتمع الدروز الديني بالسجن 4 سنوات تحت تهمة التخابر والتجسس لصالح سوريا، لم تبد واشنطن اعتراضاً علي ذلك، مما يؤكد سياسة الكيل بمكيالين التي دأبت عليها الولاياتالمتحدة والغرب بوجه عام. فهناك ازدواجية المعايير في التعامل مع الأديان وأصحابها، خاصة أن العديد من التشريعات الأوروبية التي تعتبر فيه السخرية من الشخصية اليهودية تحريضاً علي الكراهية الدينية وعداء للسامية يستحق العقاب. بينما يتجاهل الغرب فرض قواعد واحدة في التعامل مع الأديان ورموزها وتجسد الحدود القانونية التي تمارس بداخلها حرية التعبير، فهم لا يطبقون مثل هذه القوانين علي كل من يسيء للإسلام ومقدساته مما يعمق ازدواجية المعايير. وتكتظ دول أوروبا وأمريكا بأحزاب يمينية متطرفة تكن عداء المسلمين، كحزب الحرية الهولندي، وحزب الشعب الدانماركي، ورابطة الشمال الإيطالية، ورابطة الدفاع الإنجليزية وحزب الشاي الأمريكي، وكذلك حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وحزب التقدم النرويجي. فالمتابع لتناول الإعلام الغربي وتقارير المحللين السياسيين المعتدلين أوحتي المدافعين عن تيارات بعينها؛ عند وقوع أي حادث دائما ما يقال تورط عناصر إسلامية ومحاربة الإرهاب الذي بات صفه للمسلمين، فلم نسمع عن حدوث حالات اعتقالات عشوائية في أوساط اليمينيين المسيحيين لارتباطهم بالأفكار نفسها، أو حتي عن فرض رقابة صارمة علي التبرعات المالية التي تصل للكنائس الأصولية المسيحية. فالتطرف الذي يقود للإرهاب لا دين له، وأن ما حدث من حرق لنسخ القرآن الكريم وما يحدث من جرائم انتهاك بحق المسلمين تثير الأحقاد والكراهية وهي أمور حرمتها الرسالات السماوية ومنعتها القوانين الدولية الصادرة عن هيئة الأممالمتحدة والتي تضرب بها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عرض الحائط لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية.