زار الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال وجوده بالعاصمة الصينية "بكين"، مقر أكاديمية الحزب الشيوعي الصيني، والتي تعد إحدي أهم المؤسسات التعليمية في الصين، والمسؤولة عن تدريب المسؤولين والقيادات وتأهيلهم لتولي المناصب العليا. وصرح السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس استهل زيارته بتفقد متحف الأكاديمية والتي يعود تاريخ إنشائها إلي عام 1933، بما يضمه من ذاكرة أرشيفية لمراحل تطور الأكاديمية وعرض دورها في إعداد القادة الصينيين علي مر العصور. وعقد الرئيس لقاءً مع رئيس الأكاديمية وقادتها، والذين أعربوا عن ترحيبهم بزيارة السيد الرئيس للأكاديمية، مستعرضين دورها في تأهيل وتدريب القادة الصينيين، وما تضمه من مجالات تشمل مختلف قطاعات الدولة. كما وقع الرئيس في سجل الشرف بالأكاديمية بكلمة أعرب خلالها عما تمثله الأكاديمية من صرح رفيع المستوي ساهم في تخريج أجيال حملت علي عاتقها مسؤولية نهضة الشعب الصيني ورفعة شأنه، متمنياً للشعب الصيني الصديق دوام الرفعة والازدهار. كما أجري الرئيس حواراً مفتوحاً مع طلبة الأكاديمية أجاب خلالها علي استفساراتهم بشأن العلاقات المصرية الصينية ومستقبل الأوضاع في مصر والمنطقة العربية في ظل ما تواجهه بعض الدول العربية من تحديات كبيرة. وألقي الرئيس كلمة، قال فيها: "أعرب عن سعادتي للتحدث أمامكم في هذه الأكاديمية العريقة للحزب الشيوعي الصيني، بما تمثله من صرح أكاديمي رفيع، وبما تعبرون عنه من مستقبل مشرق لأجيال الشباب الصيني المقبلة، التي تحمل علي عاتقها مسؤولية مواصلة تلك النهضة الكبيرة التي أذهلت العالم بنموذجها التنموي، وتعكس في الوقت ذاته الحضارة الصينية العريقة، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ويقيني أنكم فخورون بما تمثله الصين من إضافة وإسهام للعالم، ولعلي في هذا السياق أتوجه بالشكر والتقدير لدولة الصين الصديقة، حكومةً وشعبًا، علي كرم الضيافة وحسن الاستقبال، ويطيب لي أن أعبر عن حرصي علي تلبية الدعوة بزيارة الصين، وسعادتي الشخصية بها، نظرًا لخصوصية العلاقات بين بلدينا، والتزامنا معًا بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين". أضاف: "تأتي زيارتي الخامسة إلي الصين انعكاسًا لتطور العلاقات المتميزة بين البلدين، وتأكيدًا للحرص علي استشراف آفاق أرحب للتعاون، ليس فقط علي الصعيد الثنائي، ولكن أيضًا بين الصين وإفريقيا، وبالأخص في المرحلة المُقبلة، إذ تتولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي للعام 2019، وقد أسفرت المباحثات التي أجريتها مع فخامة الرئيس تشي جين بينج، عن تأكيد استمرار توافق رؤي ومواقف البلدين تجاه شتي القضايا الإقليمية والدولية وفي المحافل الدولية، والأهمية التي نوليها لتعزيز علاقاتنا الثنائية في مختلف المجالات، والاستفادة من التجربة الصينية في مجالات التكنولوجيا والتطور الصناعي، وتعزيز العلاقات التجارية والثقافية، والتواصل بين الشعوب، باعتباره الضمانة الحقيقية لترسيخ نتائج التعاون القائم بين البلدين". تابع: "وفي سياق متصل، تُعد مصر شريكًا حضاريًا وتاريخيًا للصين في مبادرة فخامة الرئيس تشي جين بينج "الحزام والطريق"، التي تقوم علي إعادة إحياء طريق الحرير، وأبدت مصر تأييدها الكامل لهذه المبادرة، وعبرت عن أهمية المشروعات التي يتطلع الجانبان إلي تنفيذها في منطقة قناة السويس في إطار المبادرة، وشهدت زيارة الرئيس الصيني إلي مصر في يناير 2016 توقيع مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين، بهدف تعزيز التعاون في قطاع البنية التحتية وتنفيذ المشروعات الوطنية الكبري، خصوصًا فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة". أضاف الرئيس: "إنني علي ثقة بأنكم علي دراية بحراك التنمية الشاملة في مصر خلال المرحلة الأخيرة التي أسفرت عن نمو بلغ 5.3٪ عام 2017/2018، وحجم احتياطي نقدي تجاوز 44 مليار دولار، وسط جهود لتخفيض عجز الموازنة إلي أقل من 10٪ من الناتج القومي الإجمالي، ما يعكس التوجه الجاد للحكومة المصرية لتحقيق نمو اقتصادي متسارع، من خلال برنامج إصلاح اقتصادي جاد، وغير مسبوق في فلسفته وطريقة تنفيذه وسرعة تحقيقه للنتائج الملموسة، ويتم ذلك بالتوازي مع تنفيذ مشروعات كبري في مختلف المجالات، خصوصًا البنية التحتية وتشييد عدة مدن وعاصمة إدارية جديدة، بالإضافة إلي مشروعات الطرق والأنفاق واستكشافات حقول الغاز الطبيعي، وتحقيق