شهد ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي تظاهرات شارك فيها بضعة آلاف من الشباب والمواطنين احتفالا بما أطلقوا عليه جمعة »حلم الشهيد« والحمدلله أن هذا اليوم مر بسلام وأمان دون أي مصادمات أو مشاغبات وهو ماكان يتوقعه ويتخوف منه البعض.. اللهم إلا هذا الحادث العارض الذي أصيب فيه اثنان من المتظاهرين بسبب السرعة الزائدة لإحدي سيارات التاكسي التي لاذت بالفرار من الميدان بعد أن قام المتظاهرون بتحطيم زجاجها. والحقيقة أن »حلم الشهيد« في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار وفي حياة معيشية أفضل لأهله ولجميع أبناء وطنه هو واجب مقدس ينبغي علينا جميعا حكومة وشعبا أن نحتفل به »كل يوم بل كل ساعة« ولكن ليس بالتظاهر في الشوارع والميادين وإهدار طاقات شبابنا وتعطيل العمل والإنتاج في مزارعنا ومصانعنا ومصالحنا الحكومية والخدمية وتعريض منشآتنا الحيوية والمرافق العامة للانتهاك والتدمير مثلما حدث لخطوط السكك الحديدية وميناء دمياط وشركات الكيماويات والأسمنت وتدمير منشآت محطة الطاقة النووية في منطقة »الضبعة« والتي تقدر بملايين الجنيهات ناهيك عن المخاطر الجسيمة التي يمكن أن يتعرض لها مواطنونا في منطقة الساحل الشمالي نتيجة تسرب الإشعاعات النووية وهو مايكلف الاقتصاد القومي المصري خسائر فادحة ويمثل ضغوطا علي الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات وحصيلة النقد الأجنبي التي انخفضت من 63 مليار دولار إلي 81 مليار دولار خلال العشرة أشهر الماضية وهو ما يقلل قدرة الدولة علي تلبية مطالب الجماهير المعيشية والخدمية وخلق مزيد من فرص العمل الحقيقية بهدف رفع مستوي معيشة كافة أبناء الوطن كما أنه يعطي صورة غير مشجعة للعالم حول مسار ثورتنا العظيمة مما سينعكس سلبا علي تدفق الاستثمارات الأجنبية اللازمة لتطوير الاقتصاد القومي وتحديث الصناعة المصرية وجلب مزيد من السياح لزيارة مصر مهد الحضارة وبلد الثورة ولكي يستعيد صورة القطاع حيويته وقوته باعتباره قاطرة الاقتصاد القومي.. وهنا يحضرني مرة أخري قول الإمام الشيخ محمد الشعراوي: الثائر هو الذي يظل يثور أما الثائر الحق فهو الذي يثور ثم يهدأ لكي يبني الأمجاد. إن حلم الشهيد الذي جسدته مبادئ ومطالب ثورة يناير والذي يجب أن نحتفي به في كل الأوقات، إنما يتحقق بالإخلاص في العمل والإبداع من أجل زيادة الإنتاج ورفع معدلات الإنتاجية في مختلف مناحي الحياة من أجل تحقيق مستقبل أفضل لهذا الوطن العظيم الذي نعيش فيه أو كما قال قداسة البابا شنودة: (وطن يعيش فينا) إن ثورة الخامس والعشرين من يناير التي فجرها نفر من خيرة شبابنا والتي أبهرت العالم كله المتقدم منه والنامي لابد أن تمضي إلي الأمام لتحقق كل أهدافها علي أسس حضارية وعلمية تليق بعظمة وعراقة هذا الشعب الذي احتضنها منذ اللحظة الأولي ومازال يدافع عنها ويدعمها.. وهنا ينبغي أن نحذر هذه القلة غير الواعية والمغرر بها من الجنوح للعنف والروح العدائية متأثرين بحملات الشحن والإثارة التي يقوم بها البعض ممن يطلقون علي أنفسهم »النخبة« ومديري جمعيات المجتمع المدني ومقدمي ومعدي برامج التوك شو كل حسب توجهاته الفكرية وأجندته الخاصة والمصالح الأجنبية أو المحلية المرتبط بها.. وليعلم الجميع أنهم يضرون أنفسهم وبلدهم ويسحبون الكثير والكثير من رصيد هذه الثورة العظيمة وأن مصر العظيمة لن تدمر أو تحرق كما يدعي البعض ويحذر.. ويثير البلبلة والقلق والخوف لدي المواطنين. غير أنه ومن محاسن الأقدار أن يتواكب الاحتفال بأول أعياد الثورة في25 يناير مع افتتاح مجلس الشعب في ثوبه الجديد يوم الاثنين 23 يناير بعد انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها ترشيحا وانتخابا أكثر من 27مليون مواطن مصري ممن لهم حق الانتخاب يمثلون كافة التيارات السياسية والفكرية.. هذه الانتخابات التي حازت إعجاب وتقدير كل دول العالم ووصفها المحللون السياسيون والمراقبون في الداخل والخارج بأنها أنزه انتخابات برلمانية تشهدها مصر منذ ستين عاما. ويعد مجلس الشعب الجديد الذي يمثل كافة أطياف المجتمع المصري أول إنجاز حقيقي لواحد من أهم أهداف ثورة يناير في مجال الحرية والديمقراطية وسوف يتبعه طبقا للبرنامج الزمني للتحول الديمقراطي الذي نص عليه الإعلان الدستوري انتخابات مجلس الشوري ثم إعداد الاستفتاء علي الدستور الذي ينبغي أن يكون دستورا توافقيا يمثل كافة فئات الشعب وبعد ذلك يتم انتخاب رئيس الجمهورية أواخر شهر يونية القادم ليتم بعدها مباشرة نقل السلطة إلي إدارة مدنية بطريقة ديمقراطية طبقا لإرادة الشعب التي عبر عنها في صناديق الانتخابات وهو أيضا واحد من أهم مطالب الثورة التي تتحقق واحدا تلو الآخر بطرق سلمية وديمقراطية طبقا للأصول والنظم الديمقراطية السليمة. أما أولئك المزايدون الذين يتاجرون بدماء الشهداء ويرفعون شعارات غير صادقة وغير واقعية مثل الثورة لم تحقق أهدافها بعد وضرورة نقل السلطة فورا لحكم مدني فرجاء أن يكفوا عن أساليبهم ودعاواهم وتهديداتهم المثيرة بتدمير وحرق مصر في يوم احتفالها بعيد ثورتها ذلك أن تلك التهديدات لاترقي إلي عظمة وسمو ووطنية هؤلاء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم فداء للوطن ومن أجل أن يعيش وستقدم.. فمصر العظيمة سبق أن قدمت علي مدي تاريخها مئات الآلاف من الشهداء الأبرار خلال الحروب والمعارك التي خاضها شعبها دفاعا عن حريتها وكرامتها واستقلالها. تحية عطرة خالصة من القلب تقديرا وعرفانا لشهداء الثورة الأبرار وكل شهداء مصر علي مدي تاريخها وليكن مثواهم الجنة مع الصديقين والقديسين جزاء لما قدموه من تضحيات غالية لبلدهم وأهلهم.