رحل عن دنيانا منذ أسابيع الناقد الكبير الدكتور عبدالحميد إبراهيم عميد كلية الدراسات العربية بجامعة المنيا الأسبق، والناقد الراحل له نظرية في النقد وهي الوسطية، وقد عرفته عن قرب وقرأت له ما أصدره من مؤلفات، ومن أجمل ماكتبه دراسة عن قصص العشاق النثرية في العصر الأموي، وقد نال عن هذه الدراسة درجة الماجستير بامتياز من دار العلوم بجامعة القاهرة. ومن آرائه في هذه الرسالة أن عاطفة العشق عاطفة إنسانية أصيلة، يغري الحديث عنها كل فرد، ويجذب كل إنسان، وهو حديث قديم منذ بدء الخليقة وسيظل إلي أن تنتهي الخليقة وقد أولع العرب بنوع من العشق، وهو ذلك النوع العفيف، وكانوا يقدرون العاشق ويحترمونه، فأخو الفزارية كان يرغب في مصاهرة قيس بن ذريح، ولما لامته العرب في ذلك قال لهم: » دعوني ففي مثل هذا الفتي ترغب الكرام« وذلك العاشق الذي أصاب السبع معشوقته فلحق بها، عظم القوم تضحيته وقالوا: »والله لننحرن عليه تعظيما له«، فخرجوا وأخرجوا مائة ناقة، وتسامع الناس، فاجتمعوا إلينا فخرت ثلاثمائة ناقة. وكانوا يتجاوبون مع هذه العاطفة، ويعطفون علي أصحابها، فمعاوية يقول: »لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما« ويري باحثنا الكبير أن بعض قصص العشق تنتهي بنوع من الخيال يومئ إلي انتصار الحب علي الجاه والثروة وعلي العادات والتقاليد، فعروة وعفراء حين حال المال بينهما في الحياة يتعانقان بعد الموت في هيئة شجرتين ملتفتين، وعتبة ورياحين حالت العادات بينهما وبين إكمال عرسهما، نبتت علي قبرهما شجرة عليها ألوان من الورق يقال لها شجرة العروسين. ويقول الدكتور عبدالحميد إبراهيم في هذه الدراسة: » وقد اهتم الباحثون بدراسة الناحية العاطفية عند العرب، فهناك من درس الغزل كالدكتور أحمد الحوفي، وهناك من درس الحياة العاطفية كالدكتور غنيمي هلال، وهناك من درس الحب العذري كالدكتور موسي خليل سليمان، والدكتور أحمد عبد الستار الجوإري ، وهناك من درس حب ابن أبي ربيعة وشعره كالدكتور زكي مبارك«. وفضل الدكتور عبدالحميد إبراهيم أن يدرس قصص العشق النثرية، ويري أن هذا الجانب لا يقل أهمية عن الجوانب السابقة التي أهتم بها الباحثون، وهو في الوقت نفسه يقدم دليلا عمليا أمام الاتهامات التي اتهم بها العرب، وأنهم جنس أدني من الجنس الآري لايعرفون القصة ولا الخيال المبتكر. كان الراحل الكريم باحثا مدققا، وناقدا كبيرا، صاحب رؤية نقدية ممتازة، وستبقي كتبه تحتل مكانة لائقة بها في المكتبة العربية.