الاكتفاء في الطاقة الكهربائية، وبناء محطة نووية لتوليد الطاقة، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، مرورًا بمشروع إنشاء محور التنمية بمنطقة قناة السويس، وجميعها مشروعات جاذبة للاستثمارات، ونتطلع إلي دور أكبر للشركات الصينية فيها". وقال: "لا شك أن تحقيق التنمية التي تحتاجها شعوبنا وتستحقها، مرهون باستعادة الاستقرار السياسي في المنطقة، ووقف هدر الدم والطاقة والموارد الذي تعرضت له شعوبها ولا تزال"، مضيفًا: "تقتضي الصراحة أن نعترف بأن السنوات الماضية عرضت النظام الإقليمي العربي لأزمات حادة، لعلها الأخطر منذ انتهاء حقبة التحرر الوطني، وبات مستقبل بل ووجود الدولة الوطنية ذاتها مهددًا، بفعل ضغوط داخلية وتدخلات خارجية تهدد بتقويضها، وتفضي لفراغ استراتيجي أثبتت التجارب أنه لطالما مثل البيئة الملائمة لنشوء التوترات الطائفية والأعمال الإرهابية التي تواصل مصر التصدي لها بصرامة، من خلال مقاربة شاملة تضم بجانب النواحي العسكرية والأمنية، الأبعاد الاجتماعية والثقافية والفكرية". وقال الرئيس: "من هنا، فقد كان الوجه الآخر للجهود الكبيرة التي قامت بها مصر علي مدار السنوات الأربع الماضية لإعادة بناء دولتها واقتصادها، هو استراتيجية نشطة للتحرك الخارجي تستعيد زمام المبادرة في المنطقة، وتعيد لشعوبها مقدراتها، وترأب الصدع الذي أصاب النظام الإقليمي العربي ودوله الوطنية، وتستعيد الاستقرار الإقليمي، وتسترجع قيم الانتماء والعمل والثقة في المستقبل لدي الإنسان المصري والعربي. وإلي هذا الأساس استندت مواقف مصر في التعامل مع جميع الملفات السياسية في المنطقة. فقد تمسكت مصر بأن مفتاح الخروج من المأزق الليبي هو المعالجة الشاملة لأزمة غياب الدولة، من خلال حكومة تمثل جميع الليبيين وتمارس سلطاتها علي جميع أنحاء ليبيا، وجيش قوي يواجه الإرهاب ويحمي الاستقرار، وانتخابات حرة تستكمل المؤسسات التشريعية للدولة. ولا وقف لنزيف الدم في سورية، إلا بحل سياسي يبدأ بإعادة كتابة الدستور السوري بالطريقة التي تؤدي إلي إعادة بناء النظام السياسي والدولة الوطنية، وتلبي الطموحات المشروعة للشعب السوري الشقيق. وكذلك لا مخرج في اليمن إلا بالحل السياسي، وإنهاء كل محاولات طرف معين الاستقواء بأطراف غير عربية لفرض إرادته علي سائر بني وطنه بقوة السلاح. وقبل كل شيء، لا مجال لإنهاء أقدم صراعات المنطقة، إلا بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في دولته المستقلة، وعاصمتها القدسالشرقية، في إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة". وقال الرئيس: "لا يفوتني في هذا المقام أن أتطرق إلي العلاقات الثنائية المتميزة بين الصين والدول الإفريقية، والتي تنبع من اهتمام وحرص القيادة السياسية الصينية علي تطوير ومتابعة تنامي العلاقات في مختلف المجالات مع إفريقيا، إذ دخلت العلاقات بين الجانبين، مؤخرًا، في حقبة ذهبية، يجب البناء عليها لتحقيق المصالح المشتركة لشعوبنا، وأصبحت الصين أكبر شريك اقتصادي لإفريقيا، وفي هذا الإطار، فإننا نتطلع إلي أن تُشكل مصر قاعدة للاستثمار والتصنيع والتجارة وصولاً إلي أسواق قارات أوروبا وإفريقيا وآسيا، من خلال اتفاقيات التجارة الحرة التي تجمع مصر مع دول الاتحاد الأوروبي والكوميسا والدول العربية، ويمكن للصين الاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجي الفريد لبناء صناعات مشتركة ومتطورة للوصول لأسواق مختلفة بطاقة استهلاكية تماثل حجم السوق الصيني، فضلًا عن الاستثمار المباشر للانتفاع بالمزايا التي تقدمها منطقة قناة السويس والمناطق الصناعية الجديدة في المحافظات المختلفة، وتعتبر منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر والصين، أو ما يُعرف بالمدينة الصينية "تيدا"، تجسيداً للشراكة الاقتصادية بين البلدين، فضلًا عن الفرص المتعددة أمام الشركات الصينية للمشاركة في المشروعات القارية الكبري، ومنها مشروع بناء الطريق "القاهرة- كيب تاون"، ومشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وأننا نؤكد ترحيبنا بمساهمة الصين في هذه المشروعات". تابع: "إن لمصر والصين دورًا رياديًا في مجالات السلم والأمن والتنمية علي المستوي الإفريقي والدولي وهو أمر نتطلع لاستمراره وتطويره، وتتمتع مصر بمكانة جيواستراتيجية مهمة، كما أننا مستعدون لدفع التعاون الثلاثي في إفريقيا والعالم العربي ليس فقط اقتصاديًا، وإنما في مجالات السلم والأمن".